الحسكة| في الشمال الشرقي من سوريا قصة مدينة تلوح للسوريين من خلف الأفق الذهبي. قليل من أهل العاصمة يعرفون الحسكة بعيداً عن مناهج الجغرافيا المتواضعة التي يدرسونها في المراحل الإعدادية والثانوية. الحسكة خزان النفط السوري والمساحات الشاسعة من الذهب الأبيض، تبدو هادئة مستقرة لا توفر حراكاً للحفاظ على الأمن والابتعاد عن أجواء التوتر والتعايش السلمي الذي عرفت به المحافظة تاريخياً.
قبل التوجه إلى المنطقة الشرقية كان اللقاء بزميلة دراسة قديمة أجلت دراسة الماجستير في الإعلام لتتفرغ لمتابعة الأوضاع في سوريا، وهي ابنة الحسكة والتي تصدر اليوم أخبارها وتضعها على صفحة الثورة السورية على موقع الفايسبوك، وتخبرنا بأن الحراك سيمتد إلى هناك وجمعة أحفاد خالد كانت البداية الحقيقية للحراك الشعبي الواسع وإن تأخر بسبب آراء بعض كبار العشائر الذين يرفضون من وجه نظرهم أن يأخذوا البلاد نحو المجهول. لكن للحرية بحسب الفتاة، التي تفضل ألا ينشر اسمها، ثمناً، والسوريون مستعدون لدفعه وقد دفعوا جزءاً كبيراً منه بآلاف الشهداء.
الحماسة البادية على ابنة الحسكة المقيمة في دمشق تتضح معالمها أكثر في ثالثة كبرى المحافظات في سوريا، حيث يحتفي المجتمع بتنوع عرقيات وطوائف تعايشوا معاً، ولعل بعضهم يشكل القنبلة الموقوتة التي لم تنفجر بعد.
المساحات الشاسعة من الأراضي الجرداء التي تظهر على الطريق من دير الزور إلى عاصمة النفط، تروي قصة جفاف مضن أنهك هذه القرى وأدخلها في غيبوبة جعلتها خارج خريطة الحياة إلى حد ما. وسط الصحراء القاحلة، تظهر الصالحية أو (دورا أوربوس) المعلم الأثري شبه المهمل شأنه شأن معظم المناطق الأثرية في الجزيرة السورية، ثم الصور وهي إحدى القرى السبع التي تفترش أمكنتها على الطريق الممتدة بين عاصمة الفرات وعاصمة الخابور، وقد صنفت ضمن المناطق الأكثر تضرراً من أزمة الجفاف الأخيرة التي عصفت بالجزيرة السورية.
ومع استراحة قصيرة على الطريق، يكتشف الزائر أن آراء الناس تختلف عن روايات الشبكة العنكبوتية والتنسيقيات ووسائل الإعلام. فالجفاف والسوء الخدمي لن يغيرا من مواقف الغالبية هنا الداعمة والمؤيدة للنظام، بل إن أحدهم وصف أهالي دير الزور بالفاسقين لخروجهم في تظاهرات تدعو إلى اسقاط النظام. لكن هل المطالبة بالحرية وتغيير النظام كفر حتى يوصف أهالي الدير بهذه العبارات؟ يجيب وليد، وهو ناشط في المجتمع المدني، بأن المنظمات الدولية والدولة اهتمت بالقرى المتضررة، لكن سوء التنسيق والتخبط في العمل أفضيا إلى نتائج كارثية، أدت إلى موجات من الهجرة الجماعية نحو حلب ودمشق والمدن الكبرى.
ومع الوصول إلى الحسكة أو منظمة الأمم المتحدة، كما يسميها بعض المثقفين في نوع من الرمزية إلى التعايش الكبير بين الكثير من العرقيات والقوميات، يشكل المجتمع لوحة موزاييك من عرب وأكراد مع الآشوريين والكلدان والأرمن والتركمان والنساطرة. نسيج اجتماعي يتعايش منذ سنين طويلة جداً، منهم من فتح عينيه على الدنيا ليجد نفسه في المدينة، ومنهم من جاء إليها من المحافظات الأخرى. وفي حقول الرميلان والجبسة والهول، لا يزال النفط يتدفق، وفي الشمال، حيث يمر نهر دجلة بالأراضي السورية لمسافة قصيرة قررت الحكومة إقامة مشروع لجر المياه لحل أزمة الجفاف.. الشبح الذي أرق ليالي الأهالي هناك وهجّر نحو ربع مليون إلى دمشق أو حلب.
