إسطنبول | خرجت صحيفة «توداي زمان»، أمس، بتقرير أثار استغراب عدد من الصحافيّين الأتراك، مفاده أن الجيش التركي اتخذ إجراءات غير معتادة على طول الحدود التركية ـــــ السورية، بينها استدعاء الضباط المتقاعدين بالجيش للخدمة في المحافظات الحدودية، تحسُّباً لأمرين: أولاً تدفق كبير محتمل للاجئين السوريين الهاربين من الاضطرابات في بلادهم، والمتوقع أن يرتفع عددهم ارتفاعاً كبيراً. وثانياً خشية حصول تدخل عسكري من حلف شماليّ الأطلسي ضد سوريا! ونقل صاحب التقرير، الصحافي إركان يافوز، عن «مصادر مسؤولة» تأكيدها أنّ المسؤولين يتوقعون أن يرتفع عدد اللاجئين السوريين في مخيمات اللجوء التركية التي لا تزال محصورة بمحافظة هاتاي، والتي يتوقع البعض أن تمتد إلى ماردين وكيليش، إلى أرقام لا يتوقعها أحد، «بدليل أن هناك 17 ألف لاجئ في طريقهم حالياً إلى الأراضي التركية لينضموا إلى اللاجئين الـ 7239 الموجودين أصلاً في تركيا»، ما يذكّر بما حصل بعد حرب الخليج الثانية حين استضافت تركيا عشرات الآلاف من اللاجئين العراقيين، وخصوصاً الأكراد منهم من دون أن تتلقى أي مساعدة أجنبية على هذا الصعيد.
وبحسب التقرير، أصدرت رئاسة أركان الجيش أوامرها لجميع الضباط المتقاعدين منذ أقل من 5 سنوات، للالتحاق بقوات الجيش المنتشرة على الحدود، مشيراً إلى أنّ الإجراءات الأمنية في عدد من المواقع الاستراتيجية الحدودية عُزِّزت على نحو بشكل كبير، «بدليل مضاعفة عدد حراس القاعدة البحرية في الإسكندرون».
ووفق التقرير نفسه الذي وضعته الصحيفة المقربة من حزب «العدالة والتنمية» الحاكم على صفحتها الأولى على موقعها الإلكتروني، فإنّ أنقرة متخوّفة جديّاً من قيام حلف شماليّ الأطلسي بمهاجمة سوريا، وهو ما لا تريده القيادة التركية؛ لأن ذلك من شأنه تفجير العالم الإسلامي، وأن «يحوّل المنطقة بأكملها إلى جحيم حقيقي» بحسب الخبير في الشؤون السورية، الأستاذ الجامعي فيصل أيهان.
وفي إطار استغرابهم للخبر، علّق عدد من الصحافيين والخبراء الأتراك لـ«الأخبار» على التقرير المنشور في الصحيفة، التي تُعَدّ من الأقرب للحكومة وحزبها. وقال الضابط المتقاعد من الجيش التركي، نهاد علي أوزكان، الذي يعمل حالياً مستشاراً عسكرياً في جامعة «توب»، إنها «رواية مغلوطة، فتقنياً وسياسياً ليس هناك من داعٍ لاستدعاء الضباط المتقاعدين»، كاشفاً أن التنظيم الداخلي للقوات المسلحة التركية ينص على أنه «في حال وجود مشكلة طارئة، يُلجأ أولاً إلى القوات العسكرية الموجودة في المواقع الحدودية، وإن لم يكن عديدها كافياً، تُستدعى قوات من المواقع القريبة من المنطقة التي تشهد المشكلة». ويتابع: «فقط حين لا تكون تلك الإجراءات كافية لاحتواء الأزمة، تستدعي قيادة الجيش الاحتياط والضباط المتقاعدين»، جازماً بأن لدى الجيش عدداً أكثر من كافٍ حالياً من الجنود والضباط، ولافتاً إلى أن مثل هذه الحالة (استدعاء الضباط المتقاعدين من دون وجود حرب) لم تحصل في التاريخ التركي الحديث.
أما تقنياً، فالأمر غير منطقي بحسب أوزكان أيضاً؛ لأنه في حال حصول هجرة لاجئين كثيفة من سوريا، «لدى تركيا الكثير من المؤسسات المدنية القادرة على التعامل مع أزمة إنسانية مماثلة، مثل مديرية الكوارث التابعة لرئاسة الحكومة وأجهزة عديدة أخرى». وفي السياق، ينهي أوزكان النقاش في الاحتمال السياسي لحصول ذلك، قائلاً: «انسوا أمر تدخل عسكري أطلسي، فحتى عقوبات جدية جديدة ليست على جدول الأعمال الحالي لعواصم القرار».
بدورها، ترى محررة الشؤون الدولية في «تلفزيون هابرتورك»، سيدة كيران، في حديث مع «الأخبار»، أنّ تركيا تفعل ما بوسعها لتفادي أزمة كبيرة قد تأتي من سوريا، رغم أن قسماً من الرأي العام التركي يدافع عن طرح متشدد يشجع على تدخل عسكري أجنبي في سوريا، ملاحظةً أن تقرير «توداي زمان» لا يذكر «أي اسم لأي مسؤول، وهو مجرّد انعكاس لآراء بعض فئات المجتمع التركي».