صنعاء | فاق عدد النازحين داخل اليمن من جراء العدوان السعودي المليون نازح. يحلم هؤلاء برغيف من الخبز فيما هم قابعون في العراء لا يتوافر لهم الحد الأدنى من حقوق الحياة الإنسانية. القتل والدمار والتشريد وسوء التغذية والكثير من الأوبئة والأمراض لاحقتهم إلى تحت «الكرتون» الذي يلتحفون به ليلاً للوقاية من البرد. «نعيش موتاً بطيئاً»، تقول النازحة عائشة محمد عبدالله راجحي، التي تسكن مع عائلتها في العراء المعرّض للقصف العشوائي الذي لم ينقطع يوماً منذ بدء العدوان قبل نحو خمسة أشهر.
تقول المواطنة اليمنية إن الحرب «انتزعت الأمل في الحياة من قلوبنا وأرعبت أطفالنا وها نحن اليوم نعاني ضنك العيش والتشرد والخوف من المصير المجهول».
لا يحصل النازحون في مخيم ريف عبس في محافظة حجة الشمالية على الماء والغذاء إلا بصعوبة بالغة. تروي عائشة رحلتها مع أطفالها من قريتها في حجة، بعدما قضى القصف الجوي والمدفعي على منزلهم، محولاً مناطق المحافظة إلى مدن أشباح بعدما هجرها السكان إلى البراري والقفار البعيدة، في ظل أوضاع مأسوية.
«فررنا خوفاً من الموت بالطائرات والصواريخ فوجدنا أنفسنا في أماكن يسكنها موت بطيء نبحث فيها عن أبسط مقومات الحياة في ظل غياب أي دور الجهات الرسمية المتخصصة بنا بالإضافة إلى إهمال المنظمات المحلية والدولية وتلاعبها بالمساعدات»، تضيف عائشة.
علي العبسي، النازح من مدينة حرض المحاذية للسعودية إلى مدينة شفر في مديرية عبس في الشمال الغربي، يروي أنه بعدما رأى الدمار عمّ منطقته إلى جانب انتشار أشلاء الأطفال وجثث الكبار في الشوارع، «رحلت مع أطفالي الذين أصبحت أجسامهم هزيلة من سوء التغذية والسهر والرعب والخوف». يقطن علي لدى أحد أقاربه «الذي زدناه فقراً على فقره»، مضيفاً أن البيوت ازدحمت بكثرة ساكنيها. وفي وقتٍ ندر فيه الماء والطعام، تساءل عن كيفية علاج أطفاله من الأمراض التي تفتك بهم.

يؤكد الصحافي والناشط الحقوقي، عيسى الراجحي، أن هناك كارثة إنسانية كبيرة تتهدد اليمن. وإن لم تتدارك الجهات المختصة والمنظمات المانحة الأمر، فستكون عواقبها وخيمة على الذين يعيشون في العراء، خصوصاً الأطفال في ظلّ شح الطعام ومياه الشرب وقلة الدواء وغرق الكثير من الأسر في وحل الصرف الصحي، وما ينتج منه من أمراض. واستطرد الراجحي ناقلاً أحوال بعض النازحين، منهم قصة طفلة رضيعة في أحد المخيمات في مديرية أسلم في حجة: «أخذتها الكلاب ليلاً من جوار أمها وهي نائمة وأكلتها ولم يجدوا صباحاً إلا بقايا هذه الطفلة». ويؤكد أن الجهات المختصة والسلطات المحلية «لم تحركا ساكناً رغم المناشدات العديدة التي نشرناها في وسائل إعلام مختلفة».
وبحسب أرقام الأمم المتحدة، فإن أكثر من 365 طفلاً قتلوا منذ بدء العدوان، إضافة إلى إصابة 484 آخرين، فيما أجبر القصف المكثف 3600 مدرسة على إغلاق أبوابها وتهجير الطلاب وأسرهم إلى مناطق أكثر أمناً في البلاد. وذكر تقرير لمنطقة اليونيسف أن 248 مدرسة تضررت بصورة مباشرة، فيما تحولت 270 مدرسة أخرى إلى أماكن إيواء للنازحين، إلى جانب 68 مدرسة «تحتلها الجماعات المسلحة».

