دمشق | شهد عدد من الأحياء التابعة لمحافظة دمشق، في مطلع الشهر الخامس للحراك الاحتجاجي في سوريا، ازدياداً في عدد التظاهرات وعنفها من حيث الرغبة في التغيير، في القابون وبرزة البلد والقدم ومن ثم الميدان مثلاً، التي انطلقت منها تظاهرة المثقفين في 17 من الشهر الجاري. ومع ذلك، لم يحتج الأمن في أغلب الأحيان إلى وقت طويل حتى يتمكن من تفريق تلك التظاهرات، حتى إنه اعتاد التعامل معها مثلما تعامل مع الريف القريب كدوما وحرستا، وحتى جوبر التي تبعد عن ساحة العباسيين بضعة كيلومترات، من دون أن يشعر المرء بأن دمشق صارت بـ«خطر»، وأنها بدأت تفلت من القبضة الأمنية.
لكن الأيام الماضية شهدت تطوراً ملحوظاً في مسار الحركة الاحتجاجية؛ في جولة قصيرة بسيارة أجرة في شوارع العاصمة، يلحظ المراقب تغيراً طفيفاً على ملامح المدينة من الناحية الأمنية، بعد أنباء غير مؤكدة عن تظاهرات محدودة في منطقة الأزبكية في شارع بغداد مساء أول من أمس، ثم أحاديث عن إسقاط مظلي فوق جبل الأكراد. إلا أن حقيقة الأمر أنه كان مجرد نزول استعراضي لأربعة مظليين هبطوا بمظلات مرسوم عليها العلم السوري فوق ملعب تشرين الرياضي في منطقة البرامكة، تلاه ظهور واضح لرجال الأمن وقوات الجيش في شوارع دمشق التي عبرتها نحو عشر حافلات وبعض السيارات ممتلئة بعناصر جيش وقوى أمنية بلباسهم الكامل، قيل إنهم يتوجهون نحو مدينة قطنا في ريف دمشق، وذلك أثناء تناقل وسائل الإعلام خبراً عن محاصرة بلدة حرستا في ريف دمشق من عناصر جيش يتبعون للفرقة الرابعة التابعة بدورها للعميد ماهر الأسد. جميعها أنباء تزامنت مع دخول الجيش وتمركزه بكثافة في مدينة حمص إثر الاقتتال الطائفي الذي شهدته.
وفي السياق، يطرح سؤال نفسه عن وضع الأكراد من التظاهرات، وسبب عدم مشاركتهم فعلياً فيها، وهم الذين كانوا أول من حرّك الاحتجاجات في المدينة الجامعية في دمشق سنة 2004، ثم تعرّض عدد كبير منهم للاعتقال. لكن ما حصل يوم جمعة «أسرى الحرية» في دير الزور خالف ما حُكي عن تعهدات كردية للقيادة السورية بعدم التحرك. وإضافة إلى هذه المدن، حرّكت «أسرى الحرية» حزام دمشق الناري كما يودّ أهل منطقة ركن الدين أن يعرفوا عن منطقتهم، لكونها كانت مثالاً للقصص البطولية أيام الثورة السورية الكبرى، على حد تعبيرهم، وعلى اعتبار أنها منطقة تحمل الشيء الكثير من الحساسية، لأنها التجمع الأكبر للأكراد الذين حصلوا على مطلب يُعدّ تتويجاً لمرحلة نضالية طويلة الأمد، عندما صدر مرسوم رئاسي يمنحهم الجنسية السورية، ويعاملهم على أساس أنهم مواطنون سوريون. وقد شهد يوم الجمعة الماضي مواجهات دامية بين بعض المتظاهرين الأكراد، وقوات الأمن، سقط إثرها قتيلان، أحدهما شاب في الثانية والعشرين من عمره، اسمه زردشت، سبق أن أصيب بطلق ناري في «يوم الزحف» إلى الجولان في ذكرى النكبة بالخامس من حزيران الماضي من قوات الاحتلال الإسرائيلية. وجاء الرد سريعاً من عائلة زردشت وأصدقائه الذين توعدوا بأن «يزلزلوا شوارع دمشق وساحاتها والجبال المحيطة بها إذا لم يعد الحق إلى نصابه». و«الحق» من وجهة نظر هؤلاء، يُترجم إما بتسليمهم قاتله إن لم تدفع الدية التي طالبوا بها، أو بتسليمهم جثامين مئة قتيل اسرائيلي تكون بمثابة دية في مقابل دم ابنهم حتى يستطيع هؤلاء أن يسامحوا، وإلا فإن تظاهراتهم ستستمر يومياً. وهنا يكمن الخطر؛ إذ إنه إذا سقط مزيد من القتلى، توعّد هؤلاء مسبقاً بتحويل مسار الأحداث وتخليها عن سلميتها، ليستخدموا ما يملكون من سلاح ضد الدولة. وبالفعل، نزلت تظاهرات ليلية من جبل الأكراد في ركن الدين، إلى حي أسد الدين، وصولاً إلى قلب العاصمة السورية ليتمركزوا في ساحة شمدين، ثم يعاودوا الانسحاب مكررين المشهد مرة ثانية، في إشارة واضحة إلى إمكان إطلاق اعتصام من إحدى الساحات الدمشقية.
