واشنطن تريد سوريا بلا الأسد وتستهدف «المصرف التجاري» و«سيرياتل»

طغى اعتراف الرئيس بشار الأسد، أمس، بارتكاب قوات الأمن «بعض الأخطاء» في تعاطيها مع التظاهرات الشعبية، على أجواء الاجتماع التشاوري لمجلس الأمن الدولي حول سوريا في وقت متأخر من ليل أمس، على وقع تصعيد أميركي لافت وتفاؤل تركي
بدت الصورة السياسية السورية الداخلية، وخريطة المواقف الدولية من الأزمة المتواصلة، شديدة التركيب. الرئيس بشار الأسد يعترف بحصول أخطاء في التعاطي الأمني مع المتظاهرين، من جهة، بالتزامن مع تصعيد في العقوبات الأميركية على مؤسسات نظامه، على وقع جلسة تشاورية لمجلس الأمن امتدت حتى ساعة متأخرة من ليل أمس لا يتوقع أن تكون قد انتهت إلى مشروع قرار جديد يدين النظام السوري.
واعترف الأسد بارتكاب قوات الأمن «بعض الأخطاء في المراحل الأولى من الاضطرابات»، متعهداً أن «الجهود تبذل للحيلولة دون تكرارها»، وذلك أثناء اجتماعه مع وفد الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، المؤلَّف من نائبي وزراء خارجية كل من البرازيل والهند وجنوب أفريقيا، إبراهيم إبراهيم وباولو كورديرو وديليب سينها، الذين أصدروا بياناً عقب اللقاء الذي هدف إلى «الحث على الوقف الفوري لكافة أشكال العنف» في سوريا. وجاء في البيان أن الرئيس السوري أكد «التزامه عملية الإصلاح التي تهدف إلى البدء بديموقراطية متعددة الأحزاب، وقال إنه يجري وضع اللمسات النهائية على الإصلاحات السياسية بالتشاور مع الشعب السوري، وإن الحوار الوطني سيتواصل لصياغة القوانين الجديدة والتوصل إلى نموذج مناسب للاقتصاد». ونقل عن الأسد تأكيده أن التعديلات الدستورية «ستكتمل بحلول شباط ـــــ آذار 2012». أما وزير الخارجية وليد المعلم، فقد تعهد أمام ممثلي الدول الثلاث أن «تكون سوريا ديموقراطية حرة ومتعددة قبل نهاية العام الجاري» وفق البيان نفسه.
بدورهم، كشف أعضاء الوفد عن نيّة «تأليف لجنة قضائية مستقلة»، مشددين على «أهمية ضمان صدقية هذه اللجنة وحيادها».
في هذا الوقت، كانت واشنطن مشغولة بتصعيد عقوباتها على دمشق، على وقع توقع أنقرة أن تشهد الساحة السورية تطورات إيجابية في الأيام العشرة أو الـ 15 المقبلة.
وحتى قبل دخول أعضاء مجلس الأمن إلى اجتماع مغلق لمناقشة الوضع في سوريا (من نزار عبود)، حملت المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة سوزان رايس بشدة على الأسد، مؤكدة أن لدى بلادها «دلائل على جرائم نظامه»، ومحذرة من أن إدارتها على استعداد «لزيادة الضغط على الأسد». لكن رايس اعترفت بعجزها عن توقُّع ما يمكن أن تكون عليه الإجراءات أو القرارات المستقبلية لمجلس الأمن. وبعد تصريحات الدبلوماسية الأميركية، بحث أعضاء مجلس الأمن في وقت متأخر الوضع في سوريا، على ضوء إحاطة شفهية قدمها ممثل الأمين العام للأمم المتحدة أوسكار تارانكو، أصرّت روسيا على ضرورة بقائها في جلسة تشاورية. وتردّد أن توصيات بان كي مون تمحورت حول تعيين مبعوث إلى سوريا، من دون طرح اسم محدد لهذه المهمة.
في غضون ذلك، كرر البيت الأبيض أن سوريا ستكون «أفضل حالاً» من دون الرئيس بشار الأسد الذي «فقد شرعيته»، وهو ما جاء على لسان المتحدث باسم البيت الأبيض جاي كارني. وتابع كارني قائلاً إنّ الانتقادات الدولية للأسد تتزايد بسبب «أفعاله الشائنة، ونحن جميعاً نراقب بفزع ما يفعله بشعبه»، وذلك بعد ساعات من إعلان وزارة المال الأميركية فرض عقوبات على «البنك التجاري السوري» المملوك من الدولة، وفرعه في لبنان «البنك التجاري السوري اللبناني»، بالإضافة إلى الشركة المشغلة للهواتف الخلوية في سوريا «سيرياتل» التي تشير تقارير إلى أن ابن خال الرئيس الأسد، رامي مخلوف، يملك الحصة الأكبر من أسهمها. وفي تعليقه على هذه العقوبات الجديدة، توقع مسؤول أميركي، في حديث لوكالة «رويترز»، أن تدعو واشنطن في الأسبوع الجاري الأسد للرحيل صراحةً للمرة الأولى منذ بدء الاحتجاجات.
وفي إطار الضغوط الدولية على دمشق، برز تصريح لافت لرئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، شدد في خلاله على أهمية انسحاب الجيش السوري من مدينة حماه، وهو ما «شاهده السفير التركي لدى أنقرة»، معرباً عن توقعه أن تبدأ الحكومة السورية إصلاحات خلال 10 أو 15 يوماً. وقال أردوغان: «في سوريا الدولة تصوّب المدافع على أبناء الشعب. نعتقد أن رسالتنا وصلت بالفعل إلى الأسد وكانت واضحة جداً: أوقفوا كل أشكال العنف وإراقة الدماء»، معرباً عن أمله أن «يتحقق ذلك خلال 10 إلى 15 يوماً، وأن تتخذ خطوات نحو عملية الإصلاح». كذلك فإن أردوغان وضع انسحاب الجيش من حماه في خانة «التطور المهم الذي يظهر نتائج إيجابية للمبادرة التركية» التي أوصلها وزير الخارجية أحمد داوود أوغلو إلى حكام دمشق أول من أمس.
وفي وقت لاحق، كشف داوود أوغلو أنه «بعد اجتماعات مع محافظ حماه أنس الناعم ومسؤولين آخرين، من المهم القول إن سفيرنا زار حماه شخصياً، وأُتيحت له فرصة التواصل مع الناس مباشرة والسير في الشوارع وأداء صلاة الظهر في مسجد بحماه مع السوريين. وأُبلغ أن الدبابات تغادر حماه وأن الأسلحة الثقيلة لم تعد موجودة». وكشف، في مؤتمر صحافي مشترك مع وزير الخارجية المصري محمد كامل عمرو في أنقرة، أن تركيا تنوي إرسال صحافيين إلى سوريا خلال الأيام القليلة المقبلة، لافتاً إلى أنه أبلغ الأسد «أنّ من المهم فتح المدن للممثلين الدبلوماسيين، وخصوصاً لوسائل الإعلام؛ لأن حرية الصحافة هي أهم أداة لإنهاء التكهنات والجدل، ولتتمكن الأسرة الدولية والشعب من تكوين رأي بشأن ما يعلنه النظام». وسُئل عمرو عمّا إذا كانت مصر ستسحب سفيرها من سوريا على غرار السعودية ودول خليجية أخرى، فأجاب بأن القاهرة «تراقب التطورات عن كثب، وسيعتمد تصرفها على التطورات المستقبلية»، وهو الذي سبق أن رأى أن «سوريا تقترب من نقطة اللاعودة».