الرباط | يتوجه المغربيون يوم 4 أيلول (شتنبر) المقبل إلى صناديق الاقتراع لاختيار ممثليهم في «انتخابات الجماعات والجهات»، وهي أول انتخابات محلية تقام بعد إقرار دستور 2011 الذي أتى إثر حراك شعبي قادته، أساساً، «حركة 20 فبراير». هذا الاقتراع سيكون بِرهانات سياسية كبيرة بين الائتلاف الحكومي الذي يقوده «حزب العدالة والتنمية» الإسلامي، ويضم «الحركة الشعبية» و«التجمع الوطني للأحرار» و«حزب التقدم والاشتراكية»، وبين المعارضة المشكلة من أحزاب «الاستقلال» و«الأصالة والمعاصرة» و«الاتحاد الاشتراكي» و«الاتحاد الدستوري».
وضمن التحضيرات الرسمية للحدث الانتخابي المرتقب، أطلقت وزارة الداخلية حملات دعائية في القنوات العمومية وبعض الإذاعات العامة، تهدف إلى التعريف بأهمية هذا الاستحقاق الانتخابي، برغم أن نسبة المصوتين لن تفوق، وفق مراقبين، 50 في المئة من نسبة المسجلين في اللوائح الانتخابية، وذلك بسبب انعدام ثقة المغربيين في الطبقة السياسية الحالية.
خلال هذه الانتخابات، سيتنافس مرشحو الأحزاب على ما يقارب 24 ألفاً و655 مقعداً في «الجماعات المحلية»، وهي الجماعات المكلفة تسيير أمور المواطنين محلياً. أما بخصوص المقاعد المخصصة للجهات الـ12 في المملكة، فيبلغ عددها 678 مقعداً برسم الجزء الأول المفتوح على قدم المساواة لترشيح النساء والرجال، و250 مقعداً برسم الجزء الثاني المخصص للنساء، أي بنسة تقارب 27 في المئة.
وتنقسم جهات المملكة إلى 12 جهة، هي: جهة طنجة ــ تطوان، والشرق، وفاس ــ مكناس، والرباط ــ سلا ــ القنيطرة، وبني ملال ــ خنيفرة، والدار البيضاء ــ سطات، ومراكش ــ أسفي، ودرعة ــ تافيلالت، وسوس ــ ماس، وكلميم ــ واد نون، والعيون ــ الساقية الحمراء، وأخيراً جهة الداخلة ــ واد الذهب.

يُتوقع أن يكون «التجمع الوطني للأحرار» الأوفر
حظاً للفوز

وبرغم أن انتخابات الغرف المهنية، التي جرت في السابع من آب (غشت) الجاري، ليس لها تأثير في الانتخابات الجماعية والجهوية المرتقبة، فإنها فتحت شهية الأحزاب السياسية للتباري بقوة في الانتخابات المقبلة، خاصة بعد احتلال «حزب الأصالة والمعاصرة» المعارض المرتبة الأولى بـ408 مقاعد، وحصول «حزب العدالة والتنمية» الذي يقود الأغلبية البرلمانية على 196 مقعداً (وهما الحزبان الغريمان اللذان ينتظر الجميع نتائجهما في الانتخابات المقبلة).
وقد انطلقت الحملة الانتخابية قبل أوانها القانوني، بمشاركات إعلامية وجماهيرية ساخنة لزعماء الأحزاب المتنافسة، أبرزها المشاركات التي دشنها كل من رئيس الحكومة والأمين العام لـ«حزب العدالة والتنمية»، عبد الإله ابن كيران، والأمين العام لـ«حزب الأصالة والمعاصرة»، مصطفى البكوري، والأمين العام لـ«حزب الاستقلال»، حميد شباط، والأمين العام لـ«حزب الحركة الشعبية» (حليف العدالة والتنمية) وزير الشباب والرياضة، امحند العنصر.
