بعد إعلان الاتفاق على صفقة تبادل الأسرى، بدأت الاجهزة الأمنية الإسرائيلية تعمل على تبرير موافقة حكومة تل أبيب عليها بهدف احتواء جانب من تداعياتها السلبية في الوسط الإسرائيلي، رغم تأييد الرأي العام لها. ومن أبرز الشخصيات التي تؤدي الدور التسويقي للصفقة، رئيس الموساد تمير باردو، الذي أكد عدم وجود أي بدائل أخرى، أمام إسرائيل، تسمح لها بتحرير جنديّها الأسير جلعاد شاليط، وخصوصاً أن من المتعذر القيام بذلك عبر عملية عسكرية.
ولفتت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الى أن رئيس الموساد أوضح، خلال جلسة الحكومة، أنه في ضوء انعدام البدائل الأخرى «ينبغي القيام بما هو ممكن»، مضيفاً إن بإمكان الأجهزة الإسرائيلية التعامل مع الأسرى المحررين، وأنه لولا ذلك «لما أيدت الصفقة».
وفي رسالة ضمنية تعكس جانباً من خلفية موافقة إسرائيل على إجراء هذا النوع من عمليات التبادل، لفت باردو الى أنه يرسل يومياً العديد من الأشخاص الى عدد كبير جداً من المهمات ـــــ خارج اسرائيل ـــــ التي تنطوي على أخطار، لكنهم «يعلمون أنه في لحظة الحقيقة سأقف إلى جانبهم من أجل مساعدتهم... وبالنسبة إليّ كقائد، الموضوع ليس محل تساؤل»، مضيفاً إن «على مقاتلينا أن يعلموا بأن قائدهم سيفعل كل شيء من أجل إعادتهم اذا حصل لهم شيء»، لكنه عاد وأكد أن الصفقة «لا تشكل تهديداً على الدولة».
في السياق نفسه، لفتت يديعوت الى أنها المرة الأولى التي يتم فيها نشر موقف رئيس الموساد وأقواله، فيما رئيس أركان الجيش الإسرائيلي بيني غانتس ورئيس جهاز الأمن العام (الشاباك) يورام كوهين أعلنا موقفهما المؤيد للصفقة خلال الأسبوع الماضي وحتى قبل ذلك.
أما في ما يتعلق بالسجال داخل الحكومة بشأن صفقة التبادل، فمن الجلي أن دفاع قادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية عن الصفقة يحصّن موقف القيادة السياسية، وعلى رأسها بنيامين نتنياهو، وخاصة أن عدداً من الوزراء أوضحوا بأن أقوال باردو وباقي الأجهزة الأمنية أقنعتهم بصورة نهائية بأن هذه أفضل صفقة بإمكان إسرائيل تحقيقها وأنه يجب تأييدها. لكن في المقابل، اندلعت مشادة كلامية بين المعارض للصفقة الوزير عوزي لانداو، الذي أنكر على الأجهزة الأمنية تقديم توصياتها، وبين رئيس الشاباك يورام كوهين، الذي هدد «أنه في موضوع كهذا، إذا لم أطرح توصية أمامكم فإني سأستقيل والحكومة تقرر، لكن نحن يجب أن نطرح موقفنا كتوصية».
وذكرت صحيفة «معاريف» أن أجهزة الأمن الإسرائيلية تستعد لمواجهة تطورات محتملة تحاول من خلالها «جهات متطرفة إسرائيلية أو فلسطينية» عرقلة تنفيذ الصفقة في اللحظة الأخيرة، وأن التخوف الأساسي هو التعرض لأسرى فلسطينيين تحت عنوان «جباية الثمن»، في إشارة الى الاعتداءات التي يشنها نشطاء اليمين المتطرف ضد الفلسطينيين.
