في سوريا زحمة مؤتمرات، فهل وصلت الانتفاضة إلى نهايتها المنتصرة؟ إذا كان لقاء فندق سميراميس لقاءً تشاورياً بين مثقفين وفنانين وسياسيين معارضين مستقلين جهدوا من أجل بلورة موقفهم من الانتفاضة الشعبية، فأعلنوا دعمها من وسط العاصمة دمشق، ولم يهدفوا إلى أن يتحوّلوا إلى «تكتل سياسي» أو «جهة حوار» (كما اتهمهم بعض المعارضة المريضة)، ولا فكروا في «الركوب على دم الشهداء»، بل قالوا إنهم كـ«نخب» معارضة يمكن أن تسهم في الانتفاضة أيضاً من خلال تقديم تصورات أولية يمكن أن تضيء المرحلة الانتقالية حين الوصول إليها، وهي أفكار مطروحة للذين يخوضون الانتفاضة، وللشباب الذي يعمل على تنظيمها. إذا كان لقاء سميراميس هو كذلك فقد جاء مؤتمر سميراميس الثاني في سياق الإعداد لـ«الحوار الوطني»، الذي كانت تعدّ السلطة السورية لإقامته في العاشر من شهر تموز الجاري. وهو اللقاء التشاوري الذي خلا من وجود المعارضة، مع وجود بعض من أبدى رأياً معارضاً، أو تساوق مع مطالب المعارضة. ورغم تبنّي اللقاء بعض مطالب المعارضة، التي وضعت في «الهواء» من حيث التنفيذ، بما أن السلطة ذاتها هي التي عقدت هذا اللقاء، وهو الأمر الذي جعل الحوار غير مقنع للشارع الذي رفع سقفه إلى حد إسقاط النظام، ولهذا رفض الحوار من أساسه.
لكن كان اللافت هو المؤتمرات التي عُقدت في الخارج، من اسطنبول وأنطاليا وبروكسل إلى اسطنبول مجدداً. فالداخل لم يعقد مؤتمرات، ربما لأن الوضع الأمني السلطوي لا يسمح بذلك (وهذا ما حدث مع محاولة عقد جزء من مؤتمر الإنقاذ الوطني في دمشق)، ولقد أدّت الحوارات بين أطراف المعارضة خلال أكثر من شهرين بعد الانتفاضة إلى تأليف هيئة التنسيق لقوى التغيير الوطني الديموقراطي في تحالف ضم أطرافاً أساسية في المعارضة، وكوّن ثقلاً معارضاً في خضم التشققات التي عاشتها خلال العقود الماضية، والصراعات التي كانت تدل على تغليب «المناكفات» على رؤية الواقع، والعمل على تشكيل تحالف معارض واضح الأهداف. كذلك كانت تشير إلى اختلافات في النظر إلى السلطة، وفي الموقف من تغييرها، وأيضاً في الموقف من «الدعم الخارجي».
ولا شك في أن ضغط الانتفاضة فرض التوافق بين كتلة أوسع من أحزاب المعارضة، وإن كان الموقف من السلطة ظل دون ما ينادي به الشارع، وبدا أن باب الحوار مع السلطة لم يغلق، حيث ظل احتمال إصلاح النظام قائماً.
في المقابل، كان بعض معارضة الداخل «يتماهى» مع الانتفاضة، ويتشدد أكثر من الشارع، رغم دورها المحدود والفردي في الغالب. وأصبحت ترى أن الانتفاضة هي انتفاضتها رغم أنها لم تقتنع يوماً بـ«قدرة الشعب»، ولا بقوته، وفي انه يمكن أن يكون قوة تغيير. وهو الوضع الذي كان يقود إلى مراهنات «خارجية» أضرت بمسار المعارضة، وأوصلتها منهكة، ومثيرة للشكوك، حين انفجرت الانتفاضة. لقد فوجئت بما حدث قبل أن تنقلب إلى اعتبار أنها القوة القائدة. ولهذا رفضت تحقيق التحالف في إطار أوسع من «إعلان دمشق»، معتبرة أنه «الممثل» للمعارضة السورية، وأن من هم خارجه هم أحزاب تتلهف للحوار مع السلطة.
لا يمكن أن نتهم أحداً، لكن الخلافات القائمة هي نتاج تحليلات مختلفة لوضع سوريا قبل الانتفاضة، ولوضع الانتفاضة السورية الآن. وما يبدو هو تصارع على من يقود هذه الانتفاضة، أو من يستفيد منها من أجل تحقيق رؤيته. وهي هنا «وسيلة استخدام» ليس أكثر ربما، سواء كان ذلك واضحاً أو كان في «اللاوعي». وهذا الأمر هو نتاج موقف من «الشعب»، ومن الأوهام التي تحكم بعض النخب بأنها هي الشعب. وأن مطالبها هي مطالب الشعب.
