عاشت الأراضي الفلسطينية المحتلة، أمس، أجواءً احتفالية استثنائية لمناسبة إتمام الجزء الأول من عملية تبادل الأسرى بين حركة حماس وإسرائيل، تمّ بموجبها الإفراج عن الجندي الأسير جلعاد شاليط، في مقابل 477 أسيراً يشكلون الدفعة الأولى من عملية تضمّ 1027، وساهمت في إتمامها دول عديدة، لا في المفاوضات فقط، بل بإبدائها الاستعداد لاستقبال الأسرى المنفيين.
واستثنائية الحدث لم تكن فقط نابعة من نجاح الفلسطينيين في إجبار الإسرائيليين، بعد تعنت دام سنوات، على الرضوخ لمطلب الإفراج عن أسرى كانت تفصل بينهم وبين الحرية أحكام من المؤبدات، أو في إجبار إسرائيل على دفع الثمن الأعلى حتى الآن لاسترجاع جندي واحد، بل من جو الوحدة الذي عاشته مختلف الفصائل الفلسطينية، وهو ما تجلى بوضوح في الاحتفالات التي عمت الضفة الغربية وغزة، فضلاً عن أراضي الـ 48، وتخللها التأكيد أنه لن يطول بقاء الأسرى غير المفرج عنهم في سجون الاحتلال، لأن مزيداً من عمليات الأسر سينفذ متى ما امتلكت الفصائل القدرة على ذلك، وفقاً لما أكدته كتائب القسام الذراع المسلحة لحركة «حماس»، وألوية الناصر الذراع المسلحة للجان المقاومة، وجيش الإسلام التي نفذت عملية الأسر.
لحظات الترقب التي عاشها أهالي المفرج عنهم على معبر رفح، الذي شهد انتقال أكثر من 250 أسيراً محرراً إلى غزة، أو على معبر بيتونيا الذي كان يفترض أن يتحرر عبره أسرى الضفة الغربية، سرعان ما تحولت مع وصول الباصات التي تقلّ الأسرى إلى ساعات احتفالية.
ففي غزة، التي أعلنت فيها عطلة وطنية وأغلقت المدارس، كان رئيس الحكومة الفلسطينية المقالة، إسماعيل هنية، إلى جانب عدد من كبار قياديي الفصائل، في مقدمة مستقبلي المفرج عنهم الذين أقلّتهم ثماني حافلات، بعدما جرى تسليمهم عند معبر كرم أبو سالم «كيرم شالوم» الحدودي إلى ضباط أمن مصريين.
على الأثر، انتقل الجميع على وقع أصوات المفرقعات النارية وأبواق السيارات إلى ساحة مركزية، حيث تجمّع قرابة 250 ألف فلسطيني، تحدث خلال هذا الاحتفال قادة حماس والنشطاء المعروفون الذين حرروا، ومن خلفهم وضعت جدارية تحمل صوراً لكبار النشطاء الذين لم يفرج عنهم، كتب عليها عبارة «لن ننساكم».
وأكد هنية، الذي قدم تحية خاصة ليحيى السنوار، أحد كبار واضعي الاستراتيجيات الأمنية في حماس، الذي قضى 23 عاماً في السجن، ونائبه روحي مشتهى، أن عملية تبادل الأسرى مع الاحتلال الإسرائيلي تشكل «نقطة تحول استراتيجي في طبيعة الصراع». وأوضح أن «عملية التبادل التزمت بأمرين أساسيين لهما علاقة بالإنسان والأرض، فأولاً التزمت بأن تضم هذه العملية أسرى من مختلف القوى والفصائل، والشخصيات الفلسطينية من مختلف تيارات الحركة الأسيرة، خلف قضبان الاحتلال، ولم تنطلق من رؤية خاصة أو رؤية حزبية أو فئوية».
وأضاف «وضعنا الخلاف خلف ظهورنا من أجل هؤلاء الأسرى الأبطال، وجعلنا الانقسام وراء ظهورنا من أجل عيون هؤلاء الأبطال، فكان من بين المحررين من أبناء حماس وأبناء فتح وأبناء الجهاد الإسلامي ومن أبناء الجبهة الشعبية والديموقراطية... ومن مختلف ألوان الطيف السياسي».
وفي رام الله، التي شهدت للمرة الأولى منذ سنوات رفع رايات لحركة حماس، احتشد الآلاف في مقر الرئاسة الفلسطينية لتحية الأسرى لدى وصولهم إلى الضفة الغربية، حيث خاطبهم الرئيس الفلسطيني محمود عباس قائلاً «سترون نتائج نضالكم في الدولة المستقلة وعاصمتها القدس، كانت قضيتكم ولا تزال في قلوبنا وفي عقولنا وفي وجداننا». وأضاف «سنرى إن شاء الله هنا في هذه الساحة مروان البرغوثي وأحمد سعدات الذي نتمنى له الشفاء العاجل، ونريد إن شاء الله أن نرى إبراهيم حامد وعباس السيد من قادة حركة حماس، وكل أسير وأسيرة أن يعودوا محررين الى الوطن وأهلهم»، كاشفاً عن اتفاق مع الحكومة الإسرائيلية السابقة، برئاسة إيهود أولمرت لإطلاق دفعة من الأسرى الفلسطينيين مماثلة للدفعة التي تم الاتفاق على إطلاقها مقابل الإفراج عن الجندي جلعاد شاليط وتضم 1027 أسيراً.
