للمرة الأولى منذ اندلاع الأزمة السورية في آذار الماضي، دعا الرئيس الأميركي باراك أوباما أمس الرئيس السوري بشار الأسد الى التنحي بعد يوم من إعلان الأسد وقف العمليات العسكرية، وهو ما استتبع فرض عقوبات جديدة على النظام، قبل أن تلتحق الدول الأوروبية جميعها بالموقف الأميركي، في تصعيد غير مسبوق للضغوط على النظام في سوريا.
وقال أوباما، في أمر تنفيذي يفرض عقوبات تشمل تجميد كل أصول الحكومة السورية، «من أجل الشعب السوري حان الوقت كي يتنحى الرئيس الأسد». وبينما دعت الولايات المتحدة في السابق الأسد إلى إجراء إصلاحات ديموقراطية أو الرحيل، فإن بيان أوباما يمثل أول دعوة صريحة لتنحي الأسد.
وتفرض العقوبات الأميركية الجديدة حظراً فورياً على كل أصول الحكومة السورية التي تخضع للقضاء الأميركي وتحظر أي تعاملات تشمل حكومة الأسد. وتشمل أيضاً حظر الواردات الأميركية من النفط أو منتجات النفط السورية، التي تمثل نسبة ضئيلة من واردات النفط الأميركية، وتحظر على المواطنين الأميركيين التعامل أو الاستثمار في سوريا.
كذلك أعلنت وزارة الخزانة الأميركية أن واشنطن حظرت التعامل التجاري مع خمس من شركات النفط السورية. وقال بيان للوزارة إن الرئيس الأميركي باراك اوباما أمر بفرض عقوبات على المؤسسة العامة للنفط، والشركة السورية للنفط والشركة السورية للغاز، والشركة السورية للنفط وشركة سترول، فيما اعتبر وزير الخزانة تيموثي غايتنر أن عقوبات بلاده التي تستهدف القطاع النفطي السوري، وهو «مصدر عائدات أساسية بالنسبة الى الدولة السورية»، «ستضعف قدرة النظام» على تمويل أعمال القمع، وذلك في تتويج لعدة جولات من العقوبات على الأسد ومسؤولين سوريين آخرين ومؤسسات مالية كان تأثيرها ضئيلاً نظراً الى الطبيعة المحدودة للتعاملات الأميركية السورية.
من جهتها، قالت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون إن العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على قطاع النفط السوري «تضرب قلب نظام» الرئيس السوري وتدعم مطالبتها له بالتنحي. وصرحت في بيان تلته على الصحافيين أن «هذه العقوبات تضرب قلب النظام عن طريق حظر الواردات الأميركية من النفط السوري ومنتجاته، وتحظر على الأميركيين التجارة في هذه المنتجات». وأضافت «فيما نضاعف الضغط على نظام الأسد لشل قدرته على تمويل حملته العنيفة، سنتخذ تدابير للتقليل من التأثير غير المرغوب فيه لهذه العقوبات على الشعب السوري».
من جهته، قال مسؤول أميركي كبير للصحافيين، في مؤتمر عبر الهاتف، إن الولايات المتحدة على يقين من أن الرئيس السوري بشار الأسد «في طريقه للرحيل»، فيما قال مسؤول أميركي آخر إن واشنطن واثقة بأن العقوبات التي أعلنها البيت الأبيض على سوريا ستتبعها خطوات مماثلة من جانب دول أخرى.
من جهةٍ ثانية، أعلن المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي تومي فيتور أن الرئيس الأميركي باراك أوباما «لا يعتزم» استدعاء السفير الأميركي في دمشق روبرت فورد، موضحاً «نحتاج إلى أن يبقى (السفير) هناك».
وأعقب العقوبات الأميركية والدعوة إلى تنحي الأسد نداء من ثلاث دول رئيسية في الاتحاد الأوروبي هي بريطانيا وفرنسا وألمانيا للأسد بأن يتنحى.
ودعا رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركيل الرئيس الأسد إلى التنحي عن منصبه، بعدما اعتبروا أنه فقد كل شرعية ولم يعد مؤهلاً لقيادة البلاد.
وقالوا في بيان مشترك «إن السلطات السورية تجاهلت النداءات العاجلة في الأيام الأخيرة من قبل مجلس الأمن الدولي، والعديد من دول المنطقة، ومجلس التعاون الخليجي، والأمينين العامين لجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي». واتهم الزعماء الأوروبيون الثلاثة في بيانهم السلطات السورية بـ«بمواصلة قمع شعبها بقسوة وعنف ورفض تحقيق طموحاته المشروعة وتضليله وكذلك المجتمع الدولي بوعود فارغة».
وأضاف البيان «إن فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة تجدد إدانتها المطلقة لهذا القمع الدموي للمتظاهرين المسالمين الشجعان والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي يرتكبها الرئيس الأسد وسلطاته منذ عدة أشهر، وتدعم بقوة فرض الاتحاد الأوروبي المزيد من العقوبات على نظام الأسد». كما حث القادة الثلاثة النظام السوري على «وقف جميع أعمال العنف فوراً، والإفراج عن جميع سجناء الرأي، والسماح للأمم المتحدة بحرية الدخول إلى البلاد لإجراء تقويم مستقل عن الوضع في سوريا».
وقال البيان إن المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا «تعتقد أن الرئيس الأسد، الذي لجأ إلى القوة العسكرية الوحشية ضد أبناء شعبه، وهو المسؤول عن هذا الوضع، فقد كل شرعية ولم يعد مؤهلاً لقيادة البلاد، وندعوه إلى مواجهة واقع الرفض التام لنظامه من قبل الشعب السوري، والتنحي عن منصبه من أجل مصلحة سوريا ووحدة شعبها». وأضاف «يجب وقف العنف في سوريا الآن، والاعتراف بحق السوريين مثل الشعوب العربية الأخرى خلال الأشهر الأخيرة، في الكرامة والحرية واختيار قادتها بحرية، وسنواصل العمل مع الشعب السوري ودول المنطقة وشركائنا الدوليين مع إعطاء دور مركزي للأمم المتحدة لدعم مطالبه وتحقيق انتقال سلمي ديموقراطي في سوريا».
