عقد مجلس حقوق الإنسان جلسة طارئة، أمس، ناقش فيها الأزمة السورية وسط توجه إلى اعتماد قرار من شأنه أن يضاعف الضغوط على الحكومة السورية. ومن المقرر أن يستأنف المجلس دورته الطارئة في جلسة ثانية يعقدها اليوم. وأبدت غالبية أعضاء مجلس حقوق الإنسان، المؤلف من 47 دولة، ضيقها من تفاقم الأزمة ومواصلة العنف وزهق الأرواح وكثرة الاعتقالات وغياب الرقابة المستقلة وعدم توقف الحملات العسكرية في المدن والتأخر في عملية الإصلاح التي وعدت الدولة بتطبيقها. وبدا المجلس متجهاً إلى اعتماد قرار خاص يعرب عن «الأسف للعنف العشوائي المتواصل بحق السكان» ويطالب بوضع حد فوري «لكافة أشكال العنف» ويشدد على الحاجة الملحّة إلى «إرسال لجنة تحقيق دولية بسرعة للتحقيق في انتهاك قانون حقوق الإنسان في سوريا منذ تموز 2011... لتثبيت الحقائق والظروف التي أدت إلى حصول انتهاكات من هذا النوع حيثما أمكن. كذلك لتحديد هوية الفاعلين بهدف تحميلهم المسؤولية»، وفي ذلك إشارة إلى تحويل القضية إلى جهات قضائية دولية، مثل محكمة الجنايات الدولية. وكانت جلسة أمس هي الثانية التي يعقدها المجلس لمعالجة الوضع في سوريا منذ اندلاع الأزمة في آذار الماضي. وقالت مندوبة الولايات المتحدة، أيلين دوناهو، قبيل الجلسة إنها ستضاعف الضغط «على النظام وليفرض على الأسد التنحي والسماح للشعب السوري بالتقدم إلى الأمام».
الاجتماع الذي عقد أمس تخللته كلمات لجمعيات أهلية وهيئات حقوقية إقليمية ودولية بناءً على تقرير لجنة تقصي الحقائق التي ألفتها لجنة حقوق الإنسان، والتي قدمت تقريرها لمجلس الأمن الدولي الأسبوع الماضي بواسطة نافي بيلاي، المفوضة العليا للجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، وفيه وجهت دعوة مبطّنة إلى إحالة مسؤولين سوريين على محكمة الجنايات الدولية بتهمة ارتكاب أفعال «قد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية». وقالت مندوبة الولايات المتحدة إن الهدف من هذه الجلسة هو «تأسيس لجنة تحقيق تجري تحقيقاً في الوقائع على الأرض في سوريا، وتجلب السلطات السورية المسؤولة للمحاسبة».
الجلسة التي تأخرت إلى وقت متأخر من مساء أمس بسبب أعطال فنية شهدت موقفاً خليجياً مؤيداً للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وطالبت الكويت، نيابة عن دول مجلس التعاون الخليجي، بإجراء تحقيق في وقوع «جرائم ضد الإنسانية» في سوريا. ورأى جان زيغلار، أحد كبار مستشاري مجلس حقوق الإنسان، أن موقف الدول العربية «أضعف الأصوات المعارضة للقرار المطروح في مجلس حقوق الإنسان».
بدوره، ردّ فيصل الحموي (الصورة)، مندوب سوريا لدى مجلس حقوق الإنسان، بالقول إن بلاده مستعدة لاستقبال تحقيق دولي ضمن حدودها في مستقبل قريب «بمجرد انتهاء الحكومة السورية من إجراء تحقيقها الخاص». وأكد أن سوريا مستهدفة من الخارج «بغرض إرهاب سكانها... وهي تتعرض لحملة مغرضة... تُروَّج فيها الأكاذيب والأحقاد بواسطة وسائل الإعلام».