وفي القاهرة، أقيم في أحد الفنادق القريبة من مطار القاهرة احتفال كبير لـ 45 من الأسرى الفلسطينيين، قبل ترحيلهم إلى الدول التى عرضت استضافتهم، وهي: قطر وسوريا، إذ ستستقبل كل منهما 15 أسيراً، فضلاً عن تركيا التي ستستضيف 10 من الأسرى.
وقد أقيم على هامش الاحتفال مؤتمر صحافي لرئيس المكتب السياسي لـ«حماس»، خالد مشعل، قال فيه إن «عملية تبادل الأسرى صفحة مضيئة في تاريخ فلسطين والأمة»، لافتاً إلى أنها «أكدت بطولة العقل الأمني للمقاومة».
وفيما كانت أجواء الفرح والشعور بالانتصار هي السائدة احتفاءً بتحرير مئات الأسرى المقاومين، كانت المشاعر على الجانب الإسرائيلي مختلطة بين الفرح بعودة شاليط، والحزن الذي يعتصر قلوب قادة وجمهور إسرائيل على الثمن المؤلم الذي اضطرت الى تقديمه في عملية الإطلاق، التي مرت بمراحل، بدءاً من غزة، مروراً بمصر، وصولاً الى دخول الجندي إلى الأراضي الخاضعة للسلطة الإسرائيلية، عبر معبر كرم أبو سالم، حيث نقل الى قاعدة تل نوف الجوية، ليلتقي بعائلته وبرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، الذي استقبله بالترحاب، والقول له «أهلاً بعودتك الى دولة إسرائيل، كم هو جيد أن تعود الى البيت»، كما أجريت له فحوصات طبية شاملة.
وقبيل عودة شاليط إلى إسرائيل، بث التلفزيون المصري صوراً تظهره برفقة رجال حماس، وبعد ذلك بث مقابلة له تحدث فيها عن فترة أسره، وأشار خلالها الى أنه علم بالعملية قبل أسبوع، مضيفاً إنه بالرغم من كونه معزولاً خلال أسره، إلا أنه كان يتابع الأخبار عبر التلفزيون والإذاعة ويعرف عن الجهود التي تبذل لتحريره.
وخلال المؤتمر الصحافي، الذي سبق وصول شاليط، أقرّ نتنياهو بالمشاعر المختلطة في إسرائيل، معترفاً بأن الثمن الذي دفعته إسرائيل كان «باهظاً وثقيلاً»، مهدداً بأنه سيسفك دم كل من يحاول المسّ بأمن إسرائيل. واعترف بأن ما دفعه الى الموافقة على صيغة التبادل هو الخشية من أن ينتهي مصير شاليط إلى ما انتهى إليه الملاح المفقود رون أراد.
وكما في أعقاب كل عملية تبادل أسرى، تنطلق الأصوات من داخل إسرائيل التي تحاول الإيحاء بأن تعاملها في المرة المقبلة سيكون مغايراً، لجهة أعداد ونوعية الأسرى الذين سيطلق سراحهم، إذ أكد وزير الدفاع إيهود باراك أن إسرائيل «ستدرس في الفترة القريبة سبل التعامل مع عمليات اختطاف في المستقبل».
في غضون ذلك، أثارت العملية ردود فعل مرحّبة امتدت من الدول العربية، مروراً بإيران التي هنأت الأمة الفلسطينية بالإنجاز، وأعربت عن أملها بقرب تحرير كامل الأراضي الفلسطينية، وصولاً إلى الدول الغربية التي أثنت على العملية وحثت على أن تشكل فرصة لتقدم عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. أما فرنسا فأبدت مختلف الأطياف السياسية ترحيباً خاصاً بالإفراج عن الجندي الإسرائيلي الذي يحمل جنسيّتها، وسط تأكيد الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أن شاليط، الفرنسي من جهة جدّته لأبيه، سيستقبل «قريباً» في باريس.
(الأخبار، أ ب، أ ف ب، يو بي آي، رويترز)



صدمة إسرائيليّة من المقابلة التلفزيونيّة

سادت أجواء الصدمة المسؤولين الإسرائيليين من جراء بث التلفزيون المصري مقابلة مع الجندي جلعاد شاليط، أمس، في ما بدا أنه لم يكن منسّقاً بين الطرفين المصري والإسرائيلي. وقال مسؤولون إسرائيليون إن الأسئلة التي وجهتها المذيعة شهيرة أحمد كانت «حسّاسة وغير مناسبة». ومن بين أسباب الغضب الإسرائيلي ظهور عناصر ملثّمين من حركة «حماس» خلف شاليط خلال المقابلة. وقال مسؤول إسرائيلي «لقد شعرنا بالصدمة لأن شاليط أرغم على إجراء المقابلة، حتى قبل أن يتمكن من الاتصال بعائلته». حتى إن مسؤولاً آخر رأى أن المقابلة هي بمثابة «مخالفة لنص اتفاق تبادل الأسرى». ولاحقاً، كشف مسؤول أمني مصري أن وزير الإعلام أسامة هيكل هو من طلب من الاستخبارات إجراء مقابلة حصرية مع شاليط. (أ ب)