كذلك دعا وزير الخارجية الفرنسي ألان جوبيه الرئيس السوري بشار الأسد إلى مغادرة السلطة في سوريا وترك مكانه لحكومة إصلاحية تلبي تطلعات السوريين. وأصدر بياناً جاء فيه أن «السلطات في دمشق اختارت تجاهل الدعوات المتكررة للمجتمع الدولي، ومن بينها دعوات من دول في المنطقة ومن الأمين العام لجامعة الدول العربية». وأضاف إن السلطات السورية «اختارت على العكس قمع التطلعات السلمية والمشروعة للشعب السوري، وتصرفاتها تشكل خطراً على استقرار المنطقة بأسرها». وأردف وزير الخارجية الفرنسي بالقول إن «النظام السوري فقد شرعيته بالكامل لحكم البلاد، ولا بد من وقف القمع الوحشي وانتهاكات حقوق الإنسان فوراً، كما لا بد من الإفراج عن المعارضين المعتقلين وتطبيق عملية انتقال ديموقراطية». وختم بالقول إن «على الرئيس السوري بشار الأسد أن يعود إلى المنطق وينسحب ليترك المكان لحكومة إصلاحية تستجيب لتطلعات الشعب السوري».
كذلك أصدرت مسؤولة السياسة الخارجية والأمن بالاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون بياناً قالت فيه إن «الاتحاد الأوروبي يدين بأقسى العبارات الحملة الوحشية التي يشنها (الرئيس السوري) بشار الأسد ونظامه ضد شعبه». وإذ أشارت إلى أن «القيادة السورية صعدت قمعها العنيف للمتظاهرين المسالمين ولجأت إلى وتيرة مرتفعة من استخدام القوة العسكرية في مدن حماه ودير الزور واللاذقية، ما أدى إلى مقتل وإصابة العديد من المواطنين السوريين»، لفتت إلى ما يتردد عن ضحايا ولاجئين إضافيين بعد مهاجمة مخيم الرمل الفلسطيني. وشددت على أن هذه التطورات غير مقبولة ولا يمكن التسامح معها، مذكرةً بأن«الاتحاد الأوروبي شدد مراراً على ضرورة وقف القمع الوحشي، والإفراج عن المعتقلين والسماح بدخول المنظمات الإنسانية الدولية ومنظمات حقوق الإنسان ووسائل الإعلام بحرية وإطلاق حوار وطني شامل وحقيقي». لكنها رأت أن «النظام السوري بقي على تحديه لدعوات الاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي بما في ذلك جيران سوريا، ما يظهر أن النظام السوري ليس راغباً في التغيير». ولفتت آشتون إلى أن وعود الرئيس السوري بالإصلاح فقدت أي صدقية، لأنه ليس ممكناً أن تنجح الإصلاحات في ظل القمع الدائم. وقالت إن «الاتحاد الأوروبي يشير إلى فقدان الأسد تماماً صدقيته بعيون شعبه وإلى ضرورة التنحي». وأكدت أن الاتحاد الأوروبي يتصل بالشركاء في المنطقة ويدعو إلى جلسة خاصة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بشأن سوريا، كما يناقش إجراءات توسيع العقوبات ضد النظام. وختمت بالقول إنه «من خلال هذه الإجراءات نحن نستمر في هدفنا الرامي إلى مساعدة الشعب السوري على تحقيق تطلعاته المشروعة».
بدوره، دعا رئيس الوزراء الكندي، ستيفن هاربر، الرئيس السوري إلى التنحي. وأصدر بياناً قال فيه «أنضم إلى الرئيس (باراك) أوباما وغيره من الأعضاء في المجتمع الدولي في دعوة الرئيس الأسد إلى ترك منصبه والتخلي عن السلطة والتنحي فوراً». وأضاف «للشعب السوري الحق في اختيار الخطوات التالية لمستقبل سوريا». وبعدما جدد إدانة كندا «القوية للاعتداءات العسكرية العنيفة المستمرة من قبل نظام الأسد ضد الشعب السوري»، أكد أنه «يتعين على حملة الترهيب هذه أن تتوقف».
(أ ب، أ ف ب، رويترز، يو بي آي)



سويسرا تستدعي سفيرها

قررت سويسرا، أمس، استدعاء سفيرها في سوريا لإجراء مشاورات، بحسب بيان لوزارة الخارجية السويسرية. وقال البيان إن «السلوك غير المقبول لقوات الأمن السورية دفع وزارة الخارجية الى استدعاء سفير سويسرا في دمشق الى برن للتشاور». وأشارت برن الى أنها دعت السلطات السورية الى «وضع حد فوري للقمع واحترام الحقوق الأساسية للسكان في سوريا، من بينها الحق في الحياة ومنع التعذيب، فضلاً عن حرية الرأي والتجمع». إلا أن الخارجية السويسرية أوضحت أن استدعاء سفيرها الذي يوجه «رسالة قوية الى دمشق»، إجراء «لا يرقى الى مرحلة قطع العلاقات الدبلوماسية»، مؤكدة أن «سفارة سويسرا في دمشق لا تزال مفتوحة وعاملة بالكامل». وكانت الحكومة السويسرية قد أعلنت في أيار الماضي تجميد أرصدة للرئيس السوري بشار الأسد.
(أ ف ب)