غداة خلاف شهدته أروقة مجلس الأمن الدولي بين الولايات المتحدة وجنوب أفريقيا بشأن المسعى الأميركي للإفراج عن 1,5 مليار دولار من الأرصدة الليبية المُجمّدة، واصل الثوار الليبيون أمس محاولة السيطرة على آخر جيوب مقاومة النظام في طرابلس والاقتراب من سرت مسقط رأس العقيد معمر القذافي ومعقله. غير أن الخبر اللافت أمس كان شريطاً صوتياً جديداً للزعيم الليبي المخلوع دعا فيه أنصاره الى مقاتلة المعارضين وتحرير طرابلس. وكرر القول في الرسالة التي أذاعتها قناة «الرأي» الفضائية التي تبث من سوريا، «يجب مقاومة الجرذان الأعداء الذين سيُهزمون بالكفاح المسلح.. لا تخشوهم أبداً واخشوا الله، اخرجوا وحرروا طرابلس ودمروهم». كما جدد عباراته السابقة قائلاً «يا شباب طرابلس، قاتلوهم، شارع شارع، زنقة زنقة، بيت بيت... سوف لن يكون هناك مكان آمن للأعداء، إنهم شرذمة قليلة، بالبنادق سيتم القضاء عليهم، سيُهزم العدو، سيُهزم الحلف. ارجموهم وطهّروا مدينة طربلس العظيمة من جرذان الاستعمار». وفي ما بدا اختلاف في الرؤية بين القذافي ونجله، نقلت شبكة «سي أن أن» عن الساعدي معمر القذافي، قوله إنه يرغب في التفاوض من أجل وقف إطلاق النار في ليبيا لتجنيب طرابلس «بحراً من الدماء». وذكرت الشبكة الأميركية أن كبير المراسلين الدوليين فيها، نيك روبرتسون، تلقى رسالة بالبريد الإلكتروني من الساعدي قال فيها إن لديه السلطة للتفاوض، وإنه يريد مناقشة وقف إطلاق النار مع المسؤولين الأميركيين ومسؤولي حلف شمالي الأطلسي. وأضاف «سأحاول إنقاذ مدينة طرابلس ومليوني نسمة يعيشون فيها... وإلا ستضيع طرابلس إلى الأبد، مثل الصومال».
وأعلنت مصادر المعارضة سيطرتها على منطقة أبو سليم في جنوب طرابلس بعد يومين من الاشتباكات العنيفة مع قناصة تابعين للقذافي. وذكرت قناة «ليبيا الحرة» التلفزيونية التابعة للمعارضة الليبية، والتي تبث من مدينة بنغازي، أن هانيبال نجل الزعيم الليبي قتل في المواجهات التي جرت في منطقة قر بن غشير بين الثوار وكتائب القذافي.
كذلك أشارت القناة إلى أن الفريق مصطفى الخروبي أحد أعضاء قيادة الثورة الباقين مع القذافي سلّم نفسه للثوار.
ميدانياً واصل مقاتلو المعارضة المسلحة عملية السيطرة على الطريق الرئيسي بين طرابلس والمطار الدولي للمدينة، بعد سيطرتهم على المطار، رغم تعرضهم لنيران كثيفة، ولصواريخ «غراد» أطلقها أنصار القذافي.
سياسياً، أعلن رئيس الوزراء الإيطالي، سيلفيو برلوسكوني، في مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس المجلس التنفيذي في المجلس الوطني الانتقالي الليبي، محمود جبريل بعد لقاء بينهما في ميلانو، أن روما بدأت الإفراج عن مبلغ 350 مليون يورو (504.3 ملايين دولار) من أرصدة ليبية مجمدة في المصارف الإيطالية لمساعدة المجلس الوطني على إدارة ليبيا. وأضاف برلوسكوني إن الإفراج عن أموال مجمدة يمثل الخطوة الأولى في جهود أشمل للإفراج عن كل الأرصدة الليبية (8 مليارات دولار) في إيطاليا وهي المستعمر السابق للبلاد.
أما جبريل فقال، من ناحيته، إن اكبر عنصر مزعزع للاستقرار سيكون إخفاق المجلس الوطني الانتقالي في تقديم الخدمات اللازمة ودفع رواتب الأشخاص الذين لم يحصلوا على رواتبهم منذ أشهر. وأضاف إن الحكومة لا يمكنها تنفيذ الأولويات التي أعلنها المجلس الوطني الانتقالي من دون توفير الأموال اللازمة على الفور.
ورافق جبريل الى إيطاليا محافظ المصرف المركزي الليبي السابق، فرحات بن قدارة، الذي قال إن العقيد القذافي سيحاول بيع جزء من احتياطيات الذهب الليبي لسداد ثمن حمايته ولإشاعة الفوضى بين القبائل في البلاد. وأشار بن قدارة إلى وجود احتياطيات من الذهب قيمتها عشرة مليارات دولار في طرابلس وأن القذافي ربما أخذ جزءاً منها.
وفي اسطنبول، أفاد المسؤول عن لجنة الشؤون السياسية في المجلس الوطني الانتقالي، فتحي باجا، بأن المشاركين في هذا الاجتماع قرروا تسريع عملية الإفراج عن الأموال الليبية المجمدة في الخارج، ما سيتيح للثوار تلقي 2,5 مليار دولار قبل نهاية آب الجاري. وقال باجا، في ختام اجتماع مجموعة الاتصال في إسطنبول «ليس هناك التزامات، إلا أن الأمور تتحرك. سنتلقى نحو 2,5 مليار دولار بحلول آخر الشهر الجاري». واجتمع مجلس الأمن الدولي أول من أمس لمناقشة اقتراح أميركي للإفراج عن أموال ليبية مجمدة لمساعدة المجلس الوطني الانتقالي.
وبحسب المسؤولين الجنوب أفريقيين، نشأ خلاف بين الولايات المتحدة وجنوب أفريقيا بشأن هذه القضية، إذ رأت بريتوريا «أن الإفراج عن أموال الى طرف من أطراف صراع دائر سيكون بمثابة اعتراف بشرعية هذا الكيان بشكل أو بآخر».
وبشأن معارضة موسكو وبكين لمشروع قرار الإفراج عن الأرصدة المجمدة، رأى وزير الخارجية البريطاني، وليم هيغ، أنه «يتعين على روسيا والصين الاعتراف بأن هناك تغيراً جوهرياً في الوضع في ليبيا، وأن ما حدث في طرابلس خلال الأيام القليلة الماضية يعني أن من المهم بالنسبة إلى العالم، العمل معاً على دعم مستقبل الشعب الليبي».
من جهة ثانية، قال الأمين العام لجامعة الدول العربية، نبيل العربي، في مؤتمر صحافي مشترك عقده أمس عقب لقائه ممثل المجلس المجلس الوطني الانتقالي لدى الجامعة السفير عبد المنعم الهوني، إن «هناك توافقاً في الآراء بين الدول العربية على أنه حان الوقت كي تستعيد ليبيا مقعدها في الجامعة العربية، وأن المجلس الوطني الانتقالي الليبي سيكون هو الممثل الشرعي الوحيد لدولة ليبيا بالجامعة».
(أ ف ب، رويترز، يو بي آي)