لا يزال الثوار الليبيون يخوضون معركة فاصلة في غرب بلادهم ضد كتائب العقيد معمر القذافي، عبر كسر الحصار المفروض على مدينة زوارة والطريق الاستراتيجية بين طرابلس وتونس، فيما أعلن الرجل الثاني في المجلس الوطني الانتقالي، محمود جبريل، من إسطنبول، أنّ من الضروري أن يُفرج الغرب عن كافة الأرصدة الليبية التي جُمّدت بمقتضى عقوبات فرضتها الأمم المتحدة على نظام القذافي لقمعه للاحتجاجات. وغداة اجتماع إسطنبول لمجموعة الاتصال، الذي سرّع في الإفراج عن مليار ونصف مليار دولار من الأموال المجمّدة لليبيين، قال جبريل، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو: «يُنتظر الكثير من الحكومة الجديدة بعد سقوط النظام. والإفراج عن الأرصدة المجمدة أساسي لنجاحها». وأضاف أن «هذه الأموال ضرورة لتعمل الخدمات الصحية بشكل طبيعي وليتم دفع رواتب الموظفين الذين لم يتلقوا أجورهم منذ أشهر».
وأمل جبريل، الذي يرأس المكتب التنفيذي للمجلس الانتقالي، أن تشغل ليبيا مقعدها في الأمم المتحدة الشهر المقبل. وقال إنه لا ينبغي لبعض الدول الأوروبية أن تخلق أزمة تتعلق بشرعية المجلس الانتقالي، «وإلا فإن سيناريو كهذا سيؤدي إلى فراغ سياسي» في البلاد. وشدد على أن كل المساعدات يجب أن تكون تحت رعاية المجلس الوطني الانتقالي.
بدوره، طالب وزير الخارجية التركية دول العالم بالإفراج عن الأصول الليبية المجمّدة لديها. وقال: «ينبغي إعادة أموال الشعب الليبي»، مضيفاً: «لطالما وقفنا مع مطالب الشعب الليبي بالتغيير واعتقدنا أن سلطة واحدة يجب أن تمثل البلاد تفادياً للانقسام». وأشار إلى أن هذه السلطة حالياً هي للمجلس الوطني الانتقالي. وقال: «نعتقد أنه لا سبب لإبقاء تجميد الأصول الليبية بعد التطورات الدبلوماسية والعسكرية الأخيرة». وأضاف: «أود أن أؤكد مجدداً، أن تركيا ستقف مع ليبيا في هذه الفترة الانتقالية وتقدّم أي نوع من الجهود لتوفير المساعدة الإنسانية وغيرها من المساعدات».
وقد التقى جبريل أيضاً في إسطنبول رئيس الحكومة التركية، رجب طيّب أردوغان. ونقلت الوكالة التركية عن مصادر أن الأخير أبلغ المسؤول الليبي باستعداد بلاده لتقديم أي دعم لليبيا وأنّ من المهم رؤية الشعب الليبي يقرر مستقبله بإرادته. وشدد المسؤول التركي على أهمية وضع دستور ليبي جديد، لافتاً إلى استعداد بلاده لمشاركة المجلس الوطني الانتقالي خبراتها. وذكرت المصادر أن جبريل شرح لأردوغان الوضع الراهن في ليبيا، وطلب منه المساعدة في الإفراج عن الأصول الليبية المجمدة في العالم.
من جهتها، دعت وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، المجلس الانتقالي إلى اتخاذ موقف حازم ضد «التطرف العنيف»، وطالبت القذافي وعائلته وأنصاره بوقف عنفهم المتواصل من أجل مصلحة الشعب ومستقبل ليبيا. وقالت كلينتون في بيان، إن «لدى المجلس الوطني الانتقالي واجبات تجاه المجتمع الدولي. ننتظر منهم أن يضمنوا أن تنفذ ليبيا مسؤولياتها المنصوص عليها في المعاهدات وأن يضمن ألّا تهدد مخزونات الأسلحة في ليبيا جيرانها أو أن تقع بين الأيادي الخاطئة وأن يتخذ موقفاً حازماً من التطرف العنيف». وأشارت إلى أن الولايات المتحدة ضمنت الإفراج عن 1.5 مليار دولار من الأرصدة الليبية المجمدة في الأراضي الأميركية، وحثت الدول الأخرى على التمثّل بها والإفراج عن الأموال الليبية «لتلبية حاجات الشعب الليبي».
ورأت الوزيرة الأميركية أن «الوضع في ليبيا لا يزال غامضاً، ولكن من الواضح أن زمن القذافي يبلغ نهايته ويفتح الباب أمام مرحلة جديدة، مرحلة الحرية والعدالة والسلام»، مضيفة: «لا مكان في ليبيا الجديدة للهجمات الانتقامية».
من جهة أخرى، قرر المجلس الوطني الانتقالي نقل لجنته التنفيذية من بنغازي إلى طرابلس بعد أيام من تمكن مقاتليه من دخول طرابلس واقتحام مقر القذافي في باب العزيزية، والسيطرة على مناطق واسعة من العاصمة والبلاد. غير أن جيوباً من المقاومة لا تزال باقية في طرابلس.
وقال نائب رئيس المكتب التنفيذي للمجلس الانتقالي، علي الترهوني، إن رئيس المجلس مصطفى عبد الجليل، سيصل إلى طرابلس عندما يسمح الوضع الأمني بذلك. وأعلن أن شخصيات من المعارضة المسلحة ستتولى وظائف رئيسية في الحكومة الانتقالية.
في هذا الوقت، يسعى الثوار إلى السيطرة على سرت (مسقط رأس القذافي 360 كيلومتراً شرقي طرابلس)، وكسر الحصار عن مدينة زوارة غرباً.
وفي السياق نفسه، قصفت طائرات تابعة لحلف شمالي الأطلسي، أمس مقراً للزعيم الليبي المخلوع في سرت.
وإلى الغرب، على الحدود التونسية، تتواصل الاشتباكات بين الثوار والقوات الموالية للقذافي التي تسيطر على نقطة رأس جدير الحدودية، التي عمد الجيش التونسي إلى إقفالها.
(أ ف ب، رويترز، يو بي آي)