دخلت إسرائيل ما بدا حالة تأهب أمس، استعداداً لإخراج صفقة تبادل الأسرى إلى حيز التنفيذ، بدءاً من صباح اليوم. وشُغلت وسائل الإعلام الإسرائيلية بالحديث عن التفاصيل الإجرائية لعملية «بيت السقاية»، وهو الاسم الذي أطلقته تل أبيب على عملية التبادل، وهو اسم أحد الطقوس التي تُمارس في آخر أيام عيد العرش اليهودي المصادف هذه الأيام.
وحتى مساء أمس، كانت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية المشاركة في العملية، وهي الجيش ومصلحة السجون والشرطة، قد أتمت كافة الترتيبات الخاصة بالعملية، سواء تلك المتعلقة بالإفراج عن الأسرى الفلسطينيين الذين ستشملهم الصفقة أو بتسلم الجندي الإسرائيلي الأسير، جلعاد شاليط وآليات نقله إلى داخل فلسطين المحتلة.
وبحسب موقع «يديعوت أحرونوت»، طلبت إسرائيل في إطار التنسيق الإجرائي للعملية الذي يشرف عليه رئيس طاقم التفاوض الإسرائيلي، دافيد ميدان، وممثلو حماس في القاهرة، أن يكون التنفيذ مشروطاً بتدبيرين: الأول، أن لا يجتاز أي باص يقل الأسرى الفلسطينيين الحدود إلى الضفة الغربية أو مصر إلا بعد أن يلتقي أحد ضباط الاستخبارات العسكرية من الجيش الإسرائيلي بجلعاد شاليط في مصر ويصدّق على هويته لدى السلطات الإسرائيلية. والتدبير الثاني هو أن لا تدخل الباصات التي تقل الأسرى الغزاويين أو المبعدين إلى غزة، والتي من المقرر أن تتوجه إلى مصر، إلى قطاع غزة إلا بعد أن تطأ قدما شاليط الأراضي الخاضعة للسيادة الإسرائيلية.
ووفقاً لما تداولته وسائل الإعلام الإسرائيلية، ستأخذ عملية التبادل الشكل الآتي: تصل الباصات المحملة الأسرى الفلسطينيين صبيحة اليوم إلى المعابر الحدودية مع مصر والضفة الغربية حيث ستخضع لحظة وصولها لسلطة منسق شؤون الحكومة الإسرائليية، الجنرال إيتان دانغوت، الذي سيشرف الصليب الأحمر على عملية تشخيص الأسرى والتثبت من هوياتهم. وبعد ذلك، سيُنقَل الأسرى المقرر إطلاق سراحهم إلى الضفة الغربية إلى باصات تابعة للصليب الأحمر الذي سينقلهم إلى منطقة بيتونيا، ومن هناك سيصار إلى تسليمهم إلى السلطة الفلسطينية. أما المجموعة الثانية، الأكبر حجماً، فسيجري تركيزها في معبر كرم أبو سالم «كيريم شالوم» الحدودي بين إسرائيل ومصر، بانتظار نقلها إلى سيناء. أما الأسرى الستة من فلسطينيي الأراضي المحتلة عام 1948 فسيُجمعون في محطة الشرطة التابعة لبلدة «أدوميم»، حيث سيفرج عنهم من هناك، فيما سيطلق سراح الأسير السوري المقيم في الجولان من محطة الشرطة التابعة لمستوطنة كتسيرين في الهضبة المحتلة.
وبعد أن يصل جلعاد إلى مصر، سيصدر الناطق باسم الجيش الإسرائيلي بياناً أولياً لوسائل الإعلام يعلن فيه الخبر ويشير فيه إلى وضعه الصحي وما إذا كان على قيد الحياة. ومن المقرر أن يمكث شاليط في مصر نحو 20 دقيقة، قبل أن يُنقَل إلى إسرائيل من طريق البر، حيث ستُعلَن المنطقة التي سيسلكها من الحدود إلى القاعدة العسكرية منطقةً عسكرية مغلقة، ومع دخوله إسرائيل سيذيع الناطق باسم الجيش النبأ، لتبدأ من بعدها عملية إطلاق الأسيرات الفلسطينيات.
ومن المقرر أن يُنقل شاليط بداية إلى إحدى القواعد العسكرية، حيث سيكون ممثلون عن جهازي الطبابة والقوة البشرية والناطق باسم الجيش في انتظاره. وفي القاعدة سيخضع شاليط لفحص طبي أولي وسيرتدي البزة العسكرية قبل أن يُنقَل في مروحية إلى قاعدة تل نوف الجوية، حيث سيلتقي هناك أهله، إضافة إلى كل من رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع، إيهود باراك، ورئيس هيئة الأركان، بيني غانتس.
ومن الجانب الإسرائيلي، سيشرف على العملية برمتها قائد شعبة العمليات في الجيش، الجنرال كوبي باراك، الذي سيبلغ رئيس الأركان بالمستجدات أولاً بأول. وقد تقرر أن تكون الصور التي ستبث عن عملية نقل شاليط حصرية بوحدة الناطق باسم الجيش أو هيئة الإعلام الوطنية التابعة لمكتب رئاسة الحكومة. يشار إلى أن مكتب نتنياهو أعلن أمس ترقية شاليط إلى رتبة «رئيس رقباء»، وهي أعلى رتبة يمكن أن يصل إليها ضباط الصف والجنود. وعند اعتقاله، كانت رتبة شاليط عريفاً، ورُقِّي مرتين في الأسر، الأولى إلى رقيب ثم إلى رقيب أول.
