تونس | عاد الوضع في تونس إلى التوتر، بعد إجهاض الدعوة التي أطلقها عدد من الشبان عبر موقع التواصل الاجتماعي الفايسبوك لتنظيم اعتصام في ساحة الحكومة في القصبة يوم الجمعة الماضي، «القصبة 3»، تيمّناً بالاعتصامين السابقين، اللذين أنهيا عمل حكومة رئيس الوزراء السابق محمد الغنوشي، وتقرّر بعدهما تنظيم انتخاب مجلس تأسيسي يضع دستوراً جديداً للبلاد بعد إلغاء دستور سنة 1959. لم يكتب لتلك الدعوة النجاح بعد تفريق قوات مكافحة الشغب المتظاهرين، حيث تعرّض الداعون إلى الاعتصام، الذين لم يتجاوز عددهم مئتي نفر، للاعتداء الوحشي بالضرب، ما أدى إلى إيقاع إصابات طاولت أيضاً عدداً من الصحافيين الذين كانوا في المكان، مستعملين نفس الأسلوب الذي كانت تتّبعه وزارة الداخلية في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي ضد المحتجين. الاعتداء الذي نقلته بعض مقاطع الفيديو التي نُشرت على الإنترنت، أعاد مشهد المواجهات التي وقعت منذ أسابيع عندما منعت الشرطة تنظيم اعتصام مماثل في نفس المكان، ما استفز جزءاً كبيراً من الأحزاب السياسية التي عبّرت في بيانات أصدرتها يوم السبت، عن رفضها القاطع لأي اعتداء على المتظاهرين أو المعتصمين، وذلك على خلفية أحداث الجمعة في القصبة، وأفضت إلى «الرمي العشوائي للقنابل المسيلة للدموع، والاعتداء بالعنف على صحافيين أثناء أدائهم مهمّاتهم».
يوم السبت شهد مصادمات جديدة اتسعت دائرتها لتصل إلى عدد من الأحياء الشعبية في العاصمة تونس. التظاهرات كانت محدودة المشاركة، تنصلت منها غالبية الحركات السياسية، ولم يشارك فيها الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي يعدّ القوة الأبرز في المشهد العام في تونس، إلا أن تلك التحركات الميدانية أدت في بعض المناطق إلى وقوع أضرار في الممتلكات، حيث تعرض مخفر شرطة في مدينة منزل بورقيبة لعملية حرق. وتحدثت تقارير إعلامية عن إطلاق الشرطة أمس النار في الهواء أثناء تجمع في حي الانطلاقة بالعاصمة تونس أثناء إحراق مجموعة من الغاضبين أحد مخافر الشرطة.
ويطالب المحتجون بإسقاط حكومة الباجي القائد السبسي ومحاسبة رموز الفساد، وفرض استقلالية القضاء. مطالب لم تعد محل إجماع من طرف الشارع التونسي بعد فشل اعتصام «المصير» المتواصل في ساحة حقوق الإنسان في قلب العاصمة، وتطرح التساؤل عن رفض إسناد المحتجين لمعتصمي «المصير» المرابطين منذ أكثر من شهر ونصف شهر. وفي الأثناء، تعيش تونس فلتاناً أمنياً لافتاً، رغم تراجع حدته في الأسابيع الماضية، حيث عرفت بعض المدن جنوب البلاد مواجهات بين المواطنين على خلفية خلافات قبيلية وعشائرية. فمدن المتلوي وقفصة والقصرين وجندوبة كانت بؤر صراعات بين عشائر متناحرة سقط أثناءها العديد من القتلى والجرحى. والشرطة التي سرعان ما تحول دون تنظيم عدد من التظاهرات السياسية، تتعامل بصورة مثيرة للريبة مع المواجهات، ما أدى إلى زيادة التوتّر في العديد من المدن التونسية.
هي انفجارات سياسية واحتقان اجتماعي في ظرف من المهم أن يسعى الجميع فيه إلى توفيرأجواء التهدئة والاستقرار، وخصوصاً أنها تتزامن مع انطلاق بدء عملية التسجيل في القوائم الانتخابية لانتخاب المجلس التأسيسي الذي تؤكد غالبية التوقعات أنه سيجرى في موعده يوم 23 تشرين الأول المقبل، وما تعيشه تونس حالياً قد يجعل من احترام هذا الموعد محل شك وريبة.