باريس | عقدت هيئة تنسيق قوى التغيير الديموقراطي في سوريا ندوة في باريس، تعد أول نشاط لها خارج سوريا، شارك فيها المعارضون ميشيل كيلو وفايز سارة وسمير العيطة، مؤكدةً أنها تدعو بوضوح وبصراحة إلى التغيير وتطالب بإسقاط النظام. واللافت أن هذه الندوة، التي استقطبت اهتماماً إعلامياً كبيراً، لكونها تضم، لأول مرة في فرنسا، معارضين قادمين من الداخل السوري، تعرضت لتضييقات غير معهودة في «موطن الحريات وحقوق الإنسان». وبعدما كان مزمعاً أن تعقد الندوة في «مركز الصحافة الأجنبية» التابع لوزارة الخارجية الفرنسية، على غرار كل نشاطات الجهة المنظمة لها، وهي «نادي الصحافة العربية في باريس»، اعترضت الخارجية الفرنسية على الندوة بحجح أمنية، ما أدى إلى تغيير مكان الندوة إلى مقر مجلة «لوموند ديبلوماتيك». لكن عقبات جديدة اعترضتها، وأدت إلى انتقالها في آخر لحظة إلى قاعة محاضرات صغيرة في مقر صحيفة «لوموند». وعلّق سمير العيطة على هذه التضييقات، فقال ساخراً «كنتُ أعتقد أن تنظيم اجتماع في باريس سيكون أسهل من عقده في دمشق. لكن المشاكل التي اعترضت هذه الندوة أثبتت لنا العكس»!. منذ البداية اتسمت تصريحات أقطاب «التنسيقية» بالكثير من الاتزان والتواضع. وقال فايز سارة «لسنا مجرد شهود عيان، بل نحن أطراف فاعلة ومنخرطة كلياً في الانتفاضة السورية. لكن كوننا آتين من الداخل لا يخوّلنا الزعم بأننا نمتلك الحقيقة المطلقة، بل نحن نعبّر فقط عن وجهة نظر من بين وجهات نظر متعددة...».
وسعت الندوة إلى تقديم صورة شاملة وموضوعية لمشهد الحراك الشعبي في سوريا، حيث قال فايز سارة «إن القوى الأساسية التي تحرك الشارع منذ الأشهر السبعة الماضية هي في غالبيتها من فئات الشباب بين سن الـ15 والـ35. وهي فئات وُلدت ونشأت في العهد الأخير (عهد بشار الأسد)، ودخلت مجال الإدراك العام خلال العقد الأخير. وهي التي رفعت شعارات الحرية والكرامة والديموقراطية والدولة المدنية، ووضعت هذه القيم في قلب الحراك الشعبي المطالب بإسقاط النظام». كذلك أشاد سارة بالحضور اللافت للنساء في الانتفاضة السورية. ولفت أيضاً إلى أن خريطة انتشار الحراك الشعبي في مختلف المدن والأرياف والمناطق العشوائية تشير بوضوح إلى المناطق التي تعرضت للكثير من التهميش السياسي والاقتصادي والثقافي، مما جعلها اليوم الحاضنة الاجتماعية الأبرز لقوى الثورة.
من جهته، أبدى ميشيل كيلو كثيراً من المرونة في الموقف من «المجلس الوطني السوري»، بالرغم من التباين الواضح بين مواقف «المجلس» و«التنسيقية». وقال إن «تشكيل المجلس الوطني خطوة إلى الأمام في طريق توحيد أصوات المعارضة. ونحن سنحكم على المجلس فقط انطلاقاً من المنهج الذي سيسلكه، ونتمنى ألا يعتمد أسلوباً إقصائياً، وأن يحترم تعددية أصوات المعارضة وتنوعها...».
وعن تطورات الأحداث في الأسابيع الأخيرة، قال ميشيل كيلو «نحن أمام نظام يرفض أن يعترف بحقوق ومطالب الشعب المشروعة. في المقابل الحراك الشعبي أصبح متمسكاً بإسقاط النظام. ونحن اليوم بين حدّين: عنف بلاحدود من قبل السلطة، لكنه غير قادر على منع الناس من التظاهر، وانتفاضة شعبية شجاعة، لكنها ليست قادرة حتى الآن على إسقاط النظام». واعترض كيلو على عد هذا التحليل نوعاً من التشاؤم، موضحاً أن «الحراك الحالي يشهد تلاحماً كبيراً بين المجتمع المدني والمجتمع الأهلي التقليدي، وبالتالي فهذه الانتفاضة من وجهة المعارض السوري فرصة تاريخية لخروج العالم العربي والإسلامي كله، لا سوريا فحسب، من الرؤيات التقليدية والماضوية إلى آفاق متجددة من التحرر والعصرنة...». وبخصوص الحوار مع السلطة، وإمكانية التوصل إلى تسوية أو حل وسط، قال: «إن ذلك ممكن نظرياً، لكن لا حوامل له حالياً على الأرض. فالسلطة ليست لديها أي رغبة في الحوار. ولا يمكن أصلاً أن يكون للحوار معنى من دون وقف الحل الأمني وإطلاق المعتقلين وإقرار حرية التظاهر والاحتجاج السلمي».
وبعدما أكد كيلو رفضه للتدخل العسكري الذي «يمكن أن يؤدي إلى تدمير سوريا»، مبدياً تأييده لـ«حماية قانونية» للسكان وخاصة عبر ارسال مراقبين دوليين بموجب الاتفاقية الدولية لحقوق الانسان، لفت المعارض السوري إلى أنه «اذا واصل النظام سياسة قمع شعبه، فسيكون المسؤول اذا ما حدث تدخل أجنبي. كل الدول تتدخل اليوم في الشأن السوري. سوريا في سبيلها لأن تصبح ساحة مواجهة دولية».
من جهته، أكد سمير العيطة أنه «ما لم تتوفر الشروط، فإن أي حوار لن يكون سوى نوع من التغطية على المعالجة الأمنية للأزمة السياسية»، مذكراً بتمسك «التنسيقية» بلاءات الثورة السورية الثلاث الرافضة للعنف وللطائفية وللتدخل الأجنبي.