بغداد | احتاج البرلمان العراقي لنحو نصف ساعة فقط لإمرار حزمة الإصلاحات الأولى التي أطلقها رئيس الوزراء، حيدر العبادي، استجابة لمطالب المتظاهرين وتوجيهات مرجعية النجف، ولإمرار ورقة الإصلاح البرلمانية أيضاً.
البرلمان نفسه برئاسته وبكتله ــ المقتنعة منها وتلك التي ركبت موجة المظاهرات من باب الخشية ــ كان يحتاج سابقاً لأسابيع ولأشهر لإمرار مشاريع قوانين أقل أهمية مما صُوِّت عليه أمس. حتى أنّ البرلمان حقق أمس أعلى نسبة حضور لأعضائه، إذ شارك في جلسة التصويت 297 نائباً من أصل 328 نائباً، وهو الأمر الذي لم يألفه المجلس من قبل. وفور إعلان عدد النواب الحاضرين، وجّه رئيس البرلمان، سليم الجبوري، المكتب الإعلامي بنشر أسماء النواب المتغيبين عن الجلسة في الصحيفة الرسمية.
وبناءً على ما جرى أمس، بدا رئيس الوزراء العراقي في وضعية مريحة، وقال: «أهنئ جميع العراقيين الكرام... وأعاهدكم على مواصلة طريق الإصلاح وإن كلفني ذلك حياتي»، موجهاً في سياق آخر «هيئة النزاهة برفع أسماء المتهمين بقضايا تتعلق بسرقة المال العام والتجاوز على ممتلكات الدولة والشعب لمنعهم من السفر وإحالتهم على القضاء».
من جهة أخرى، بدأ المتابعون للشأن السياسي العراقي بترقب كيفية تعاطي المتظاهرين مع القرارات التي جرى تمريرها والتي من المتوقع أن تعقبها حزمة ثانية من «الإصلاحات» قد تعلن خلال جلسة مجلس الوزراء العراقي المقبلة (تأجل عقدها أمس لتزامنها مع جلسة مجلس النواب).
سياسياً، يُجمع المراقبون على أنّ الطرف «الحاكم» في بغداد نجح حتى الآن في تلقف غضب الشارع العراقي ووجّه ذلك من خلال المؤسسات بغية تثبيت ركائز سلطته ونفوذه بعد نحو عام من تسلم السلطة وما رافق ذلك من خلل في الحكم.
وفي هذا السياق، قال ناشر دورية «إنسايد إيراك بوليتيكس» السياسية، كيرك سويل، إنه «من وجهة نظر سياسية، فإن هذه هي أول مرة يحصل فيها (العبادي) على فرصة. لو نجح في استغلالها فستضعه في موقف يمكنه للمرة الأولى من تطوير قاعدة سياسية وموقف سياسي مستقل».

التصويت برفع الأيدي بهدف تمييز المؤيدين لـ«الإصلاحات» من المعارضين لها

ويتم إلقاء الضوء على واقع تعزيز نفوذ العبادي في وقت أنّ السياسات والقدرات اللوجستية المطلوبة لتطبيق «الإصلاحات» قد تقف في وجهه. وقالت خبيرة شؤون العراق في «مجموعة الأزمات الدولية»، ماريا فانتابي، إنها لا ترجح نجاح العبادي في تطبيق قائمة إصلاحاته، مضيفة أنّ «أهمية هذه الإصلاحات في الكيفية التي سيجعل منها العبادي حجر زاوية لإجراء بعض التغييرات الصغيرة التي ستعزز شعبيته ووضعه في مواجهة منافسين في المشهد السياسي الشيعي».
التصويت برفع الأيدي
وكما كان متوقعاً، صوّت مجلس النواب العراقي بالإجماع أمس على الحزمة الأولى من «الإصلاحات» في جلسة خصصت لهذا الشأن، تلاها تصويت البرلمان على ورقة الإصلاح البرلمانية التي طرحها سليم الجبوري أول من أمس. وقد قرر الجبوري اختيار طريقة رفع الأيدي للتصويت بدل الإلكتروني، بهدف تمييز المؤيدين للإصلاحات من المعارضين لها.
وفيما تطابقت بعض نقاط الورقتين كخفض عدد افراد الحراسة للمسؤولين والغاء الحصص الحزبية والطائفية، اضافت الورقة البرلمانية اجراءات كدمج بعض الوزارات وتقديم الوزراء «المقصرين والفاسدين» لسحب الثقة عنهم، و«تفعيل النصوص» المتعلقة باقالة النواب الذين يتغيبون عن الجلسات، وتحديد ولاية الرئاسات الثلاث بدورتين فقط.
وفي سياق متصل، تحدث مصدر برلماني لـ«الأخبار» عن تعرض العبادي إلى «ضغوطات من قبل أحزاب سياسية وشخصيات في حزبه (الدعوة)، تنتقده تارة على تلك الإجراءات وتطالبه بتخفيفها أو التهمل في تطبيقها تارة أخرى».
وفي موازة ذلك، كشف مصدر سياسي مطلع عن «تدخلات واتصالات إقليمية ودولية مع العبادي خلال الساعات الماضية، مستفسرة ومعترضة ومتحفظة، وأخرى مؤيدة ومشجعة». وبيّن المصدر في حديث لـ«الأخبار» أن «أهم اتصال تلقاه العبادي كان إيرانياً، أبلغ خلاله بتأييد طهران للخطوات والإصلاحات العاملة على احتواء التظاهرات وغضب الشارع»، فيما اعتبر المصدر أنّ رئيس الوزراء العراقي الحالي «لم يكرر أخطاء سلفه، نوري المالكي، إزاء تظاهرات واعتصامات المدن الغربية».
رئيس الجمهورية، فؤاد معصوم، الذي ألغت «إصلاحات العبادي» مناصب نوابه الثلاثة، رحّب بدوره بمنح البرلمان ثقته لقرارات رئيس الحكومة وإعطائها الصبغة الشرعية، وقد أكد مستشار رئيس الجمهورية، أمير الكناني، لـ«الأخبار» ارتياح الرئيس معصوم لجلسة البرلمان. ونفى الكناني الأنباء التي صرح بها نواب أكراد بأن معصوم سيرسل كتاباً إلى البرلمان يعترض فيه على الغاء مناصب، لكونها مخالفة للدستور والقانون. وأكد قائلاً إنه «لا يوجد أي شيء من هذا القبيل».
وفي سياق متصل، أكد الخبير القانوني، طارق حرب، لـ«الأخبار» أن نواب رئيس الجمهورية يُعتبرون متقاعدين اعتباراً من يوم أمس، مشيراً إلى أنّ «قرارات العبادي تعتبر نافذة منذ ساعة التصويت عليها، وليست بحاجة الى مصادقة رئاسة الجمهورية».