القاهرة | بدا ميدان التحرير أمس غريباً. خرج الإسلاميون عن بكرة أبيهم، وهتفوا «إسلامية إسلامية لا شرقية ولا غربية». اختفت القوى السياسية أمام جحافل السلفيين والإخوان وأعضاء الجماعة الإسلامية، الذين أتوا من كل صوب وحدب من محافظات الجمهورية.بدأت مليونية «التوافق»، كما اتفقت عليها القوى السياسية، مساء الخميس، عندما شرعت التيارات الإسلامية في إقامة منصاتها. وهنا وقعت أولى الأزمات، عندما خرج الداعية السلفي حازم شومان هاتفاً في الجموع «أنتم الآن تدافعون عن شرع الله ضدّ أعداء الإسلام. وهتافاتكم ليست هينة، لكنّها سهام تنغرس في صدور ونحور أعداء الشريعة الإسلامية». بهذه الكلمات أكّد شومان والذين معه أنّها لم تعد جمعة «لمّ الشمل»، بل جمعة «اللحى والجلابيب والهتافات الإسلامية» التي تبايع المشير ومجلسه العسكري. لأول مرة تظهر داخل ميدان التحرير منذ قيام ثورة 25 يناير «رايات سوداء» فيها كلمات التوحيد «لا إله إلا الله» وعلم السعودية، كأننا في حرب والمد الوهابي على الأبواب. عشرات آلاف سلفيّي المحافظات انضموا إلى نظرائهم في الميدان، حاملين لافتات كُتب عليها «الشعب يريد تطبيق الشريعة»، على وقع هتافات «ارفع رأسك فوق أنت مسلم»، إضافةً إلى مسيرات جابت ميدان التحرير فجر الجمعة تهتف «إسلامية إسلامية»، و«مش عاوزنها علمانية» .
على منصة الإخوان كانت النبرة أهدأ. عضو مجلس أمناء الثورة، صفوت حجازي، طالب بضرورة توحيد الميدان، مناشداً الشباب الذين يحملون أعلام السعودية، إنزالها، قائلاً «مفيش علم يترفع إلا علم مصر وفلسطين بس». الإخوان، ومن على منصتهم وسط الميدان، أعلنوا تقديرهم للمجلس العسكري ورئيسه المشير محمد حسين طنطاوي، مردّدين ومعهم اللجنة التنسيقية للثورة «ألف تحية للمشير من قلب ميدان التحرير». لكن منصة الجماعة فضلت أن تهتف ضدّ إغلاق قناة السويس. واتهمت العلمانيين بمحاولة تعطيلها «قفل قناة السويس.. مطلب علماني ورخيص». أما منصة حزب «النور» السلفي، فتشابهت مع المنصات الأخرى، وأعلنت رفضها للمبادئ فوق الدستورية، ومحاولة الالتفاف على الاستفتاء على التعديلات الدستورية.
أنه يوم الإسلاميين بامتياز. لذلك لم تحتمل الأحزاب أن تبقى في قلب «ميدان التحرير»، رمز الثورة والصمود، إلى جانب الحركات والتيارات الإسلامية، بعدما خالفت الأخيرة اتفاقها معهم. فأصدر 34 حزباً وحركة بياناً مشتركاً، خلال مؤتمر صحفي لإعلان موقف القوى المدنية السياسية والمجموعات الثورية والائتلافات الشبابية المختلفة من انتهاك التيارات الإسلامية للاتفاق على رفع شعارات موحدة، انتهى إلى انسحاب هذه الحركات والأحزاب من المليونية.
وقررت الأحزاب عدم استكمال المشاركة في مليونية الجمعة، على أن تواصل الاعتصام السلمي في الميدان، لرفع مطالبها. وأكدت أن معركة استكمال الثورة مصيرية وحاسمة مهما كلف ذلك من تضحيات. لم يختلف الأمر كثيراً في المحافظات. الإسكندرية انقسمت إلى جبهتين: ساحة «مسجد القائد إبراهيم»، حيث توافد الإسلاميون، وميدان «سعد زغلول» حيث مقر اعتصام النشطاء وأسر الشهداء. مشهد أمس كان استعراض قوة لم تألفه الثورة من قبل، ويؤكد أن القوى المدنية والليبرالية هُزمت في «غزوة الجلابيّة واللحية». وفي هجوم يُخشى أن يكون له طابع طائفي، قُتل مسيحيون في محافظة المنيا جنوبي القاهرة. وقال مصدر أمني إن «المسيحيين الأربعة كانوا عائدين فجراً في شاحنة صغيرة بصحبة مسيحي خامس من مدينة أبو قرقاص القريبة إلى قريتهم جريس، حين اعترضهم مسلحون يستقلون شاحنة صغيرة أخرى ترجلوا منها وأطلقوا النار عليهم». وأضاف إن «أحد المصابين يرقد في حالة حرجة بينما تجرى عمليات جراحية للمصاب الثاني». وأشار الى أن «المسيحيين من أسرة واحدة».