حملة أمنيّة في حمص والبوكمال والزبداني

تمدّدت الحملة الأمنية في سوريا إلى مناطق جديدة كالبوكمال شرق البلاد، بالتزامن مع دخول الجيش إلى مناطق سبق أن دخلها كحمص. في هذا الوقت، واصلت واشنطن التخفيف من لهجتها إزاء دمشق، معترفة بمحدودية قدرات الخارج على التأثير في الأوضاع السورية
واصلت الولايات المتحدة، ممثّلة بوزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، في اليومين الماضيين، ما بدا كأنه مسك خيط الموقف إزاء سوريا من منتصفه، تخفيفاً من نبرة الكلام الذي عبرت عنه كلينتون قبل أيام صراحة عن عدم تمسك إدارتها ببقاء النظام السوري.

بموازاة ذلك، تحدثت أنباء عن ارتفاع حدة التوتر الأمني، بعد مقتل 40 شخصاً في تظاهرات يوم الجمعة، بحسب «المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان في سوريا»، وسط تقارير إعلامية عن حملات أمنية واسعة النطاق للجيش السوري، تُرجمت باقتحام مدن البوكمال في محافظة دير الزور المحاذية للحدود العراقية، وحمص ومناطق الزبداني وقطنة في ضواحي دمشق. كما وردت أنباء عن اندلاع بعض المعارك بين معارضين مسلحين والقوى الأمنية، وخصوصاً في حمص. ونقلت فضائية «العربية» عن ناشطين سوريين قولهم إن قوات الجيش قامت «بعمليات إنزال للجيش عن طريق مروحيات عسكرية في بلدة البوكمال».
تجدر الإشارة إلى أن صحيفة «الوطن» السورية الخاصة والمقربة من النظام، كانت قد كشفت في عددها أمس، أن الجيش يستعد لاقتحام هذه المدينة «التي تشهد وضعاً متفجراً بسبب قيام مجموعات إرهابية مسلحة بإشعال الاضطرابات في هذه المنطقة على الحدود مع العراق» على حد تعبيرها.
وتحدثت وكالة الأنباء السورية الرسمية «سانا» عن مقتل 3 عناصر من القوات الأمنية يوم السبت، وخطف اثنين آخرين «بعد مهاجمة المجموعات المسلحة لمبنى قيادة منطقة البوكمال واستيلائها على الأسلحة فيه، بينما انتشر بعض المسلحين على أسطح الأبنية وأحرقوا مخفر الشرطة في المدينة ودائرة النفوس ومنزل مدير المنطقة والمحكمة». إلا أن شهوداً من المدينة أكدوا مقتل 4 مواطنين مدنيين في المدينة، وجرح سبعة آخرين بجروح جراء مواجهات بين متظاهرين وقوات الأمن يوم السبت.
وبعيداً عن محافظة دير الزور، وردت أنباء عن حملة أمنية أخرى تجرى في محافظة حمص، حيث سُجلت اشتباكات بين القوى الأمنية ومسلحين، وذلك غداة اغتيال وسيط من أهالي المدينة هو عبد القادر طلاس، كان يعمل على التهدئة بين السلطات والمحتجين فيها يوم السبت في مدينة الرستن.
كذلك الحال في محافظة إدلب، إذ أفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، بأنّ عشرات الحافلات المحملة بعناصر الأمن دخلت صباح السبت بلدة كفرنبل في جبل الزاوية بمحافظة إدلب، حيث سُمع بنتيجة ذلك إطلاق نار كثيف في البلدة، كما جرت اعتقالات في قرى جبل الزاوية بالمحافظة، وسط معلومات صحافية عن حملة اعتقالات موازية في مدينة الزبداني القريبة من لبنان.
أما في حماه، فقد أكدت «الوطن» أن الوضع عاد إلى طبيعته فيها، إذ «أثمرت الجهود المكثفة والحثيثة التي بذلها المحافظ الجديد أنس عبد الرزاق الناعم مع مشايخ المدينة يوم الخميس الماضي، لإنهاء حالة العصيان المدني التي دامت 13 يوماً».