في كل الأحوال هذه خلافات سابقة وراهنة، وربما مستمرة. ولا شك في أن توحيد المعارضة هو أمر ضروري في سياق التساوق مع الانتفاضة. فالسياسة ضرورة لا بد من أن تتوافق مع الصراع في الشارع. ووجود الأحزاب ضرورة لا بد منها. ومن هذا المنطلق كانت الضرورة التي تفرض توحيد المعارضة في الحد الأدنى الممكن في ما بينها. لكن الخطر يكمن في أن يكون الحد الأدنى هذا متوافقاً مع مطالب الشارع، ومعبّراً عنه. فهل ما تحقق في الداخل يفي بالغرض؟
ربما، لكن ما يمكن الإشارة إليه هو أن وضع مجمل الأحزاب والقوى يشير إلى ضعف نتيجة القمع الطويل، لكن أيضاً نتيجة مشكلات الأحزاب ذاتها، التي كان القمع يعمقها. ولهذا باتت تسعى لأن «تلحق» الانتفاضة لا أن تكون في طليعتها. وبات موقفها يقاس بمدى توافقه مع شعارات الشارع بدل أن تصيغ هذه الشعارات. الشارع الذي بدا خارج كل الأطر السياسية، وربما ضدها، أو لا يعرف عنها شيئاً. لكنه قرَّر إسقاط النظام.
هذا هو وضع معارضة الداخل، لكن كان يتوضح أن «معارضة الخارج» تتحرك بسرعة، وتعقد المؤتمرات من أجل تشكيل النظام الجديد، وتشكيل «سلطة بديلة»، سميت في أنطاليا «مجلساً انتقالياً»، وسميت في اسطنبول «حكومة ظل» أو «حكومة منفى». ورغم أن البيانات الختامية لم تتطرق إلى هذه الأفكار، فقد أشارت إلى ميل لدى جزء من المعارضين في الخارج إلى أن يكونوا هم ممثلي الثورة، والمعنيين بترتيب وضع سلطة بديلة تبدأ في التنسيق، وإقامة العلاقات على هذا الأساس.
في أنطاليا كان مطروحاً في برنامج المؤتمر مناقشة تشكيل مجلس وطني انتقالي، والإعداد لكتابة دستور جديد، لكن النقد الشديد الذي رافق المؤتمر جعل المؤتمرين يتخلون عن مناقشة ذلك. وفي بروكسل لم تكن مجالاً للنقاش لأن النقد كان لا يزال طرياً، رغم القول بإمكانية تكليف اللجنة المنبثقة عن المؤتمر من قبل شباب الثورة للتعبير السياسي عنهم. وهنا كان لا بد من «بصمة» داخلية، فجاءت الدعوة إلى مؤتمر الإنقاذ الوطني من الداخل بمشاركة وجوه من الخارج، وعلى أساس أن يعقد في الداخل، في وضع لا يسمح بذلك. وبالتالي كان وجود الداخل هو هذه البصمة ليس أكثر. ولقد طرح في المؤتمر تشكيل مجلس انتقالي وحكومة «ظل» أو منفى، من أجل أن تسحب الشرعية من النظام لكي تُعطى لهذه الحكومة، وبالتالي تصبح هي السلطة الجديدة، لكن لم يجرِ التوافق على ذلك، بعدما تعرّض لنقد شديد من أطراف في المعارضة.
ورغم أنه في كل هذه المؤتمرات كان يدعى طيف من معارضة الخارج، إلا أن المحرّك لها كان جماعة الإخوان المسلمين. وفي المؤتمر الأخير في اسطنبول أشار البيان الختامي إلى مشاركة «شخصيات وفعاليات وطنية وممثلين عن الشباب وتنسيقيات الثورة وفصائل العمل الوطني»، رغم أن جزءاً مهماً من المعارضة في الداخل لم يكن حاضراً، ورغم وجود شباب في المؤتمر إلا أنهم لم يحظوا بتكليف تمثيل داخلي، وبالتالي سيكون ما قاله الدكتور برهان غليون صحيحاً، من حيث إن «من يعقد الاجتماع هو التيار الإسلامي، الكثير من التشكيلات الإسلامية ـــــ الإخوان المسلمون وآخرون أيضاً ـــــ» الذين «يحاولون الالتقاء والانتظام والتموضع في عملية تتغير باستمرار». وهو ما ظهر في سيطرة شباب الإخوان على نشاط اللجان كما أشار بعض الحاضرين.