وفي وجه آخر لتظاهرات ركن الدين، وُزّعت أكفان أطلق عليها اسم أكفان الشهيد على نحو أربعمئة متظاهر هتفوا للشهيد، وطالبوا بالإصلاح وأحياناً بإسقاط النظام. وقد شارك الممثل والسيناريست محمد أوسو في إحدى التظاهرات التي انطلقت من عزاء أحد شهداء ركن الدين، بينما كان زملاؤه فارس الحلو، محمد آل رشي والمخرج السينمائي الشاب محمد عبد العزيز يشاركون في عزاء مشابه في منطقة القابون. ورداً على ذلك، نشر «الجيش الإلكتروني السوري» على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك»، أرقام هواتف الفنانين السوريين الذين عبروا عن مواقفهم المعارضة علناً، ووصفهم بالـ«عراعرة» نسبة إلى رجل الدين عدنان العرعور الذي يحرض السوريين تحريضاً طائفياً على النظام السوري عبر فضائية «وصال».
هكذا، تزداد مساحة التظاهرات وحدّتها مع اقتراب شهر رمضان الذي ترى «تنسيقيات الثورة السورية» أنه سيكون موعد الفصل، فيما يرفع أهالي ركن الدين شعاراً يقول «في رمضان يكرم المرء أو يهان»، إلى جانب شعارات الوحدة الوطنية ومنع التفرقة بين العرب والأكراد.
وعن جدية أن يكون شهر رمضان موعداً للفصل، وعما يحدث في ركن الدين، يعلّق المعارض السوري ميشال كيلو، في حديث مع «الأخبار» قائلاً: «يبدو أن هناك رغبة شديدة من النظام والأجهزة الأمنية المختلفة، بكسر حدة التظاهرات والاحتجاجات قبل قدوم شهر رمضان الذي يتوقع أن يشهد حراكاً شعبياً احتجاجياً غير مسبوق، وخصوصاً بعدما انتشرت أقاويل في الأوساط المعارضة الشعبية السورية، بأنها تجهز وتهيئ نفسها للقيام بمظاهر احتجاجية غير مسبوقة».
وتوقع كيلو أن يؤدي هذا التصعيد إلى «إنهاك الأجهزة الأمنية، التي يعتريها التعب أساساً بعد بداية الشهر الخامس من الانتفاضة السورية». ويتابع قائلاً إنه «بالقراءة السريعة لممارسات النظام السوري، بعد عقد المعارضة بمختلف أطيافها لقاءات حوارية مختلفة، نجد أن النظام السوري بات منقسماً على نفسه؛ إذ هناك فئة منه تريد التعامل بإيجابية مع النتائج والمقترحات التي قدمتها جميع مؤتمرات المعارضة، في مقابل فئة أخرى لا تزال متمسكة بالحل الأمني». ويشير إلى أنه «بين وجهتي النظر المختلفتين، لا بد من وجود ممارسات قمعية إجرامية مثل تلك التي شهدناها في بعض مناطق دمشق، مثل ركن الدين والقابون وغيرها، والتي أتوقع ألا تهدأ بسرعة، وسنعيش تبعاتها في الأيام المقبلة».
وعن هذا الموضوع، يوجه المعارض السوري رسالة للمواطنين السوريين بالقول: «أرجو من جميع أهالي وسكان المناطق السورية التي كانت ولا تزال تتعرض لإطلاق النار الحي، ولممارسات قمعية غير إنسانية، أن يبقوا متمسكين بسلمية احتجاجاتهم، مهما كانت ردة فعل الطرف المقابل المعروفة سلفاً». وشدد على أهمية عدم إعطاء الأجهزة الأمنية «الحجج والمبررات لتضاعف من قمعها وأجرامها بحق أبناء شعبنا».
أما المعارض الشيوعي السوري، فاتح جاموس، فيعرب في حديثه مع «الأخبار» عن اعتقاده بأن «الدائرة التي يعيشها الحراك الشعبي قد تجاوزت ما يمكن تسميته الخوف أو الرهاب من جهة السلطة، ومنذ فترة طويلة وصلت إلى طرح شعارات بلغت الحد الأقصى، تتجسد بشعار إسقاط النظام، وقد حدث الكثير من الالتباسات على جانب الحراك الشعبي، على رأسها استخدام العنف على نطاقين ضيق وواسع كما حصل في جبل الزاوية، بالتزامن مع الموقف التركي الخاص والخطر». وعن رؤيته لمستقبل الحراك الشعبي، يرى جاموس أنه «إذا أخذنا في الاعتبار أهمية الصراع التاريخي بين النظام السوري من جهة، وحركة الإخوان المسلمين، من جهة ثانية، إضافة إلى مراكمة الحس الطائفي لأسباب كثيرة من الطرفين، أعتقد أن الحراك الشعبي القائم لن يتوقف عند حدود تسمح بتفهم الأزمة ومعالجتها بطرق عقلانية»، وخصوصاً بوجود «أطراف تحاول أخذه إلى مسارات انتقامية أو ثأرية ستستمر في الحراك الشعبي، والنظام بدوره سيسعى إلى توسيع الدائرة القمعية، وخاصة خلال شهر رمضان، وهذا ما يتطلب أيضاً تأجيج الشعور المذهبي»، على حد تعبير جاموس.
