دمشق | حال واضحة من التخبط لا يزال يعيشها النظام السوري وأجهزته الأمنية المختلفة، في تعامله مع المعارضين السوريين. فعلى الرغم من إنهاء العمل بقانون الطوارئ، الذي يمنح الفروع الأمنية المختلفة الحق والصلاحية في منع المواطنين السوريين من السفر، أو اعتقالهم لمدة غير محددة من دون عرضهم على القضاء المختص، فإن قرار منع المعارضين السوريين فايز سارة ولؤي حسين وميشال كيلو من السفر إلى لبنان، أول من أمس، جاء ليعيد طيف قانون الطوارئ إلى الواجهة مجدداً، وخصوصاً أنه أتى بعد وقت قصير من تعطيل السلطات سفر المعارض رياض سيف، بعدما تذرعت الأجهزة الأمنية، بوجود مواد ممنوعة في حقائب سفره.
واستهجن الكاتب السوري المعارض، لؤي حسين، الإجراء التعسفي الذي منعت بموجبه الأجهزة الأمنية السورية سفره مع زميليه ميشال كيلو وفايز سارة، من السفر إلى لبنان، للمشاركة بندوة حوارية نظمتها قناة «الحرة» الفضائية، التي كان من المفترض أن تجمع أسماء معارضة وموالية للنظام السوري.
وأكد المعارض السوري ارتجالية قرار المنع وآنيته، قائلاً لـ«الأخبار»: «في الأسبوع الماضي كنت في زيارة سريعة للبنان، وعدت إلى سوريا يوم الأربعاء، من دون أن يعترض طريقي أحد». وعن طبيعة إجراءات المنع ومجرياتها، أضاف: «قرار المنع جاء شفهياً وسريعاً، ولا وجود لإشعار مسجل على حواسيب النقاط الحدودية»، وأضاف: «هذا يؤكد تماماً أن السلطات السورية وأجهزتها الأمنية، كانت على علم مسبق بنيتنا السفر إلى لبنان». وأكد حسين أن قرار المنع الذي تلاه ضابط الأمن عند نقطة التفتيش الحدودية، يقضي بمنعه مع رفاقه من السفر إلى لبنان فقط «من دون أن يتطرق إلى بقية الأقطار والبلدان».
ولدى سؤال حسين ورفاقه عن مبررات هذه المنع، جاءت الإجابة محددة وواضحة «حفاظاً على سلامة المواطنين السوريين وأمنهم في الأراضي اللبنانية»، حسب ما قاله ضابط الأمن المسؤول، الذي أوضح أيضاً أن قرار المنع يستمر لمدة يومين فقط، مشيراً إلى أن «هذا يؤكد أن الإجراء اتخذ لمنعنا من المشاركة في الندوة المقررة ليس أكثر».
وأشار المعارض السوري إلى أن «هذا القرار غير قانوني على الإطلاق. سابقاً كنا نبرر مثل هذه الإجراءات بوجود قانون الطوارئ ووجود الحاكم العرفي الذي يصدر مثل قرارات كهذا. الآن ألغي قانون الطوارئ، ولا وجود لحاكم عرفي يمنع أي مواطن سوري من السفر. يجب على قرارات كهذه أن تأتي من طريق التسلسل عبر القضاء».
وفصل حسين التجاوزات القانونية التي وصفها «بالممارسات القمعية». وأكد أيضاً أن جميع تحركاته وتحركات أصدقائه المعارضين مراقبة بنحو كامل، بما فيها وسائل اتصالهم المختلفة «بعد إلغاء قانون الطوارئ، أقر المرسوم رقم 55، الذي يمنح لما يسمى الضابطة العدلية، التي يعينها رئيس الجمهورية، حرية مراقبة وسائل الاتصال المختلفة، أو اعتقال المواطنين لمدة 7 أيام قبل تقديمهم إلى القضاء، لكن لا يمنح هذا المرسوم في الوقت نفسه، الصلاحيات للأجهزة الأمنية، أن تمنع المواطنين السوريين من السفر». ولا يستبعد المعارض السوري أن «نشهد خلال الفترة المقبلة قرارات مماثلة، تمنع بعض أسماء المعارضة، من مغادرة الأراضي السورية في حال توجيه دعوات إليها، للمشاركة في ندوات أو مؤتمرات تتناول الأوضاع السورية وتطوراتها»، مشدداً على أن «السلطات السورية تتصرف بنحو ارتجالي في قراراتها القاضية بمنع أو السماح للمعارضين السوريين مغادرة البلاد».