في الجزيرة لا ينقص سوى أغنية سعاد حسني حتى يكتمل المشهد «الدنيا ربيع والجو بديع وقفلي على كل المواضيع». وأول هذه المواضيع التي تحتاج إلى أن ترمى جانباً هي ما صار يعرف بالخبز اليومي للسوريين في دمشق ودرعا ودير الزور وحماة وحمص، أي السياسة. الحسكة تعيش طلاقاً مؤقتاً مع السياسة وتبدو هادئة وكأن شيئاً لم يكن، بل، وبحسب ميخائيل، الطالب الجامعي الذي يمضي عطلته هنا، لا مبرر للتظاهرات ولا للاحتجاجات. ويمضي في الحديث قائلاً «التعليم مجاني والمشافي تقدم لنا الخدمات مجاناً» ثم ينتقل إلى طرح الأسئلة: أعطوني نظاماً يبيع المواطنين الخبز بهذا السعر الزهيد. أعطوني نظاماً يسير قائده بين الشعب ويستطيع من يشاء أن يقابله». لكن ماذا يحدث في بقية المحافظات؟ يجيب بإشارة قاطعة لا تردد فيها: «إنهم عناصر مسلحة تسللت من الحدود»، ويطلب ألّا نخوض معه في التفاصيل. وهو ما يؤكده سامي زميله نافياً بشدة اعتقاد البعض أن تأييد الأقليات للنظام نابع من خوفها على نفسها ومن هجمات المتشددين الإسلاميين، لكنه يعود ويقول: «إن من يخرج في تظاهرات ليقول: العلوي عالتابوت والمسيحي عبيروت لا يمكن أن يطالب بالحرية! لقد رفعت الدولة الطوارئ وأقرت قوانين للأحزاب ومشاريع تنموي، لماذا يصرّون على تحميل النظام أكثر من طاقته».
في المقابل، يتحدث الأهالي عن خروج تظاهرات في المدينة تدعو إلى إسقاط النظام لكنها ليست بضخامة الأعداد التي خرجت في باقي المحافظات، ويعزون السبب في ذلك إجمالاً إلى أحوال أهل المدينة المرتاحين كما يقولون.
هدوء الحسكة ينسحب شمالاً إلى القامشلي، المدينة التوأم للحسكة والتي تتقاطع معها بفسيفساء المجتمع. المدينة تبدو أيضاً في غاية الارتياح والهدوء، يحكي عنها مطارها المدني وجامعتها الخاصة. وفي جانب آخر تبدو ملامح المدينة باردة وشوارعها فارغة في غياب معظم أبنائها الذين هاجروا للسويد والنمسا وكندا، لذا لعبت رؤوس الأموال والتحويلات الآتية للمدينة دوراً في انتعاش اقتصادي تشهده المدينة، كما يقول هادي، وهو طالب في دمشق عاد ليمضي عطلته في مسقط رأسه.
القامشلي متطورة عمرانياً بفعل رؤوس الأموال المحولة من أوروبا. هذه الأموال، يؤكد هادي أنه لم تحولها قوى أجنبية، بل أبناء المدينة الذين اغتربوا مجبرين بفعل الممارسات الاستثنائية للنظام، مشدداً على أن «كل التقدم الذي تتمتع به القامشلي ليس إلا بجهود أبناء المدينة وليس للدولة أي يد فيه، بل إن المراسيم الاستثنائية والقوانين الخارجة عن المنطق هي ما تقف عائقاً أمام استمرار العمل ببناء مدينتنا» ويستشهد الشاب بالمرسوم الرقم 49 لعام 2008.
أما عن واقع الأقليات في المنطقة، فيقول الشاب الكردي إنها تبحث عن ضمانات حقيقية مستقبلية لحقوقها في مرحلة ما بعد النظام، لذا يعتقد أنها مترددة في المشاركة بالحراك الشعبي، ويلقي في المقابل اللوم على بعض أطياف المعارضة التي تتبنى المرحلة المقبلة بأنها ليست أفضل من النظام في التعاطي مع الأقليات، ويخص الأكراد الذين يبلغ تعدادهم في سوريا مليوناً ونصف المليون نسمة يتوزع أغلبهم على الجزيرة في محافظة الحسكة، تليها عفرين في حلب ثم دمشق.
