تأخذ محاكمة رموز النظام السابق في مصر بعداً خاصاً؛ إذ من جهة هي المرة الأولى التي يرى فيها المصريون أنفسهم شركاء في المحاكمة، ومن جهة أخرى هي محاكمات لأشخاص لم يكن لأحد أن يحلم في رؤيتهم خلف القضبان، وقد يرون الرئيس الذي خلعوه أيضاً خلفهارأى المصريون، للمرة الأولى أمس، وقائع حيّة لمحاكمة وزير سابق، وزير الإعلام أنس الفقي، الذي طالما اجتهد في تجميل صورة نظام الرئيس المخلوع. ظهر أمس مكفهراً أثناء نقل محاكمته عبر التلفزيون المصري، تفعيلاً لقرار المجلس الأعلى للقضاء بإذاعة محاكمات الرموز السابقة. بدا الفقي مرتبكاً وهو يتلفت يميناً ويساراً أثناء مرافعة دفاعه، ورغم تأجيل القضية، إلا أن السعادة سادت الشارع بعد رؤية الفقي أمس.
من ناحية أخرى، قالت مصادر إن الرئيس المصري المخلوع قد يحاكم الشهر المقبل في منتجع شرم الشيخ، حيث يعالج، لا في القاهرة، في خطوة يمكن أن تثير غضب محتجين يقولون إن الجيش يريد حماية قائده السابق. وجهت إلى مبارك تهم تتصل بقتل مئات المتظاهرين خلال الانتفاضة التي أسقطته، وهو متهم أيضاً باستغلال النفوذ. ووقت إحالة مبارك على المحاكمة، أعلن رئيس محكمة استئناف القاهرة، المستشار السيد عبد العزيز عمر أنه سيحاكم أمام محكمة جنايات شمال القاهرة. ويشعر المحتجون بخيبة أمل تجاه البطء في محاكمته، وهو الذي يلومونه على قتل أكثر من 840 من المتظاهرين، والذي أقام نظاماً وُضعت الثروة والسلطة فيه بأيدي القلة. ويشعر كثير من المصريين بالضيق مما يتردد عن مرض مبارك، ويرونه حيلة من المجلس العسكري لتجنب إذلاله، باعتباره قائداً عسكرياً سابقاً وحائزاً وسام نجمة سيناء لدوره في قيادة القوات الجوية خلال حرب الـ73.
وينتقد المحتجون عدم نقل مبارك إلى سجن طرة في جنوب القاهرة. وقال عضو اللجنة الشعبية لحماية الثورة، إسماعيل جمال (23 عاماً): «هو لم يعد رئيساً، ويجب أن يعامل مثل أي شخص متهم بارتكاب جريمة. نريد محاكمات علنية. نريد أن نرى مبارك في المحكمة». وقال محاميه إنه مصاب بالسرطان، وقال الأحد إنه دخل في غيبوبة كاملة، لكن وسائل الإعلام المملوكة للدولة نفت ذلك نقلاً عن مدير المستشفى ومسؤولين آخرين قالوا إن صحته مستقرة.
ويقول المجلس الأعلى للقوات المسلحة إن محاكمة مبارك والإجراءات القضائية المتعلقة بها يحددها القضاء ووزارة العدل، وإنه ليس مسؤولاً عن أي منها، سواء من حيث الوقت أو المكان.
من جهته، رأى المحلل صفوت الزيات أنه «بالتأكيد هناك أزمة شخصية لدى كبار جنرالات الجيش الذين يقدمون قائدهم الأعلى للمحاكمة. لكن مبارك ليس أي رئيس. لقد ثار الشعب على حكمه، ولا سبيل إلى تجنب محاكمته». من ناحية أخرى، رأى مصدر أمني أن منتجع شرم الشيخ يمكن أن يكون مكاناً أفضل لمحاكمة مبارك من ناحية تجنب المشاكل الأمنية التي قد تثيرها محاكمته في القاهرة. وقال المصدر: «نقل مبارك إلى القاهرة للمحاكمة سيكون صعباً جداً من الناحية العملية، وكابوساً من الناحية الأمنية إن لم يكن خطراً على صحة الرئيس المسن»؛ إذ في بعض الأحيان شهدت محاكمات مسؤولين آخرين احتجاجات، محاكمة حبيب العادلي مثلاً. ورأى محللون أن إذاعة لقطات من محاكمة مبارك على التلفزيون، إذا نقلت، يمكن أن تخفف من غضب الناس. في المقابل، رأى مصدر آخر أنه «سيسمح لوسائل الإعلام بحضور المحاكمة، لكن حضور مبارك يتوقف على حالته الصحية». وسيقف في قفص الاتهام مع مبارك ولداه علاء وجمال، ومن المتوقع أن يكونا حاضرين.
(الأخبار، رويترز)