حكاية منع المواطنين السوريين من السفر، قضية لطالما عانى منها المعارضون السوريون، منذ عقود طويلة خلت، هذا ما يؤكده الصحافي المستقل، المعارض السوري، أنور بدر، الذي اعتقل لمدة 12 عاماً على خلفية انتمائه إلى حزب العمل الشيوعي المعارض للنظام. وعن معاناته، قال بدر لـ«الأخبار»: «قرار منع أي مواطن سوري من مغادرة البلاد، مسألة تخضع لاعتبارات تحددها الفروع الأمنية المختلفة». وأضاف: «بعد خروجنا من المعتقل، استطاع عدد كبير منا الحصول على جوازات سفر بشكل قانوني، لكن بعد أربع سنوات صدرت قائمة تضم نحو 500 اسم من المعتقلين السياسيين السابقين، منعوا بموجبها من السفر، أنا كنت واحداً منهم».
تعامل الصحفي السوري المعارض مع قرار منعه ورفاقه من السفر، عبر الوسائل القانونية، ولدى مراجعته إدارة الهجرة والجوازات، أبلغ أن الأمر يتعلق بفرع الاستخبارات رقم 255 «أمن الدولة» الذي لم يبد تجاوباً أو تعاوناً يذكران. ويوضح بدر «هناك البعض منا استطاع إزالة اسمه من قائمة المنع، بطرق خاصة وعبر علاقات شخصية، أما البقية فقد انتظرت سنوات طويلة حتى أزيل قرار المنع تلقائياً، لكن من المفارقات المضحكة التي يعيشها المعتقلون السياسيون السابقون، أن قرار المنع من الممكن أن يصدر عن عدة فروع أمنية، وإزالته من أحد هذه الفروع لا يعني بالضرورة إزالته من البقية، يبقى المعتقل السابق ممنوعاً من السفر حتى إشعار آخر». وأكد أن مجمل قرارات المنع من السفر، لا علاقة لها بالضرورة إذا كان المعني بقرار المنع، معتقلاً سياسياً سابقاً، مشيراً إلى أن «طبيعة قرارات المنع هي أمنية إدارية، تحدد طبيعتها ومعطياتها الفروع الأمنية المختلفة».
وفي محاولة لرصد هذه الظاهرة، أنشأ عدد من المواطنين السوريين المقيمين في الخارج، صفحة على موقع التوصل الاجتماعي «الفايسبوك» حملت اسم «ممنوع من السفر» تضمنت مشاركات مختلفة تناولت حرمان المواطنين السوريين من السفر. وعلى الرغم من إلغاء القرار الذي يمنع المخرجة السورية المعارضة هالة العبد الله من السفر خارج سوريا، كتبت الأخيرة في إحدى مشاركتها على هذه الصفحة، «إن هذه الحالة تدفعني إلى القول: إن ما يجب أن نعمل من أجله بالإضافة إلى استعادة الجميع الحق بالسفر وحرية الحركة وهذا أمر بديهي، ولكن بالإضافة له، يجب أن نتخلص من الشعور بأننا دوماً معرضين لهذه العقوبة، أي أننا دوماً على لائحة انتظار الممنوعين من السفر». وأشارت إلى «أن الممنوع من السفر يعيش عقوبة ظالمة ويتعرض لأذى مؤلم دائم ولكن كل منا، نحن غير الممنوعين، حالتنا ليست أسهل، إذ إننا نعيش حالة ترقب وقلق، إن لم أقل خوف ورعب، بأن هذه الحالة تترصد بنا عند أية لفتة رأس أو أية لحظة تنفس نتجرأ على ممارستها».