بعد حصار ومفاوضات شاقة استغرقت أياماً عدة، وافق وجهاء بني وليد (جنوبي غربي طرابلس) في ليبيا، أمس، على دخول الثوار الليبيين إلى مدينتهم، على أن يتعهدوا لهم عدم انتهاك حرمات البيوت، أو تنفيذ أي تصفيات جسدية للسكان الموالين لنظام الزعيم الليبي المخلوع معمر القذافي، مع استعدادهم لتسليم أسلحتهم طوعاً، وعدم القيام بأي أعمال عسكرية ضد الثوار. وطلب الوجهاء من الثوار إعادة الخدمات من كهرباء واتصالات ووقود إلى مدينتهم فور دخولها، فيما أكد الثوار أنهم لن يضطروا إلى استخدام الأسلحة في حال عدم وجود أي مقاومة، وأنهم لن يلاحقوا أحداً إلا الذين تلطخت أيديهم بدماء الليبيين خلال فترة حكم القذافي. وقال وجهاء المدينة إن القادة التابعين لنظام القذافي فروا من بني وليد، بمن فيهم نجله سيف الإسلام.
وكان المتحدث باسم اللجنة الإعلامية في المجلس الانتقالي، جلال القلال، قد قال إن «الوضع لم يتغير في بني وليد»، مضيفاً «ليست هناك من تطورات جديدة»، مشيراً إلى أن «المحادثات بين الأطراف لم تثمر حتى الآن». الا أن مسؤول الداخلية في المجلس، أحمد ضراط، أبدى تفاؤلاً بقوله «نأمل بلوغ الخاتمة السعيدة للمحادثات».
وعقد أمس اجتماع بين ممثلين عن الثوار وزعماء قبائل في مسجد في منطقة تبعد نحو 50 كيلومتراً عن بني وليد قريب من ترهونة. وبقي الثوار أمس في حال ترقب ينتظرون نتائج المحادثات حول بني وليد، فيما أطلقوا الأعيرة النارية من رشاشاتهم في الهواء لدى انتهاء الاجتماع، احتفاءً بالفكرة المطروحة على طاولة البحث.
وقال رئيس المفاوضين عن الثوار، عبد الله كنيشل، «كلنا على جانب واحد، نشكر حضوركم الى هنا»، مضيفاً إن الثوار وضعوا شرطين «أن يسمح لأبناء بني وليد بالعودة الى منازلهم، ورسالة طمأنة الى فلول النظام السابق بأنهم لن يسعوا الى الانتقام». وأضاف «لا نريد إراقة الدماء في بني وليد، نحن لسنا قتلة. كل شعب ليبيا قد ربح والنصر هو لكل الليبيين».
وكان كنيشل قد ذكر سابقاً أن بعض المدنيين أُخذوا رهائن في وسط بني وليد، وفي قرى صغيرة مجاورة. وتابع أن «قوات القذافي أغلقت أيضاً مداخل المدينة ولا تسمح للعائلات بمغادرتها، وهذا أمر يقلقنا، إذ إننا لا نريد قتل مدنيين إذا أصدرنا الأوامر بالهجوم».
من جهته، قال الشيخ عبد الكميل، وهو أحد وجهاء قبائل بني وليد، «نحن متفائلون بأن دخول الثوار الى بني وليد سيكون سلمياً»، مضيفاً إن «المفاوضات كانت جيدة جداً». وأضاف «لدينا انطباع جيد عن قادة الثوار وصورة أوضح الآن مختلفة جداً عن الدعاية التي أُعطيت لنا. سننقل رسالتهم الى بني وليد».
من جهة ثانية، أعلن الثوار أن سكان عدة مناطق على مشارف مدينة سرت المحاصرة سلموا أسلحتهم وأعلنوا انضمامهم إلى «ثورة 17 فبراير» من دون قتال. ويستعد الثوار لاقتحام مدينة سرت في حال عدم تسليمها بعد انتهاء المدة المحددة لذلك، والتي مددها رئيس المجلس الانتقالي، مصطفى عبد الجليل إلى أسبوع آخر تنتهى يوم السبت المقبل.
كما أعلن الثوار، القبض على وكيل وزارة خارجية نظام القذافي، والمتحدث باسمه، خالد كعيم.
من جهة ثانية، أعلن المتحدث العسكري باسم حلف شمال الأطلسي، العقيد رولان لافوا، أن الحلف لا يتعقب «قادة النظام الليبي السابق الفارين والمرتزقة والقادة العسكريين والنازحين»، بعد تردد «شائعات» عن احتمال وجود القذافي وأحد أبنائه في قافلة عسكرية كبيرة دخلت النيجر.