بموازاة ذلك، أفادت تقارير إسرائيلية بأن مبعوث نتنياهو الخاص لمحادثات تبادل الأسرى ديفيد ميدان، موجود في القاهرة منذ أول من أمس للاتفاق على التفاصيل النهائية، من ضمنها مكان وموعد إطلاق سراح شاليط ونقله الى إسرائيل. وأضافت التقارير أيضاً أنه لدى عودة شاليط الى إسرائيل، سيتم تصنيفه كمعاق وأنه يعاني من حالة ما بعد صدمة عملية حربية، الأمر الذي سيوفر له علاجات نفسية والحصول على مخصصات مالية.
من جهته، رأى رئيس الهيئة الأمنية السياسية في وزارة الدفاع الإسرائيلية، عاموس جلعاد، أن مصر في وضع قوي للغاية في أعقاب الصفقة الأخيرة التي كان لها دور أساسي في إتمامها، وأعرب لصحيفة «جيروزاليم بوست» عن تأييده للصفقة انطلاقاً من أن «المسؤولية الملقاة على كاهل الدولة وقوات الجيش تقضي بإحضار الجنود المحتجزين وإعادتهم إلى وطنهم تحت أي ظروف». وقد أكدت مصادر سياسية إسرائيلية أن المفاوضات المكثفة بين إسرائيل ومصر بشأن صفقة التبادل أدت الى تحسين كبير في العلاقات بين البلدين بعدما كانت متوترة في الآونة الاخيرة على أثر مقتل الجنود المصريين على الحدود الإسرائيلية.
على صعيد آخر، نقلت صحيفة يديعوت أحرونوت، عن مصادر فلسطينية، ذات صلة بالمفاوضات، قولها إن حركة حماس تراجعت عن مطلبها بإضافة أسيرات ضمن الأسيرات المنوي إطلاق سراحهن في إطار الصفقة، بعدما تبيّن وجود أسيرات إضافيات غير اللواتي سيتم إطلاق سراحهن.
وقد باشرت إسرائيل أمس باتخاذ الإجراءات التمهيدية لتنفيذ عملية التبادل المقرر إخراجها غداً إلى حيز التنفيذ. وأفادت وسائل الإعلام الإسرائيلية بأنه تم استكمال تجميع الأسرى الفلسطينيين المشمولين في لائحة المفرج عنهم في سجني «كتسيعوت» في الجنوب و«شارون» في منطقة الوسط. وبحسب التقارير الإسرائيلية، فإن مصلحة السجون الإسرائيلية جمعت الأسرى من أحد عشر سجناً مختلفاً في إسرائيل، بينها نفحة ومجدو وعوفر وشطا، ونقلتهم في قوافل خضعت لحراسة مشددة إلى «كتسيعوت»، حيث جرى تجميع 430 أسيراً، و«شارون» حيث جُمع الأسرى الـ 47 الباقون. وفي كلا المعتقلَين، وضع الأسرى في أقسام معزولة عن بقية الأقسام لضمان عدم تواصلهم مع الأسرى النزلاء الآخرين. ووصل عصر أمس ممثلو الصليب الأحمر الدولي إلى أمكنة تجميع الأسرى من أجل تنفيذ إجراءات التشخيص الروتينية بحقهم وإبلاغ كل منهم بقرار الإفراج عنه أو إبعاده بحسب ما هو مقرر.
من جهة أخرى، تلقى ديوان الرئاسة الإسرائيلية ملفات 182 أسيراً المقرر الإفراج عنهم من أجل توقيع قرارات عفو رئاسية عنهم، بحسب ما يقتضيه القانون الإسرائيلي الذي يعطي الرئيس صلاحية منح العفو للمدانين في المحاكم المدنية. وأشارت وسائل الإعلام العبرية إلى أن شيمون بيريز سيوقع قرارات العفو عن كل الملفات التي سيتسلمها وأنه سيُرفق توقيعه بملاحظة هي «أعفو، لكن لا أسامح». كما سيوقع قائد المنطقة الوسطى في الجيش الإسرائيلي، آفي مزراحي، على قرارات العفو عن أسرى الضفة الغربية الذين جرت محاكمتهم في محاكم عسكرية.