تحدث عشرات المندوبين في جلسة أمس، التي شهدت تراجعاً من البرازيل عن مواقفها السابقة. حيث تحدثت مندوبة البرازيل عن قلق بلادها العارم من استمرار سقوط القتلى وعدم توقف نشاط القوات السورية المسلحة في المدن وعدم تطبيق الإصلاحات بالسرعة المطلوبة. وقالت إن البرازيل وافقت على الجلسة لمناقشة العنف ضد المدنيين ولإجراء التحقيق في هذه الانتهاكات. ودعت إلى «ترجمة كلمة الأسد بوقف العمليات العسكرية إلى أفعال على الأرض».
لكن الهند عبّرت على لسان مندوبتها عن رفض أداء مجلس حقوق الإنسان دوراً سياسياً. وطالبت بأن يكون الموقف مبنياً فقط على اعتبارات إنسانية. وإذ أعرب المندوب عن قلقه من تدهور الوضع في سوريا، ناشد الحكومة والمعارضة ممارسة أقصى درجات ضبط النفس وطالب قوى المعارضة بالرد الإيجابي على دعوات الحكومة للحوار وتطبيق الإصلاحات. ولفتت إلى أن عدد الضحايا في صفوف القوى الأمنية ارتفع إلى 650 منذ اندلاع الأزمة. واتهم «عناصر متطرفين» بالوقوف وراء عمليات القتل تلك.
الدول الأوروربية حملت بصوت واحد على النظام، وطالبته بالتجاوب مع الدعوات الدولية لاستقبال لجان التحقيق بهدف إعداد تقرير عن حالة حقوق الإنسان في سوريا، فيما طالبت ألمانيا بتنحي الرئيس بشار الأسد عن الحكم، واتهم مندوبها نظام الأسد بارتكاب جرائم بحق الإنسانية من خلال «عمليات الإعدام الميدانية وتعذيب السجناء واستهداف الأطفال في عملية قمع المتظاهرين من المعارضة».
وأعربت أيرلندا عن دعمها للشعب السوري وتمتعه بحقوق الإنسان الأساسية. لكن مندوبها قال إن الحكومة السورية لم تصغ إلى الدعوات الدولية، واستخدمت العنف المتنقل من مدينة إلى أخرى. وأدانت أوستراليا بأشد العبارات العنف الذي مارسه النظام السوري، ودعت إلى تنحي الأسد ومعاقبة عناصر مسؤولين في النظام بعد المحاكمة في محكمة الجنايات الدولية. ودعا مندوبها إلى تأليف لجنة تحقيق رسمية مستقلة وشفافة وإلى تعاون مع «لجنة تحقيق دولية خاصة تعمل بشفافية». وشدد مندوب مصر على صون حقوق الإنسان في سوريا وحقه في التظاهر والتعبير.
وتحدث مندوب إسرائيل الذي قال إن دولته تراقب «بصدمة وانزعاج ما يجري في سوريا من إجراءات النظام وتحيي المتظاهرين الشجعان الواقفين بعصيان ضد الاضطهاد». وقال إنهم مقتنعون بأن التغييرات الإيجابية «ستحسن الوضع في شمالي إسرائيل وتفضي إلى سلام وازدهار». تركيا شددت على لسان مندوبتها على أن الشأن السوري له امتداداته الأسرية في تركيا وأن بلادها ترفض التدخل في الشؤون السورية، لكنها لا تستطيع الوقوف مكتوفة اليدين تجاه ما يجري. وطالبت الحكومة السورية بتلبية تطلعات الشعب السوري أسوة ببقية شعوب المنطقة بتحقيق الحرية والديموقراطية وسحب الجيش من المدن، «إجراءات تعطي للحوار معنى».
ومن بين المتحدثين من الشخصيات ومندوبي الجمعيات الأهلية، تحدثت لمى الأتاسي، الناشطة الحقوقية من حمص، مستعرضة أمثلة من التهديدات والعنف التي تعرض لها المحتجون. وطالبت الحضور بالوقوف «إلى جانب الشعب السوري» وانتقدت لبنان وروسيا والصين والهند والبرازيل، لوقوفها إلى جانب الحكومة السورية في مجلس الأمن الدولي.