وكانت بعض المدن السورية قد شهدت في اليومين الماضيين مراسم تشييع لقتلى يوم الجمعة، فتحولت هذه المراسم إلى مناسبات لتجدُّد التظاهرات المعارضة للنظام، وهو ما حصل، بحسب موقع «سيريا نيوز»، في محافظات إدلب واللاذقية وأحياء الزهراء والنزهة وعكرمة في حمص التي «شهدت أعمال شغب واعتداء على الأملاك الخاصة على خلفية خبر مقتل ثلاثة شبان (مؤيدين للنظام بحسب وكالة فرانس برس) بعد تعذيبهم».
وفي خطوة مفاجئة، أعاد الأمن السوري اعتقال الكاتب المعارض علي العبد الله (61 عاماً) أمس في منزله بمنطقة قطنة القريبة من دمشق، من ضمن موجة اعتقالات، على حد تعبير نجله محمد العبد الله و«الرابطة السورية لحقوق الإنسان». وقال محمد العبد الله إن «عشرة جنود اقتحموا منزل والدي عند التاسعة من صباح يوم الأحد واقتادوه، رغم أنه سبق له أن أجرى عملية جراحية في قلبه منذ أقل من ثلاثة أسابيع»، علماً بأنه أفرج عنه في أيار الماضي بعفو رئاسي، بعدما أمضى 4 سنوات في السجن بسبب عضويته في «إعلان دمشق».
أما على صعيد مساعي النظام للتهدئة، فقد أشارت وزارة الداخلية إلى أن بإمكان المسجلين في سجلات أجانب الحسكة من المقيمين خارج سوريا تقديم طلباتهم والثبوتيات المطلوبة لمنحهم الجنسية في أي وقت لدى عودتهم إلى سوريا، لافتة إلى أن عدد طلبات الجنسية تجاوز 38 ألفاً. وفي السياق، عقدت حكومة عادل سفر جلسة لمناقشة مشروع قانون الإدارة المحلية الجديد، وهو من بين «القوانين الإصلاحية» لتعزيز مبدأ اللامركزية والتوسع في نقل الصلاحيات إلى السلطات
المحلية.
أما سياسياً، فقد رأت كلينتون، قبل أن تغادر إسطنبول أول من أمس، أنه لا يمكن التأثير على الوضع في سوريا من الخارج، معترفة بأنه «لا أحد منا لديه تأثير حقيقي باستثناء أن نقول ما نعتقده ونشجع على التغيير الذي نأمله». وقالت لقناة «سي أن أن تورك» التركية إن «ما يجري في سوريا غير واضح المعالم ومثير للحيرة لأن الكثيرين منا كان يحدوهم الأمل بأن ينجز الرئيس (بشار) الأسد الإصلاحات الضرورية». وأشارت إلى أن «جهود المعارضة للتجمع والتنظيم وتحديد برنامج تمثّل جزءاً مهماً من الإصلاح السياسي في سوريا»، واصفة مؤتمرات المعارضات السورية بأنه «أمر مشجّع»، معربة عن أملها بـ«تعاون سلمي مع الحكومة من أجل مستقبل أفضل».
وفي السياق، أفردت كلينتون جزءاً من مؤتمرها الصحافي الذي عقدته مع نظيرها التركي أحمد داوود أوغلو للتطورات السورية، فحثّت الحكومة السورية على الحوار مع المعارضة، مشيرة إلى أن «مستقبل سوريا بات في يد الشعب السوري الآن، إلا أن جهود المعارضة للاجتماع والتنظيم ووضع أجندة أمور مهمة في الإصلاح السياسي».
أما داوود أوغلو، فقد ذكّر بدوره بأن الأسد «وعد في أحدث كلمة له بإجراء إصلاحات، لذا فإنه في إطار هذه الإصلاحات من الطبيعي أن تكون في سوريا معارضة. نأمل أن نرى المعارضة وجماعات مختلفة يمكنها عقد اجتماع في سوريا في ظل وجود عملية انتقالية، ونأمل أن نرى قوة سوريا تتزايد في نهاية هذه العملية. كل ما نريده هو أن نرى سوريا أقوى وأكثر استقراراً».

(الأخبار، أ ف ب، رويترز، يو بي آي)