وأكد مصدر عسكري نيجري لوكالة «فرانس برس» أن قافلة كبيرة من السيارات المدنية والعسكرية آتية من ليبيا أول من أمس دخلت مدينة أغاديز بشمال النيجر متوجهة الى العاصمة نيامي، مشيراً الى «شائعات» تتحدث عن احتمال وجود القذافي وأحد أبنائه في القافلة. غير أن وزير خارجية النيجر، محمد بازوم، نفى في وقت لاحق أمس وصول قافلة برية تضم القذافي وأحد أبنائه الى النيجر. وقال «هذا ليس صحيحاً، لا يجري الحديث عن القذافي ولا أعتقد أن القافلة بالأهمية التي أعطيت لها».
في غضون ذلك، قالت وزارة الخارجية الفرنسية إن الزعيم الليبي المخلوع يجب أن يقدم إلى العدالة، سواء كان ذلك في ليبيا أو أمام المحكمة الجنائية الدولية. ورداً على سؤال عما إذا كانت فرنسا ستشعر بالارتياح إذا ذهب القذافي إلى المنفى، قال المتحدث باسم الوزارة، برنار فاليرو، «يجب أن يقدم إلى العدالة بسبب الجرائم التي ارتكبها خلال الاثنين والأربعين عاماً الماضية». بدوره، قال المتحدث باسم المجلس الانتقالي، عبد الحفيظ غوقة، إن قافلة من عشر عربات عبرت الحدود إلى النيجر كانت محملة بأموال أخذت من أحد فروع «المصرف المركزي الليبي في سرت».
وفي سياق متصل، قال مصدر جزائري مسؤول إن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، أمر بمنع دخول مسؤولين ليبيين وأقارب العقيد القذافي إلى الجزائر والسماح في المقابل للمواطنين الليبيين العاديين بالعبور لدواع إنسانية. ونقلت صحيفة «الشروق اليومي» الجزائرية عن المصدر قوله إن السلطات الجزائرية رحّلت بعض الأسماء المحسوبة على نظام القذافي إلى ليبيا، بعدما كانوا قد دخلوا الجزائر في الأيام الأولى من شهر رمضان.
في المقابل، أكد المتحدث باسم القذافي، موسى ابراهيم، أن الزعيم الليبي الفار يعمل على «التخطيط والتنظيم». وقال في حديث لقناة «الرأي» التي تبث من دمشق، إن القذافي «بصحة ممتازة» و«يخطط وينظم» من أجل الدفاع عن ليبيا، متعهداً «الجهاد حتى الموت أو النصر». الى ذلك، قالت متحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية إن الصين ستعترف بالمجلس الوطني الانتقالي كحكومة شرعية لليبيا «حين تكون الظروف مؤاتية». وقالت المتحدثة جيانغ يو، إن الصين على اتصال وثيق بالمجلس الوطني الانتقالي وتؤيد دوره في ليبيا.
(أ ف ب، رويترز، يو بي آي)



الزنتاني يحمي متاحف طرابلس بمسدّس

يتفقد إبراهيم محمد صالح الزنتاني الحواجز الإسمنتية والخشبية المثبتة عند أبواب متحف السراي الحمراء، وسط طرابلس، متلمساً بحركة عفوية مسدسه الذي مكّنه من ردع محاولات سرقة محتويات المتحف طوال فترة الأحداث التي رافقت الهجوم على العاصمة الليبية، وتخليصها من حكم العقيد معمر القذافي.
ويقول الزنتاني (46 عاماً)، الذي يعمل حارساً في الموقع منذ 8 سنوات، وهو يشير الى ملابسه الرثة «بقيت هنا ثلاثة عشر يوماً أحرس أبواب المتحف بهذا المسدس». ويقع المتحف بين البلدة القديمة وسط العاصمة، والساحة الخضراء التي أصبحت تعرف باسم «ساحة الشهداء» بعد سيطرة الثوار في 23 آب الماضي.
ومتحف السراي الحمراء جزء من مجمع متاحف تحتضنها قلعة طرابلس التي بنيت على أنقاض مبنى روماني ضخم، واشتهرت عبر التاريخ بكونها حصناً أساسياً للدفاع عن المدينة ورد الغزوات.
وأصبحت السراي منذ أوائل الخمسينات مقراً لهيئة إدارة الآثار ومتاحفها، وبينها متحف ما قبل التاريخ، ومتحف القبائل الليبية، ومتحف عصر الجماهير الذي افتتح خلال عهد معمر القذافي.
(أ ف ب)