تعيش الدولة العبرية في هذه الأيام تحديداً موجة احتجاجات شعبية عارمة احتجاجاً على غلاء أسعار البيوت والمساكن. وقد بدأ الاحتجاج بخمسة شبّان اعتصموا في قلب خيمة احتجاجاً على غلاء اسعار البيوت والإيجار، ومن بعدها اتسع ليضم أكثر من عشرين حركة في مدن وأماكن مختلفة في الدولة العبرية، أدَّت إلى تظاهرات ومسيرات في تل أبيب والقدس. لكنَّ هذه الحركات كلها، لا تحمل رؤية سياسية، بل مطالب عينية تطالب بوحدات سكنية أكثر للأزواج الشبان وتسهيلات وخفض اسعار البيوت ومراقبة ايجار البيوت. هذا الاحتجاج «الاجتماعي» لا يتطرق مباشرة إلى السياسة الاقتصادية الرأسمالية، التي يقودها نتنياهو منذ أن كان وزيراً للمالية في حكومة أرييل شارون.تلك السياسة التي تؤدي حتماً إلى مثل هذه الحالة، وخصوصاً أن نتنياهو من أشدّ المؤمنين بـ«السوق الحرة» وتوفير الظروف للمستثمرين، ما سيؤدي، بحسب ايمانه، إلى توفير أماكن عمل وازدهار.
الحركات الاحتجاجية شدّدت على مطالب عينية، دون التطريق إلى لب القضية، وهي الاستراتيجية التي تتبعها السلطات الإسرائيلية وإنفاقها الضخم على مواصلة الاحتلال وما يسمى بـ«الأمن» في مقابل اتباع سياسة رأسمالية داخلية. حتى الآن لا تبدو الأزمة، التي احتلت العناوين في الدولة العبرية، تشكل تهديداً حقيقياً لحكومة نتنياهو الحالية، وخصوصاً أنَّ منظمي الاحتجاجات كانوا قد صرّحوا بأن هذا «ليس احتجاجاً سياسياً» وليس «تنظيماً يسارياً»، كما جاء في «هآرتس». لكن الاحتجاج بالتأكيد بمثابة تحذير لنتنياهو، وخصوصاً أن الرضى الشعبي عن أدائه، مقارنة بالماضي القريب، قد تراجع بحسب استطلاع للرأي نشرته صحيفة «هآرتس». فالرجل الذي حاز على نسبة رضى بـ51 في المئة بعد خطابه الأخير أمام الكونغرس، اكتفى هذه المرة بنسبة 32 في المئة من الراضين، في مقابل 51 في المئة غير راضين.
أما على الصعيد الحزبي، فقد تراجع حزب «الليكود» بأربعة مقاعد عن الاستطلاع السابق في آذار الماضي، لكنَّ هذا التراجع لم يكن لصالح الحزب المنافس «كديما» برئاسة تسيبي ليفني، الذي تراجع هو أيضاً بأربعة مقاعد ليحظى الحزبان بـ27 مقعداً لكل منهما. ولعل أكثر المعطيات المثيرة في هذا هو حزب «العمل» الذي ارتفع بستة مقاعد، اي ضاعف قوته. هذا الحزب الذي عانى الكثير وتحطم في استطلاعات الرأي السابقة يلتقط انفاسه مجدداً. فبعدما حظي بستة مقاعد في الاستطلاع السابق، حصل في الاستطلاع الحالي على 12 مقعداً، ربما مستفيداً من الأزمة، وربما أيضاً من مغادرة إيهود باراك للحزب وتشكيله حزباً جديداً.
في أعقاب الاحتجاجات، سارع نتنياهو بالأمس إلى عقد مؤتمر صحافي، وأعلن خطته لحل الأزمة وبناء 50 ألف بيت، بالإضافة الى بناء بيوت بإيجار مخفوض، وخفض بنسبة 50 في المئة في المواصلات العامة للطلاب الجامعيين، لكنّه تهرب من اسئلة حول متى ستنفذ هذه الإصلاحات. في هذه الأثناء، أعلن المحتجون رفضهم لخطة نتنياهو مبينين أنّ احتجاجهم سيتواصل، ومتهمين نتنياهو بـ«بالكذب». وأعلنوا عن تظاهرة احتجاجية إضافية يوم السبت مساءً.
في هذه الأثناء، وفي ظل الأزمة التي تعيشها الدولة العبرية، ازدادت الانتقادات لنتنياهو من معارضيه. فرغم أنَّ تأثير هذه الاحتجاجات على الحكومة ليس واضحاً في هذه الآونة، فإن هذا لم يمنع عدداً من المحللين السياسيين لصحيفة «يديعوت أحرونوت» من مهاجمة نتنياهو والقول إن شركاءه (اي وزراءه) يشمّون رائحة الانتخابات. وكتب أتيلا شومبلفي في الموقع الإلكتروني لصحيفة «يديعوت أحرونوت» أن أعضاء كتلة الليكود: «لا يخافون اليوم. يرون الغضب في الشوارع ويقرأون العناوين، ويفحصون الاستطلاعات ويشمّون الدم»، مضيفاً في مقالته أيضاً: «يمكن القول إن موسم الانتخابات التمهيدية في الليكود بدأ».
وفي جميع الأحوال، نتنياهو يخوض اليوم أوضاعاً صعبة، وخصوصاً أن الأمر ليس متعلقاً بقضايا امنية بل اجتماعية. واحتجاج السكن ليس وحده على الأجندة، فهناك أيضاً احتجاج جماعي من أطباء في المستشفيات نتيجة الظروف الصعبة التي يعيشونها. ما يشعل ضوءاً أحمر أمام حكومة بيبي.