تمكّن المتظاهرون المعارضون للنظام السوري من مفاجأة السلطات الأمنية من خلال نقل حركة تظاهراتهم اليومية، أمس وأول من أمس، إلى قلب العاصمة دمشق تحت شعار «زلزال الشام»، بعدما كانت الحركة الأكبر متمركزة في المحافظات البعيدة الطرفية، إضافةً إلى مدن ريف وضواحي دمشق. في هذا الوقت، كان الرئيس بشار الأسد يصدر مرسوماً جديداً لقانون الإعلام، على وقع هجمة عنيفة لوزير إعلامه ضد الفضائيات العربية وأدائها في تغطية الملف السوري، بانتظار وصول الموفد الروسي «المهم جداً» إلى دمشق اليوم.
وقال «المرصد السوري لحقوق الإنسان» إن التظاهرات التي خرجت في دمشق ليلة السبت وصباح أمس كانت «أكبر من أي وقت منذ بدء الاحتجاجات» في منتصف آذار الماضي، بينما أفاد بسقوط 3 قتلى عندما أطلقت قوات الأمن ذخيرة حية لتفريق متظاهرين تدفقوا من مساجد في مدينة القصير وميناء اللاذقية وكفرسوسة، بعد أداء صلاة التراويح في «ليلة القدر»، كما نقل «المرصد» عن شهوده أن المئات من أفراد الشرطة و«الشبيحة» هاجموا مصلين حاولوا التظاهر مع انتهاء «صلاة التهجُّد» قرب الفجر في مسجد الرفاعي بحي كفرسوسة في دمشق، كذلك أكد «اتحاد تنسيقيات الثورة السورية» أن «قوات الأمن اعتدت على المتظاهرين الذين اعتصموا في جامع الرفاعي، ما أدى إلى سقوط شهيد واصابة إمام الجامع أسامة الرفاعي برأسه و12 آخرين، إصابة أحدهم خطرة». وذكر ناشطون أن «المصلين خرجوا للتظاهر من جامع الرفاعي في كفرسوسة فتعرض لهم الأمن، فعادوا إلى الجامع واعتصموا فيه، إلا أن قوات الأمن اقتحمت الجامع واعتدت بالضرب على المعتصمين». وأضافوا إن «أهالي المعتصمين تجمعوا وطالبوا بالإفراج عن المحاصرين إلى أن جرى الإفراج عنهم بعد مضي ساعتين، عمد بعدها الأمن الى اعتقال بعضهم لدى خروجهم من الجامع».
وتضامناً مع معتصمي كفرسوسة، أفاد «المرصد» أن «دمشق شهدت صباح أمس عدداً كبيراً من التظاهرات انطلقت من معظم أحيائها كالصالحية والميدان وبرزة والمالكي والزاهرة والمجتهد وأحياء، إضافة إلى تظاهرات في ريف دمشق، منها عربين وزملكا ودوما وكفر بطنا وركن الدين والزبداني ومضايا».
كذلك ردّد المحتجون شعارات إسقاط النظام ومحاسبته بضاحية الحجر الأسود في دمشق، حيث يعيش لاجئون من مرتفعات الجولان المحتلة، وهو ما حصل خلال تظاهرات حاشدة في ضواحي أخرى من دمشق مثل دوما والقدم، إضافة إلى تظاهرات حمص وإدلب وتدمر وحماه ومحافظة الحسكة الشرقية. وكانت عدة صفحات على موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك» قد دعت المحتجين إلى التظاهر يوم السبت في «زلزال الشام». وبحسب «المرصد»، فإن مدنياً قُتل وأصيب خمسة آخرون عندما حاولت قوات الأمن تفريق تظاهرة خرجت في بلدة كفرنبل (إدلب).
