القاهرة ــ الأخبار «موقعة الجمل الثانية» وقعت في العباسية هذه المرة، تغيّر المكان تبعاً لتغير السلطة الحاكمة ولم يتغير الأسلوب كثيراً. مجموعة من معتصمي التحرير قرّروا التوجه في مسيرة أول من أمس، رفضاً لتباطؤ الجنرالات في محاكمة قتلة الثوار، واعتراضاً على ما حصل ليلة الجمعة في عدد من الميادين ضد الثوار. في الاسكندرية اقتحمت الشرطة العسكرية اعتصام ميدان القائد إبراهيم، وفي أسوان تكرر المشهد، لكن كان البلطجيّة أبطاله والشرطة العسكرية تقف بالقرب من المجزرة.
في أسوان كان وقع المعركة أكبر، قُطعت الكهرباء عن مكان الاعتصام. حالة التخبط والفزع أسهمت في وقوع عدد من الإصابات، فقد رفض ثوار التحرير ما حدث في تلك الليلة، وما حصل قبلها في بورسعيد والسويس.
لقد خرجت المسيرة في الخامسة من ميدان التحرير، مروراً بشارع رمسيس ـــــ أحد أكبر شوارع العاصمة ـــــ وكان الهتاف السائد «مصر حره والمشير بره». أجواء كانون الثاني تعود مع تنامي الإحساس بعدم اكتراث العسكر بتنفيذ أي من مطالب الثورة والإحساس العام بأنه لا يوجد ثمة فارق كبير ما بين إدارة المجلس لشؤون البلاد، والرئيس السابق، تزايد هذا الإحساس مع ظهور عدد من قادة المجلس على شاشات الفضائيات وهم يتهمون قوى سياسية وحركات وكتّاباً وإعلاميين بأنهم يروّجون لفتنة ما بين الجيش والشعب.
من جهته، بدأ قائد المنطقة المركزية، أحد قادة المجلس، اللواء حسن الرويني، الهجوم باتهام أعضاء «حركة 6 أبريل» بأنهم تلقوا تدريباً في الخارج على كيفية «قلب نظام الحكم» (أكثر التهم رواجاً وترويجاً أيام حكم مبارك) وأنهم يتلقون أموالاً من مؤسسات ومنظمات تستهدف أمن مصر واستقرارها.
لم يكتف الرويني بذلك، بل ذهب الى أن المسيرة التي خرجت من الميدان مساء الجمعة الماضية في اتجاه المجلس العسكري، كانت بتحريض من أعضاء الحركة، وأنهم قادتها.
من هنا بدأت الأزمة الحقيقية، لأن اللواء الرويني هدد بكشف وفضح عدد من القوى والتيارات السياسية التي تتلقى أموالاً وتعمل على تخريب البلاد. كلام يهدف الى خلق حالة من الشك والريبة ما بين الثوار. لكن الناس لم يتوقفوا عند الكلام الخطير الذي ردده الرويني على أكثر من فضائية، عندما قال إنه كان يطلق الشائعات أيام الثورة حتى يمتص غضب الثوار، ومنها مثلاً حديثه عن القبض على أمين تنظيم الحزب الوطني المنحل، أحمد عز، قبل أن يُقبض عليه.
اتهامات الرويني الذي وزعها ذات اليمين وذات اليسار، أسهمت على نحو كبير في إصرار الثوار أول من أمس على التحرك الى المجلس العسكري، حيث بدأت المسيرة سلمية وانتهت دموية بمصابين وصلوا الى أكثر من 300 مصاب، كلهم من الثوار.
ووصلت المسيرة الى مسجد النور، حيث كان الجيش قد فرض حصاراً شبيه بالحصار الذي أُقيم حول القصر الجمهوري يوم التنحي العظيم، حسبما قال عضو ائتلاف شباب الثورة أحمد عيد، الذي أضاف «المهم، توقفت المسيرة وكان الاتفاق على أن تنتهي في السابعة مساءً ثم نعود مرة أخرى الى ميدان التحرير. لكن قبل آذان المغرب بقليل بدأ بعض العناصر يتسللون من خلف قوات الجيش المتراصة بعرض شارع رمسيس حتى تمنع تقدمنا نحو المجلس، حاملين أسلحة بيضاء. أخذنا الأسلحة وسلمناها للجيش، بعد ذلك وجدنا زجاجات تتساقط من سطوح بعض البيوت، فبدأت الاشتباكات التي كانت الغلبة فيها للمتظاهرين».
نفس السيناريو يتكرر تقريباً. بلطجية يخرجون من شوارع جانبية ويهاجمون الثوار، هذه المرة تشير المعلومات الى قيام عضوين سابقين في الحزب المنحل بتمويل هجوم هؤلاء البلطجية، الذين خرجوا من منطقة «سهل حشيش» المعروفة بأنها أحد أوكار الإجرام.
استمرت هذه المعركة أكثر من ثلاث ساعات كان الجيش خلالها يشاهد ويراقب «ثم فجأةً بدأ في إطلاق الأعيرة النارية التي أصابت جنوده بالفزع في مشهد بدا غريباً. بدأ الجنود يهتفون: الله اكبر ، الله اكبر. ونحن معهم نهتف الله اكبر»، حسب رواية عيد.
في نفس التوقيت كانت جماعة الإخوان المسلمين تحتفل بتأسيس حزب «الحرية والعدالة»، وتقدم ضيوف الحفل الذي احتضنه أفخر فنادق القاهرة المطلة على النيل.