لا تكاد شائعة حدوث انشقاق في حزب أو كتلة انتخابية عراقية تتلاشى، حتى تنطلق أخرى. آخر التسريبات أو الشائعات في هذا السياق بطلها هذه المرة حزب الدعوة الإسلامية الذي يتزعمه رئيس الوزراء نوري المالكي. عُرِفَ هذا الحزب بكونه الأكثر عرضة للانشقاقات، وكان آخرها انشقاق زعيمه ورئيس الوزراء السابق إبراهيم الجعفري مع كوادر وقيادات من الحزب ليؤلّفوا «تيار الإصلاح» الذي خاضوا الانتخابات الأخيرة تحت لوائه، محقّقين نتائج متواضعة للغاية. وما أُثير أخيراً في أكثر من وسيلة إعلام عراقية عن هذا الموضوع يكتسب أهمية خاصة، أولاً لجهة الزعيم الذي قيل إنه يقود محاولة الانشقاق عن حزب الدعوة، وهو الرجل الثاني في الحزب، وزير التعليم العالي علي الأديب. تمضي المصادر الخاصة في ذكر تفاصيل مهمة عن هذه المحاولة؛ فالأديب، كما قيل، يقاطع منذ أكثر من ثلاثة أشهر اجتماعات قيادة الحزب، وتردّد كلام عن خلافات حادة مع المالكي بشأن سياسات الحزب. روت تلك المصادر أيضاً أن الأديب دعا عدداً من كوادر الحزب وأعضاءً في قائمة «دولة القانون»، إضافة إلى شخصيات مستقلة، إلى وليمة غداء في 5 تشرين الأول الجاري، تطرّق خلالها الداعي إلى ضرورة إنشاء تجمع جديد لذوي الكفاءات تحت اسم «تجمع الأكفاء». مصادر سياسية ذات توجهات إسلامية شيعية أكدت هذه المعلومات، وأضافت أنّ المالكي، بعد يومين على وليمة الأديب، وجّه نقداً شديداً لمن حضر الغداء من أعضاء «دولة القانون» التي يقودها الحزب. حتى إن مصادر مطّلعة ذكرت لاحقاً أنّ الأديب نجح في تعيين نجله بلال نائباً للملحق الثقافي العراقي في واشنطن، وأن الأخير اجتمع مع مسؤولين أميركيين وأسمعهم كلاماً يُفهم منه أنّ والده سيكون أكثر تفهّماً ومرونة مع المطالب والرغبات الأميركية ممّا هو عليه المالكي. وهنا، يصعب اعتبار رئيس الوزراء معادياً أو حتى مشاكساً تجاه المشروع الأميركي، لذلك لا يجد المراقب الكثير من الأسباب التي قد تدفع واشنطن إلى التفريط بالمالكي أو استبداله، خصوصاً في أجواء تتّسم بالعداء المتصاعد لوجودها في العراق. ومن الشخصيات القيادية التي قيل إنها تشارك الأديب مشروعه الانشقاقي، وزير الدولة لشؤون المصالحة الوطنية عامر الخزاعي. الأخير يحمل ملفاً شديد الحساسية، يتعلق بكيفية التعامل مع المجموعات المسلحة سابقاً، أو تلك التي لا تزال ترفع السلاح، ومع الحركات والأحزاب السرية، وخاصة حزب البعث بأجنحته المختلفة. ومع أنّ الرجل مُتَّهم من قبل خصومه بأنه غير مُلِمّ بدقائق هذا الملف، إلا أنه نجح في عقد عدة اتفاقات مع عدد من الفصائل المسلحة غير الأساسية، تبرّأت منها عدة أطراف وسكتت أخرى.
مصادر سياسية تعتقد أن الأديب، باختياره للوزير الخزاعي، ربما أراد الإشارة إلى أنه أقرب إلى الرغبات والبرامج الأميركية التي تريد مصالحة حقيقية مع البعث وحلفائه ممّا هو عليه المالكي الذي يوصف بالتشدد في هذا المجال. آخرون يرفضون هذا الرأي، مستدلين بأن الوزير الأديب باشر أقسى حملة لاجتثاث البعث في وزارة التعليم العالي بعد توزيره مباشرة. وأشار محللون آخرون إلى أنّ الباعث الحقيقي على محاولة الانشقاق التي تنسب إلى الوزيرين الأديب والخزاعي هو الانحدار الشديد في شعبية حزب الدعوة التي هي في واقع الأمر شعبية زعيمه المالكي، والخشية من غرق السفينة في الاستحقاقات المقبلة. أطراف أخرى لا تأخذ بهذا الرأي، بل ترجّح أن تكون محاولة الوزيرين الأديب والخزاعي ردّ فعل على عمل كبير يُعدّ له المالكي داخل قيادة الحزب قد يطيح الحرس القديم ويستبدله بجيل جديد من القياديين. وأصحاب الرأي يستدلون بتصريحات كثيرة أكدت وجود أزمة حقيقية في قيادة الحزب، وأفرزت تيارين في القيادة: الأول، هو تيار المراجعين بقيادة الأديب، وهم المطالبون بمراجعة تجربة الحزب في الحكم، والمبادرة إلى مصالحة حزبية داخلية مع القيادات والأجنحة التي انشقّت، وعقد المؤتمرات الحزبية كـ«شورى الحزب» ومؤتمرات الدعاة التي أصبحت متباعدة ولا يحضرها المالكي شخصياً. أما التيار الثاني، فيمثله المالكي والدائرة المحيطة به ممن يدعون إلى الاستمرار بتجربة الحكم كما هي.
قيادات سياسية ومحللون مطّلعون في بغداد لا يرجّحون نجاح محاولة انشقاق الأديب، إن صحّت أخبارها، ويعتقدون بأنها قد لا تتجاوز النتائج التي حققها الجعفري في انشقاقه، وذلك لأسباب عديدة، منها ما يتعلق بشخصية الأديب نفسه التي لا يمكن وصفها بالجذابة والمحبوبة شعبياً، إضافة إلى الكلام الذي يُثار عن أصوله الإيرانية وحمله للجنسية الإيرانية هو وعدد من أفراد أسرته. رسمياً، صدر تكذيب باهت على لسان الأديب لهذه الأنباء، ووضع فيها هذه الأخبار في خانة «حملة التشويه التي تعرض لها ويتعرض لها منذ توزيره». وقد شبّه مراقبون هذا التصريح بالمواقف التي نفت في السابق انشقاق الجعفري حتى وقع الانشقاق بالفعل.