وقد دفعت أحداث دمشق بوزارة الداخلية السورية إلى دعوة المواطنين إلى عدم الاستجابة لدعوات التظاهر في العاصمة، وذلك «حرصاً على سلامتهم». وطالبت الوزارة، في بيان لها، «الإخوة المواطنين عدم الاستجابة لدعوات في مواقع التواصل الاجتماعي للمشاركة في مسيرات أو تجمعات في الساحات العامة بدمشق».
في هذه الأثناء، تحدّث مقيمون في ضاحية الغوطة بشمال شرق دمشق، عن خوض معارك عسكرية «مع منشقين عن الجيش، كانوا قد رفضوا اطلاق النار على المتظاهرين». وأشار المقيمون إلى أن عشرات الجنود فروا إلى الغوطة، وهي منطقة بساتين وأراضٍ زراعية، بعدما أطلقت القوات الأمنية النار على حشد كبير من المتظاهرين قرب ضاحية حرستا لمنعهم من تنظيم مسيرة إلى العاصمة. وقال أحد سكان حرستا لوكالة «رويترز» إنّ «الجيش كان يطلق نيران الرشاشات الثقيلة طول الليل في الغوطة، وكان يلقى رداً من بنادق أصغر». ووصفت «رويترز» الحادثة بأنها «أول انشقاق يجري الإبلاغ عنه حول العاصمة». وفي وقت لاحق، جاء في بيان على الإنترنت لـ «الضباط الأحرار»، وهي مجموعة تقول إنها تمثل المنشقين، إن «انشقاقات كبيرة» وقعت في حرستا. وأكد البيان أن عقيداً في استخبارات سلاح الجو كان مسؤولاً عن الغارات والاعتقالات التي تقوم بها الشرطة السرية أُصيب برصاصة في رأسه قرب ضاحية سقبا.
سياسياً، أصدر الأسد مرسوماً تشريعياً خاصاً بقانون الإعلام الجديد. وأبرز ما يتضمنه مشروع القانون، منع عقوبة السجن بحق الصحافي، والاكتفاء بالغرامة المالية، وتأسيس المجلس الوطني للإعلام على أن يبقى موضوع إلغاء وزارة الإعلام من عدمه من اختصاص السلطة السياسية، على أن يستحدث مجلس يسمى المجلس الوطني للإعلام يتولى تنظيم الإعلام طبقاً لأحكام هذا القانون.
في غضون ذلك، نفى وزير الإعلام عدنان محمود، أي نية للحكومة «برفع الدعم عن المحروقات وحوامل الطاقة وزيادة رسوم السيارات والأدوات الكهربائية والكماليات»، متهماً «بعض المحطات العربية، وخصوصاً فضائيتي العربية والجزيرة بأنها أصبحت ناطقة باسم المعارضة، متجاهلة ما تقوم به المجموعات المسلحة من قتل وترويع للسكان»، ومنتقداً التجييش الإعلامي التي تقوم به تلك المحطات.
وفي آخر الأنباء المتعلقة بالمعارضين السوريين الموجودين داخل بلادهم، فقد كشف المعارض فايز سارة أنه مُنع، هو وزميلاه ميشال كيلو ولؤي حسين على الحدود السورية ـــــ اللبنانية من التوجه إلى لبنان للمشاركة في ندوة تلفزيونية عن الانتفاضة السورية.
إلى ذلك، تنتظر دمشق، اليوم، وصول «مبعوث مهم جداً من موسكو» بحسب المندوب الروسي إلى مجلس الأمن فيتالي تشوركين، مع ترجيح وكالات الأنباء أن يكون هذا المبعوث هو نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، في ظل احتمال أن يكون محور لقاءات هذ المسؤول في عاصمة الأمويين مشروع القرار الروسي في مجلس الأمن، الذي وصفه دبلوماسي غربي بأنه «مناورة لتحويل مسار المفاوضات». ويدعو مشروع القرار الروسي إلى «تسريع تطبيق الإصلاحات»، لكنه أيضاً يطالب «المعارضة بالبدء بحوار سياسي مع النظام».
(الأخبار، أ ف ب، رويترز، يو بي آي)