حكايات عديدة ستظل محور أحاديث البحرينيين لمدّة ليست بالقصيرة. سيروونها لضيوفهم وأولادهم، سيغلفونها بشيء من الفكاهة بما أنّ «شرّ البلية ما يُضحك». حكايات عن تظاهرات ودوار وقطع أرزاق وتحقيقات واعتقالات وشعارات، وعن سياسة تركيع وتجويع وتوقيف طلاب عن الدراسة وحرمانهم من البعثات وهجرة وطن؛ بما أنّ النظام البحريني كان الأكفأ في التصدّي لانتفاضتهم، مستغلاً العامل الطائفي أفضل استغلال، ومعتمداً على استراتيجية شاملة لإجهاضها، لم تكن الحملة الأمنية إلا أحد عناصرها. تتحدث أمينة بحسرة عن اعتقال الفتيات خلال الانتفاضة، والذي جرى بطريقة لاإنسانية، بعض اللواتي خرجن من التحقيق قلن إن الأسئلة كانت مُهينة، فكانت تُسأل الفتاة «كم مرّة تمتعت في دوار اللؤلؤة؟» وإن كانت فتاة موظفة كانوا يعرضون عليها أسماء زملاء لها «ويسألونها بالاسم إن كانت تمتعت مع علي أو أحمد وكم مرّة، ويسألونها عن خيمة المتعة في الدوار، وبعدها يجبرونها على التوقيع على إفادة بأنّها قامت بذلك في الخيمة». وهنا تتدخل رفيقتها مريم لتقول إن «الهدف من ذلك كان التأكيد أنه كان هناك خيمة للمتعة في الدوار»، قبل أن تضحكا معاً من سخافة اتهام كهذا.
وتتطرّق أمينة بحسرة إلى فشل ابنتها في اختبار منح البعثات، تقول إن المقابلة كانت تجري عادة لمعرفة ميول الطلاب في التخصص، وتشير الى أنه على عكس ما نُشر في وسائل الإعلام عن أنّ هدف المقابلة كان توجيهياً وحسب حاجة سوق العمل، فإنّ طبيعة الأسئلة تدل على أنّ الهدف كان بعيداً عن ذلك. تزيد حماسة أمينة لشرح ما جرى مع ابنتها، قائلة إن «الاختبار بدأ من الساعة 8 صباحاً حتى الخامسة عصراً، واجه الطلاب خلاله 3 مراقبين طرحوا عليهم أسئلة يراد منها معرفة إن كان الطالب من الموالاة أو المعارضة». وتتابع «هناك عناصر عديدة لمعرفة توجهات الطلاب، أولاً اسمه الذي يدل على أي طائفة ينتمي، ثم سؤاله عن تعريف المواطنة، فإذا كانت الإجابة تتضمن الولاء للحاكم والقيادة الرشيدة يكون الطالب من الموالين، وإن كانت للوطن يُلمس عندها أنّ الطالب مع المعارضة، وأسئلة أخرى حول كيف تمثل وطنك في الخارج، وهل شاركت بأنشطة وطنية، بتجمع الفاتح أو اللؤلؤة». وتؤكّد أنّ معرفة ميول الطالب هي التي تحدّد نجاحه أو رسوبه في اختبار البعثات. تقاطعها رفيقة لها لتتحدث عن فصل الموظفين ووقف المعاشات، وخصوصاً في السلك التعليمي، وتلحظ وجود سياستين في المملكة يعيشها البحرينيون، سياسة الملك وسياسة رئيس الوزراء، فالملك يصدر قراراً بإعادة المفصولين عن العمل، لكنه لا ينفّذ، والسبب عرقلة جناح رئيس الحكومة.
تسرد مريم، وهي ناشطة مسؤولة في جمعية نسائية، حكايات كانت الغاية منها التجييش الطائفي، كالرسائل النصية الكاذبة التي كانت ترسل الى أهالي الرفاع وتقول لهم إن الشيعة يستعدون للهجوم، ورسائل مماثلة الى أهالي القرى الشيعية. وتشير الى حادثة جرت في مكان عملها، حيث أُصيبت امرأة أربعينية بنوبة، فأتت سيارة الإسعاف لكن السائق كان شيعياً، فرفض نقلها للعلاج فماتت المرأة. وتتساءل «كيف ستكون ردّة فعل السُنة من هذه الحادثة؟»، قبل أن تُضيف إن هذا لا يعني أنّ هذا السائق من المعارضة «فغالبية الذين يهدّدون الفتيات بالاغتصاب خلال الأحداث كانوا شيعة، وهذا يُراد منه تشويه صورة الشيعة».
تتحدث مريم عن سياسة تجويع وتركيع، وتقول إنّه ليس هناك بيت لم يتضرّر. وتضيف إنّ ما جرى انعكس في تصرفاتنا جميعاً، كباراً وصغاراً، «فكان الشرطي مثلاً يقول لطفل يسقط... فإن أكمل حمد، عندها يدفع الأب الثمن، لذلك بدأت الأمهات والجدّات تلقين الأطفال شعارات جديدة مثل يسقط مطر بدل حمد، والشعب يريد خليفة بن سلمان، خوفاً من زلّة لسان تُدخل الأب الى السجن». وتشير الى أن «التظاهرات أيضاً باتت لعبة الأطفال المفضلة يلعبونها في الساحات، ويختبئون إن رأوا شرطياً».
وتتابع الناشطة البحرينية سرد حالات التوتر والحزن وخيبة الأمل التي يعيشها البحرينيون جميعاً، سُنة وشيعة، وتشير الى حملات «مقاطعة الخونة» التي كان يروّج لها بعض المتشدّدين. وتقول إن المقاطعة الاقتصادية والاجتماعية تجري في الاتجاهين، لا في اتجاه واحد، فالسُنة قاطعوا المصالح الشيعية، وكذلك فعل الشيعة بالمثل. لكن مريم لا تغفل الإشارة الى أسباب فشل الانتفاضة، وتقول إنّ «المتظاهرين عاشوا النصر باكراً فصدّقوا أن النظام قد سقط، إضافة الى طرح شعارات استفزازية وتحويل دوار اللؤلؤة، مكان الاعتصام، الى حسينية ومضافات».