صعدة وعدن وتعز هي أكثر المناطق تضرراً



من جهته، يقول رئيس منظمة تهامة للتنمية البشرية، نبيل الجرب، إن المنظمة قدمت 1200 سلة غذائية لعدد من النازحين القادمين من مدن حرض وصعدة وبكيل ومدينتي المير وميدي والمقيمين في مديرية عبس، وعددهم 15 ألف أسرة، «تم حصرهم من قبلنا وقد استهدفنا الفئات الأشد فقراً»، مضيفاً أن المناطق الحدودية مع السعودية «ما زالت تشهد نزوحاً كبيراً جراء القصف الجوي المتواصل والقصف المدفعي الكثيف من قبل القوات السعودية المتمركزة على الحدود». الوضع الإنساني في مخيم عبس سيئ للغاية، ويقول المسؤول إن هناك شحاً كبيراً في مياه الشرب، فاضطر النازحون إلى الشرب من المياه المالحة، ما سبّب انتشار الكثير من الأمراض كالجرب والإسهال والملاريا، في ظلّ عدم توافر صرف صحي، بالإضافة إلى عدم توافر أي مراكز صحية.
القيادي في حركة «أنصار الله»، ابراهيم العبيدي، يؤكد أن الجهات الرسمية المؤيدة للرئيس الفار عبد ربه منصور هادي وحكومته في السعودية «تتراخى عن القيام بواجباتها في مساعدة النازحين، بغرض إحداث كارثة انسانية حتى يتأزم الوضع في اليمن أكثر فيلقوا اللوم علينا». ويشير العبيدي إلى وجود بعض المنظمات التي تدّعي أنها تقدم المساعدات الإنسانية للنازحين، «غير أن عملها مشبوه وتقوم بايصال معلومات للعدو». ويضيف العبيدي في حديثٍ إلى «الأخبار» أن هناك سفن مساعدات إغاثية وصلت عبر البحر، حجزتها قوات التحالف بقيادة السعودية، فأُتلفت في البحر ولم يستفد منها أحد، والعمليات العكسرية والغارات الصاروخية اليومية أثرت على عملية توزيع المساعدات. ويلفت العبيدي إلى أن قوى التحالف «تدعي أن ناقلات المساعدات الغذائية والعلاجية محملة بالأسلحة فضربتها».

إلى ذلك، وزّعت «اللجنة الدولية للصليب الأحمر» مساعدات إغاثية وأدوية لأكثر من عشرين ألف نازح خلال الفترة الأخيرة. ويلفت المتحدث الرسمي باسم «اللجنة» في اليمن، عدنان حزام، إلى أنه جرى تقديم مساعدات صحية ومستلزمات جراحية وأدوية في كل من محافظات عدن وتعز وصعدة»، مؤكداً الاستمرار في توزيع المساعدات خلال الفترة المقبلة بتوزيع المساعدات. وأضاف: «وصلنا ١٨ طن من المواد الجراحية والدوائية وسيتم توزيعها على المستشفيات في المناطق المتضررة، مع العلم أن هناك بعض العراقيل أثناء توزيع المساعدات، لكن من خلال حوارنا مع أطراف النزاع نحاول إيصال المساعدات إلى المتضررين»، مؤكداً أن المعرقل الأساسي لعمل المنظمة هو الوضع الأمني «خوفاً من استهداف طواقمنا». وفيما أكد مواصلة العمل في حال سريان هدنة إنسانية أو لا، خلُص إلى أن محافظات صعدة وعدن وتعز هي أكثر المناطق تضرراً من الصراع تليها محافظات لحج وأبين ومأرب، متمنياً التوصل إلى حلّ سياسي ليضع حدّاً لمعاناة هؤلاء المليون نازح.