أما عن رؤيته لوضع المعارضة السورية بشكلها الكلاسيكي الحالي، فيرجّح المعارض الشيوعي أن تبقى منغلقة على نفسها، «ومعظمها يخضع لرهاب الحراك الشعبي إلى درجة تضع فيها مسؤولياتها جانباً، من دون القدرة على طرحها في قمة الأزمة». لهذه الأسباب، يعبر جاموس عن اعتقاده بأن «يعمل النظام على تعميق الحرب الأهلية بكل أشكالها، أو بين النظام من جهة والحراك الشعبي من جهة أخرى»، راجياً ألا تحصل مثل هذه الصراعات بين الطوائف، مثل تلك التي شهدناها في حمص.
وعن أحداث حمص، أكدت صحيفة «الوطن» الخاصة أن الجيش صادر «أسلحة بكميات كبيرة» وأوقف مسلحين. وأوضحت أن «الجيش دخل فجر الثلاثاء إلى عدة مناطق وخاض معارك عنيفة مع المسلحين استمرت حتى الظهر تقريباً، أصيب خلالها عدد من الجنود وضابط واحد». وكشفت الصحيفة عن «استئناف المبادرة والحوار الذي يقوده وجهاء المدينة ومشايخها لنبذ الفتنة وإعادة اللحمة والطمأنينة إلى هذه المدينة المعروفة بتسامحها ومحبة أهاليها بعضهم لبعض».
وكان رئيس الرابطة السورية لحقوق الإنسان، عبد الكريم الريحاوي، قد أعلن اعتقال السلطات السورية المعارض جورج صبرا، زعيم حزب الشعب الديموقراطي، من منزله في بلدة قطنا قرب دمشق، إضافة إلى المحامي جمال الطحان في حلب. وكان صبرا قد اعتقل قبل ذلك في العاشر من نيسان الماضي لمدة شهر.
وفي إطار الخطوات الحكومية، ألّف مجلس الوزراء السوري لجنة من وزراء العدل والداخلية والإدارة المحلية لإعادة صياغة مشروع القانون الجديد للانتخابات، على أن تعرض نسخته النهائية على الجلسة المقبلة للحكومة الأسبوع المقبل، علماً بأن اللجنة المكلفة إعداد مشروع قانون الانتخابات أنجزته في 30 أيار الماضي في صيغته الأولية.
وكان الموالون للنظام السوري قد نظموا، أمس، مسيرتين في السويداء ودرعا داعمتين «لبرنامج الإصلاح الشامل ورفضاً للتدخل الخارجي بشؤون سوريا»، ورفع في إحداهما «علم الوطن بطول 2300 متر وعرض 18 متراً».



خدام يسعى إلى غطاء فرنسي

ذكرت مصادر مطّلعة في باريس أن النائب السابق للرئيس السوري، عبد الحليم خدام (الصورة)، يسعى الى انتزاع غطاء سياسي فرنسي لتحرك يهدف الى تكرار تجربة المجلس الانتقالي في ليبيا. وقالت المصادر إن خدام تواصل مع وزارة الخارجية الفرنسية بغية مساعدته في عقد لقاءات لمعارضين، بينهم من كان في جبهة الخلاص التي شكلها سابقاً، بالتعاون مع الإخوان المسلمين، وأن يكون مقرها باريس.
وحسب المصادر، فإن خدام طلب دعم الرئيس سعد الحريري لترتيب مواعيد له مع عدد من المسؤولين الفرنسيين، وزيارة قصر الإليزيه بغية الاجتماع مع ساركوزي أو أي مسؤول آخر لعرض فكرته. وذكرت المصادر أن الحريري كلف محاميه باسيل يارد، الذي تربطه علاقة قوية بالمسؤولين الفرنسيين، العمل على هذا الأمر.
لكن المصادر لفتت الى أن سفارة فرنسا في دمشق حذّرت مراراً من التعامل مع خدام على أنه بديل ممكن للرئيس بشار الأسد، مشيرة إلى أنه لا يحظى بشعبية حقيقية حتى في مسقط رأسه، وأن ما عمل عليه سابقاً لأجل انتزاع تأييد ضباط كبار أو مسؤولين في حزب البعث لم يأت بأي نتيجة.

تم تعديل هذا النص عن نسخته الاصلية بتاريخ: 21/07/2011 | 2:31PM