وفي سياق التنافس السياسي الحاد الذي تشهده المملكة المغربية، أطلق «العدالة والتنمية» تهماً ثقيلة في وجه نائب الأمين العام لـ«حزب الأصالة والمعاصرة»، إلياس العماري، مشككاً في نزاهته، بل تجاوز الأمر استهداف العماري إلى حد المطالبة بحل حزبه، تحت مبرر أنه «غير شرعي»، على اعتبار أن مؤسسه كان مقرباً من ملك البلاد، وهي التهم التي يعتبرها قادة «حزب الأصالة والمعاصرة» واهيةً ولا أساس لها من الصحة، وشككوا أيضاً في الجذور التاريخية لحزب رئيس الحكومة وكون مؤسسه، عبد الكريم الخطيب، مقرباً كذلك من القصر ومن الملك الراحل، الحسن الثاني.
في الإطار نفسه، اشتد الصراع بين «حزب الحركة الشعبية» و«حزب الاستقلال»، بعد اتهامات خطيرة وجهها الأمين العام لـ«الاستقلال»، حميد شباط، إلى وزراء «حركيين» بالسطو على المال العام، وهو ما نفاه امحند العنصر، الذي قال في ندوة صحافية يوم الاثنين الماضي إنه لم يعد يرد على حميد شباط ولن يدخل معه في جدالات عقيمة.
خلافات «الاستقلاليين» و«الحركيين» لم تقف عند هذا الحد، بل خرج عضو المكتب السياسي لـ«الحركة الشعبية» وزير الوظيفة العمومية، محمد مبديع، ليرد على حميد شباط، قائلاً: «نحن أسيادك، فلا داعي للتطاول علينا»، وتحداه بالقول: «سأتوجه إلى معقلك في فاس (وهي مدينة عرفت بدعمها الانتخابي لحزب الاستقلال) وسترى».
في غضون ذلك، يتوقع محللون وسياسيون أن يكون «حزب التجمع الوطني للأحرار»، الذي يعقد ندوة صحافية يوم غد (الثلاثاء) لعرض برنامجه الانتخابي، الأوفر حظاً للفوز بأكبر عدد من المقاعد، يليه «حزب الأصالة والمعاصرة»، ثم «حزب الاستقلال»، ثم يليهم «حزب العدالة والتنمية»، الذي يَتوقع له المحللون دفع «فاتورة السلطة»، خصوصاً بفعل ما اعتبره عديدون «قرارات غير شعبية» أقرّها الحزب طوال أربع سنوات من وجوده على رأس السلطة التنفيذية.
أما الخاسر الكبير في الانتخابات، التي ستجرى في الرابع من الشهر المقبل، فيبدو أنه سيكون «حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية»، الذي أنهكته التطاحنات الداخلية والانشقاقات التي شهدها أخيراً. فقد انشق عنه عدد من أبرز قادة الحزب وأسسوا حزباً جديداً حمل اسم «البديل الديموقراطي»، فيما فضّل آخرون الالتحاق بأحزاب في الأغلبية الحكومية، أشهرهم رجل الأعمال، أحمد الدرهم، الذي غادر الاتحاد باتجاه «حزب التجمع الوطني للأحرار».
وتحاول الأغلبية الحكومية إبراز مستوى التنسيق في ما بينها أثناء التحضير للاستحقاق الانتخابي، الأمر الذي دفع، مثلاً، الأحزاب الأربعة المشكلة للحكومة لتؤكد «تعزيز النفس الإيجابي في التعامل مع مختلف الاستحقاقات الانتخابية، بما يضمن الانخراط الفعال للمواطنين في مسلسل البناء الديموقراطي لمؤسساتنا المنتخبة». وفيما تشير تصريحات كهذه إلى الحرص على التنسيق التام وتثبيت التحالف الحكومي على مستوى الجماعات والجهات، لكن، وفق مراقبين، تبقى التحالفات على المستوى المحلي رهينة بالمصالح الجهوية أكثر منها بالمصالح السياسية المركزية، وهو ما لوحظ خلال انتخابات عام 2009 حينما حدثت تحالفات بين أحزاب الأغلبية والمعارضة في بعض جهات المملكة.
عموماً، إن كانت حلبة التنافس الانتخابي حامية خلال الشهر المقبل، فإن اهتمام المغربيين بانتهاء العطلة السنوية والعودة إلى المدارس، وبعيد الأضحى أيضاً، قد يبعدهم نوعاً ما عن «التطاحنات السياسية»، خصوصاً في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها شريحة كبيرة داخل البلاد.