بمعنى أن الجهد الخارجي المعارض يتمحور حول الإخوان المسلمين الذين يحاولون الحصول على شرعية تمثيل الثورة، من خلال ضم بعض معارضة الخارج وأخذ بصمة الداخل، والتمسك بمطالب صاغها الشارع أو المعارضة في الداخل كما فعلت مع بداية ربيع دمشق حين تبنت المطالب الديموقراطية. لكن الأخطر يتمثل في أنها تعمل على أن تصبح «الممثل الشرعي والوحيد» للشعب السوري (رغم أنها تحاول ألا تظهر بهذا المظهر). فما يبدو واضحاً من كل نشاطها هو أنها تسعى إلى الاعتراف بها قائداً للمعارضة وأنها تمثلها، وبالتالي أن تكون معارضة الخارج هي الفاعل الأساسي باسم المعارضة ككل، ثم الحصول على «اعتراف دولي» بما تشكله.
هذا الدور ينعكس سلباً على الانتفاضة، لأنه يظهر وكأن هناك قوى من الخارج، و«أصولية» تحاول الإسراع لكي تصبح هي السلطة البديلة، رغم أن لها تاريخاً لا بد من أن يفتح للنقاش قبل أن تتقدم للعب دور سياسي، ولأن الداخل والشباب خصوصاً هو من سيقرر صيغة المرحلة الانتقالية وليس معارضة الخارج ولا معارضة الداخل، وأيضاً لأن هذا الدخول يُنجح حجة السلطة التي تربك جزءاً من الشارع الذي لا بد من أن ينخرط في الصراع حول أن بديلها هو الأصولية، رغم أن الطابع العام للانتفاضة يتخالف معها، ولقد عبرت عن ذلك بشعارات واضحة، منها: لا سلفية ولا إخوان، الثورة ثورة شجعان، وغيرها.
بالتالي هذا الدور الخارجي يوحي بأصولية غير مطلوبة، وبـ«دعم خارجي» غير مقبول. فليس الخارج هو من سيصوغ البديل بل الانتفاضة في الداخل. وليس من حاجة لجلب «دعم خارجي» لأن الانتفاضة قادرة على الوصول إلى أهدافها دون أن تتلوث بدور إمبريالي ما زال يدعم السلطة.
والسؤال المطروح الآن هو: هل وصلت الانتفاض إلى مرحلة تفرض السعي إلى تأليف حكومة بديلة أو مجلس انتقالي؟ أم لا يزال الوضع يفرض التفكير في كيفية تطوير الانتفاضة، وتوضيح آفاقها لكي تستطيع أن تكسر قوة السلطة، وتفتح الأفق على التفكير في شكل البديل الممكن؟ باختصار هل نريد وضع ليبيا أم وضع اليمن؟ أو هل وضع سوريا شبيه بوضع ليبيا أم بوضع اليمن؟ ربما ليس هذا ولا ذاك، لكن المهم هنا هو أنه لا يزال هناك متسع للتفكير في شكل البديل، ومتسع من الوقت للحوار بين الشباب أولاً، ومع مختلف أطياف المعارضة لتحديد الشكل الضروري لتحقيق الانتقال إلى الدولة المدنية الديموقراطية. وبالتالي فإن التركيز لا بد من أن ينطلق من دعم الانتفاضة، ومن تطويرها، لأننا لا نزال في طريق لم يصل إلى قمته، ولا توضّح الشكل الممكن لتحقيق التغيير. فالآفاق هنا مفتوحة، لكن ليس منها تشكيل حكومة منفى تتعاون مع الدولة الإمبريالية لتحقيق التغيير. فالتغيير داخلي، وبالتالي كل الصيغ التي تتناول شكل انتقال السلطة لا بد من أن تكون داخلية.
لم يحن الوقت للركض من أجل قطف ثمار الانتفاضة، وأيضاً ليس هناك من يحمل مشروعها، وبالتالي لن يمثلها إلا شبابها. لهذا لا بد من أن تبلور الانتفاضة أدواتها السياسية.



عودة لاجئين من تركيا

تواصل تراجع عدد اللاجئين السوريين الذين فروا إلى تركيا هرباً من الاضطرابات التي تشهدها بلادهم، ووصل أمس إلى 8351 شخصاً. ونقلت وكالة أنباء «الأناضول» التركية عن مديرية إدارة الطوارئ والكوارث التابعة لمكتب رئاسة الوزراء التركي أن 7321 سورياً كانوا قد فروا من سوريا إلى تركيا، عادوا إلى بلادهم لينخفض العدد الإجمالي للاجئين السوريين حالياً في الأراضي التركية إلى 8351 شخصاً.
وذكرت المديرية أن العدد الباقي من اللاجئين لا يزال يعيش في 6 مخيمات مؤقتة أنشأها الهلال الأحمر التركي في بلدتي ألتينوزو ويايلاداغ في إقليم هاتاي بجنوب البلاد. وكان رئيس الحكومة التركي رجب طيب أردوغان قد طالب الرئيس السوري بشار الأسد بوقف العنف في سوريا، ووضع جدول زمني لتنفيذ الإصلاحات التي دعا إلى تطبيقها، فيما دعا الأخير، في خطاب، السوريين الذين لجأوا الى تركيا إلى العودة الى ديارهم.
(يو بي آي)