وكشف استطلاع للرأي نشرت نتائجه صحيفة يديعوت أحرونوت أمس أن الغالبية العظمى من الإسرائيليين توافق على صفقة التبادل وفقاً للمعطيات التي كُشف عنها. ووفقاً للاستطلاع، فإن 79% من الإسرائيليين يؤيدون عملية التبادل، بينما يعارضها 14% فقط. وأشار 50% من المستطلعين إلى أنهم يخشون انعكاسات سلبية لإطلاق سراح المعتقلين على أمن المواطنين الإسرائيليين، بينما قال 48% إنهم لا يخشون ذلك، وإنهم يثقون بالقوى الأمنية.
وكانت محكمة العدل العليا الإسرائيلية قد شهدت أمس سجالات حادة بين المؤيدين للصفقة والمعارضين لها الذين تقدموا بالتماس طلبوا فيه من المحكمة منع تطبيقها. إلا أن المحكمة كما جرت العادة في الحالات السابقة قررت في وقت متأخر من الليل عدم التدخل في قرار الحكومة، معتبرة أن الأمر منوط بصلاحياتها السياسية. وفي إطار سعيه إلى استيعاب حالة السخط التي سادت أوساط عوائل القتلى الإسرائيليين الذين قتلوا على أيدي عدد من الأسرى المحررين، وجه نتنياهو رسالة لهم أعرب فيها عن تفهمه «للصعوبة في تقبل أن المنحطين الذين ارتكبوا الجرائم البشعة بحق أحبائكم لن يدفعوا كامل الثمن الذي يستحقون أن يدفعوه».
وفي سياق متصل، قالت صحيفة «جيروزالم بوست» إن حصار غزة لن يرفع أو يخفف بعد إطلاق سراح الجندي الأسير جلعاد شاليط؛ لأنّ هدفه منع تهريب السلاح إلى القطاع. ونقلت الصحيفة عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن تل أبيب ليست لديها نية لتخفيف حصارها لقطاع غزة بسبب الإفراج عن شاليط. وقال المسؤولون إن الحصار كان في المقام الأول لوقف التهريب والتصنيع المحلي للأسلحة، ولا علاقة بالضرورة لصفقة شاليط التي لها أكثر من خمس سنوات.
بدورها (أ ف ب، يو بي آي، رويترز)، أعلنت حركة «حماس» الثلاثاء يوم عطلة رسمية، واتفقت كذلك مع الفصائل الفلسطينية على تنظيم احتفالات رسمية وشعبية للأسرى المنوي الإفراج عنهم في قطاع غزة ضمن صفقة التبادل مع إسرائيل، ويجري الإعداد لاحتفالات شعبية لاستقبال الأسرى في مدن الضفة الغربية. وأعلنت وزارة الداخلية التابعة لحماس في بيان منع إطلاق النار في القطاع الثلاثاء للتعبير عن الفرح بخروج الأسرى وإتمام الصفقة. وقال البيان إن «وزارة الداخلية لن تسمح لأحد بمخالفة القانون أو انتهاكه تحت أي ظرف من الظروف، وستلاحق كل من تسول له نفسه التنغيص على أبناء شعبنا وأهالي الأسرى فرحتهم».
وكان لافتاً أمس تصريح وزير شؤون الأسرى والمحررين في الحكومة الفلسطينية برئاسة سلام فياض، عيسى قراقع، الذي رأى أن صفقة التبادل امتازت بـ«الارتجالية والحزبية». وقال لإذاعة «صوت فلسطين» الرسمية إن «الصفقة استثنت أسرى قدامى، منهم كريم يونس، وقيادات تمثل بعداً رمزياً كأحمد سعدات ومروان البرغوثي». وأضاف: «حركة حماس انفردت سراً بالتفاوض على الصفقة، ولم تستشر أحداً ولم تطلب معلومات لا تملكها تتعلق بالأسرى»، معتبراً عدم خروج جميع الأسيرات من سجون الاحتلال «خطأ وينم عن عدم دراية بملفهن».
في هذا الوقت، قال نائب الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عبد الرحيم ملوح أنه جرى أمس نقل الأمين العام للجبهة الشعبية أحمد سعدات إلى مستشفى الرملة الإسرائيلي العسكري بعد «تردي وضعه الصحي نتيجة الإضراب عن الطعام المستمر منذ عشرين يوماً»، وسط معلومات عن تعليق الأسرى إضرابهم نتيجة تلبية أحد مطالبهم، وهو إنهاء تدابير العزل.
إلى ذلك، قال مصدر أمني مصري إن مصر تتوقع مبادلة إيلان غرابيل المحتجز منذ حزيران بتهمة التجسس، والذي يحمل الجنسيتين الأميركية والإسرائيلية بسجناء مصريين محتجزين في إسرائيل. وأضاف المصدر أن المبادلة ستجري بعد أن تستكمل إسرائيل صفقة التبادل مع حماس. وقال: «بعد إتمام صفقة شاليط ستجري ترتيبات لمبادلة غرابيل بعدد من السجناء المصريين في السجون الإسرائيلية... لكن الصفقتين منفصلتان وغير مرتبطتين».
من جهة ثانية، رحّب الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، بإعلان تبادل الأسرى بين إسرائيل وحركة حماس، وأمل أن يولد زخماً إيجابياً للجهود الرامية إلى حل نزاع الشرق الأوسط. وذكرت إذاعة الأمم المتحدة أن بان قال في حديث للصحافيين في سويسرا حيث يقوم بزيارة رسمية، إن «إعلان التوصل إلى صفقة تبادل للأسرى بين إسرائيل وحماس خطوة مرحب بها. وأنا آمل بصدق أن تعطي زخماً إيجابياً لعلاقتهما من أجل السلام والأمن». وأضاف: «سأواصل العمل لتحقيق ذلك».