ومن المعروف أن إحصاء عام 1962 حرم مئات الآلاف من الأكراد من الجنسية السورية من حقهم في المساواة، إسوة بغيرهم من مواطني الدولة، ومنعوا من تسمية أبنائهم بأسماء كردية ومن الحديث بلغتهم، ولطالما قمعت السلطة احتفالاتهم بعيد النيروز، وأي دعوة إلى الحصول على الجنسية، واعتقلت عدداً من قادتهم وحاكمتهم بتهمة الدعوة إلى اقتطاع جزء من أرض الوطن، قبل أن يعمد النظام، مع بدء تصاعد الحركة الاحتجاجية، إلى اباحة محظوراته السابقة.. فسمح للأكراد بالاحتفال بعيدهم وأصدر الرئيس السوري بشار الأسد مرسوماً بإعطاء الجنسية السورية لمن حرمهم اياها احصاء عام 1962. وعرض النظام على قرابة اثني عشر حزباً كردياً الحوار، بعضها قابله بالرفض المسبق وآخرون توجهوا لدمشق للحوار.
ويقول هادي عن الاحزاب الكردية: إنها بمثابة الأم العجوز للشارع، ولولاها لما كنا نتكلم الكردية ولكانت اسماؤنا احمد وجهاد وهشام مع احترامي لهذه الأسماء.
أما عن السبب الذي أدى إلى ابتعاد الأكراد عن التظاهرات بالزخم ذاته الحاصل في باقي المحافظات رغم أن اضطهادهم على مدى السنين السابقة قد يمثّل دافعاً قوياً ليكون الاكراد عاملاً هاماً في الحراك الشعبي، يشير هادي إلى عدم ثقة الشارع الكردي بالمعارضة وخوفهم من استخدام الأكراد ورقة رابحة تدفع إلى غياب الشارع الكردي عن التظاهرات بالقوة المتوقعة منه، اضافةً إلى «اتهام بعض أطياف المعارضة والنظام، بل والشارع العربي لنا بمحاولة الانفصال والتعاطي مع اسرائيل». لذا يرى هادي أن الاحتقان الكردي لا يمكن أن يتجسد على صورة موجة تزول بسرعة، وعندما سيقرر الأكراد المضي قدماً فلن يعودوا الا ومعهم اكليل الغار.
أما الشاب بنكين، فحمّل بعض القيادات الكردية المسؤولية عما آلت اليه أوضاع الأكراد.
ومن على مقعده في الطائرة المغادرة من القامشلي باتجاه دمشق، يؤكد الشاب المصرفي، الذي يستخدم اسم عماد بين الناس لكونه أسهل من اسمه الحقيقي، «أن تعاطي بعض القيادات الكردية مع الشأن السوري يعطي فرصة لاتهام الأكراد بشتى الاتهامات؛ فما حصل في مؤتمر اسطنبول مضحك للغاية حين طالب ممثلو الأحزاب الكردية بحذف كلمة العربية من الجمهورية العربية السورية، وما قاله الناشط الكردي في اللقاء التشاوري الذي عقد في دمشق أخيراً يثير السخط، فالقضية ليست وجود وزير كردي أو مقاعد للأكراد في مجلس الشعب. المسألة ببساطة في اعتراف النظام السوري بالمجتمع والقومية الكردية كجزء من النسيج الاجتماعي السوري، وهو ما اقتنعت به الدولة أخيراً، فالأكراد ليسوا دعاة انفصال وليسوا متعاملين مع اسرائيل كما يصر بعض الأطراف، الموالين او المعارضين».



العراق يدعم أمن سوريا واستقرارها

ذكرت وكالة الأنباء السورية الرسمية «سانا» أن الرئيس العراقي جلال طالباني (الصورة)، أكد في رسالة إلى نظيره السوري بشار الاسد دعم العراق لأمن واستقرار سوريا. وذكرت الوكالة أن الرئيس السوري تلقى رسالة من طالباني «أعرب فيها عن دعم العراق لأمن واستقرار سوريا ولمسيرة الاصلاحات فيها».
والرسالة التي نقلها مبعوث الرئيس العراقي عادل عبد المهدي، أشارت «سانا» إلى أنها «تتعلق بعلاقات التعاون بين سوريا والعراق والتطورات في منطقة الشرق الاوسط وخصوصا في سوريا». كذلك تناول اللقاء «الاوضاع في المنطقة عموماً وعلى الساحة العراقية خصوصاً». وكان رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي قد قال في نهاية حزيران خلال لقائه بوفد من رجال الأعمال السوريين في بغداد إن «استقرار المنطقة ككل مرتبط باستقرار سوريا وأمنها» حيث تشهد حركة احتجاجات تهز البلاد.
(أ ف ب)