بات واضحاً خلال التصعيد الأخير في قطاع غزة أن العلاقة مع مصر كانت في ذهن المسؤولين الإسرائيليين، وفي مقدمتهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، قبل الإقدام على عمليّة واسعة، وهو ما أسهم في الوصول إلى اتفاق تهدئة خلال فترة قصيرة نسبيّاً، وبناءً على طلب إسرائيلي. فقد ذكرت صحيفة «هآرتس»، في عددها الصادر أمس، أن الخشية من تدهور العلاقات مع مصر، وخصوصاً في أعقاب الأزمة مع تركيا، والعزلة الدولية، وعدم استعداد الجيش الإسرائيلي، والمسعى الفلسطيني في أيلول، كانت من بين الأسباب التي منعت التصعيد الإسرائيلي على قطاع غزة وإعلان الحرب الشاملة على القطاع.وقالت الصحيفة إن المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغّر، في نهاية جلسة ليلية، قرر أن تمتنع إسرائيل عن التصعيد في قطاع غزة، وأن تتعاون بطريقة غير مباشرة مع التهدئة التي أعلنتها حركة «حماس». وجاء أن رئيس الحكومة، ووزير الدفاع إيهود باراك، عرضا أمام الوزراء في الجلسة سلسلة من القيود المفروضة على إسرائيل، مثل العزلة الدولية والخشية من تصعيد الأزمة مع مصر، إضافة إلى الغطاء الجزئي الذي توفره «القبة الحديدية». وقال نتنياهو إن إسرائيل لن تسارع إلى حرب شاملة في قطاع غزة.
تجدر الإشارة إلى أن عدداً من الوزراء طالبوا بتصعيد الرد الإسرائيلي على إطلاق الصواريخ من قطاع غزة، مثل الوزير سيلفان شالوم. كذلك طالبت قيادات من حزب «كديما» بالقيام بعملية عسكرية واسعة النطاق. وبحسب الصحيفة، فإن نتنياهو وباراك تحدثا طويلاً في الجلسة عن الحاجة إلى التروّي والمسؤولية، ما يشير إلى أن «إسرائيل تدرك أنه ليس لديها أي رصيد سياسي وشرعية دولية يسمحان لها بالقيام بعملية عسكرية واسعة في قطاع غزة»، وأن الأزمة مع «مصر بعد مبارك» فرضت قيوداً أخرى على حرية عمل الجيش.
ونقل عن أحد مستشاري نتنياهو قوله إن السياسة التي وضعها رئيس الحكومة تقضي بمحاولة «احتواء الأحداث في الجنوب»، ويعتقد أن «من الخطأ التوجه الآن إلى حرب شاملة ضد قطاع غزة». وأضاف أن «إسرائيل تستعد للرد إذا تواصل إطلاق النار، ولكنها لن تنجر إلى مواقع لا تريد أن تكون فيها».
كذلك نقلت «هآرتس» عن عدد من القريبين من نتنياهو قولهم إن «سلسلة من القيود، غالبيتها سياسية، تعوق حرية عمل إسرائيل في قطاع غزة، ومنها الوضع الحساس في الشرق الأوسط الذي يغلي كالمرجل، إضافة إلى المسعى الفلسطيني في الأمم المتحدة في أيلول».
وأشارت الصحيفة إلى قيود أخرى عرضها مقرّبون من نتنياهو وُصفت بأنها «أمنية دفاعية»، لجهة أن الجيش لم يستكمل التسلح بعدد كاف من بطاريات «القبة الحديدية» للدفاع عن الجبهة الداخلية من الصواريخ. وبحسبهم، فإن منظومة واحدة أخرى من «القبة الحديدية» تكفي للدفاع عن مدينة متوسطة أخرى، ولذلك فإنه يجب الاستعداد أولاً وعدم المسارعة إلى الحرب.
وفي السياق، أشاد مسؤولون إسرائيليون بفاعلية نظام القبة الحديدية، رغم فشله في إسقاط صاروخ أطلق من غزة وقتل رجلاً في منطقة سكنية.
وقال الكولونيل زفيكا حاييموفتش، الضابط في القوات الجوية المسؤول عن وحدات الدفاع الجوي، إن نظام القبة الحديدية الاعتراضي أسقط 20 صاروخاً أطلقها ناشطون في غزة في خمسة أيام. وأضاف أنه من الناحية الإحصائية، فإن نجاح صاروخ واحد في اجتياز النظام الدفاعي لا يعني أن النظام فشل. وتابع أن نسبة نجاح نظام القبة الحديدية مرتفعة للغاية، لكن لا يوجد نظام يمكنه توفير حماية كاملة.
بدوره، اتهم رئيس لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، شاؤل موفاز، حكومة بنيامين نتنياهو بالتسبّب في تراجع الردع الإسرائيلي أمام الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة خلال جولة التصعيد في الأيام الماضية. وأضاف أن «إسرائيل هي التي طلبت وقف إطلاق النار، لكن الحديث يدور عن وقف إطلاق نار وهمي وحسب».
إلى ذلك، دعا نائب رئيس المجلس التشريعي، القيادي في «حماس»، أحمد بحر، إلى «تثبيت» التهدئة، معتبراً أن «الشذوذ عن الإجماع الوطني لا يصبّ في مصلحة شعبنا وحماية مقدراته الوطنية». وشدد على ضرورة «عدم التعامل بسطحية وسذاجة وأجندة خاصة مع الشأن والمصير الوطني الفلسطيني»، معتبراً أن «الالتزام بالتوافق الوطني كفيل بإحباط مخططات الاحتلال وأهدافه التي تحاول جعل قطاع غزة كبش فداء لفشله الأمني والعسكري والسياسي، وساحة لتصدير أزماته ومعضلاته الداخلية المتفاقمة».
ويأتي كلام بحر بعدما أعلنت «كتائب أبو علي مصطفى»، الجناح العسكري للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، قصف مدينة عسقلان. وشددت على «مواصلة المقاومة والرد على كل ما يقترفه العدو الصهيوني من جرائم بحق شعبنا»، وأنه «لا تهدئة مع الاحتلال، وجرائمه لن تمرّ من دون عقاب».
(الأخبار، يو بي آي، أ ف ب)