ظل المشهد الدولي، أمس، منقسماً بين محور بكين ــ موسكو المؤيد للنظام السوري، والرافض لإحالة ملفه إلى مجلس الأمن الدولي، من جهة، و«الحلفاء» الغربيين المصرّين على إدانة دمشق من جهة أخرى. وفي الوقت نفسه تواصلت التظاهرات في اكثر من منطقة، وتصدى لها النظام بالقوة، حيث سُجِّل في الساعات الـ 48 الأخيرة عودة لوتيرة العنف، مع تأكيد مصادر المعارضة السورية سقوط 8 قتلى من صفوف المتظاهرين في محافظتي دير الزور وإدلب. وقال الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، إنه يريد فرض المزيد من العقوبات على الحكومة السورية لأن «سلوك الرئيس السوري غير مقبول، ويجب أن نشدد العقوبات على نظامه الذي يستخدم أكثر الأساليب وحشية ضد شعبه».
وفي السياق، توقعت المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة سوزان رايس أن تحول الانقسامات داخل مجلس الأمن دون التوصل إلى اتفاق حول «الأنشطة النووية السرية» المزعومة لسوريا، وذلك في تعليقها على الجلسة التي عقدها المجلس مساء أمس، بعدما أحالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية ملف سوريا إلى نيويورك على خلفية تحقيق تجريه الوكالة حول مجمع دير الزور الذي قصفته إسرائيل في أيلول 2007.
وقالت رايس «أعتقد أنه كما كان واضحاً في التصويت في فيينا، هناك أعضاء بعينهم في المجلس، بما في ذلك بعض الأعضاء الذين يتمتعون بحق النقض (روسيا والصين) ولم يساندوا إحالة سوريا الى مجلس الأمن، ومن غير المرجح أن يكون لديهم استعداد لتأييد ما سيتمخض عنه المجلس هذه المرة»، في ظل ترجيح معظم الدبلوماسيين بألا تواجه دمشق عقوبات من الأمم المتحدة بشأن هذه المسألة، وخصوصاً أن موقف موسكو الذي عبر عنه المندوب الروسي لدى الدولية للطاقة الذرية غريغوري بردينيكوف لا يزال على حاله من أن موقع دير الزور «لا يمثل تهديداً لأنه تم تدميره».
بدوره، أعرب المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الصينية هونغ لي، عن أمله بأن «يساهم مجلس الأمن الدولي بدفع الأطراف إلى حل خلافاتهم من خلال الحوار فيما بينهم». ونقلت وكالة أنباء الصين الجديدة «شينخوا» عن هونغ قوله، خلال مؤتمر صحافي، رداً على سؤال عن الاجتماع التشاوري الذي عقد في سوريا قبل إجراء مؤتمر حوار وطني موسع، إن الصين «ترحب بسعي كل الأطراف في سوريا لمعالجة الإختلافات عبر الحوار والمشاورات». وحث كل الأطراف السورية على «تفادي إراقة الدماء وضمان الإستقرار والنظام الإجتماعي الطبيعي». وعلّق هونغ على قيام بعض المواطنين السوريين بدخول السفارتين الفرنسية والأميركية في دمشق بالاعراب عن قلق بكين إزاء الوضع في سوريا، آملاً «باستعادة النظام الاجتماعي والإستقرار بأسرع وقت». وتابع أن «الصين تعتقد أيضاً أنه لا بد من أن ينطلق مجلس الأمن بتحديد خطواته تجاه سوريا من مدى مساهمتها بانفراج الوضع هناك»، مشيراً إلى ضرورة أن «يدفع مجلس الأمن الأطراف المعنية إلى حل الخلافات عبر الحوار والحفاظ على السلام والاستقرار في الشرق الأوسط».
بدوره، جدد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف رفض دعوة فرنسا لاستصدار قرار في مجلس الأمن الدولي يدين النظام السوري، على قاعدة أن هدف موسكو هو «حل المشاكل، لكن إدانة بعض الأشخاص من دون تقديم الحل لا يؤدي بنا إلى أي مكان».
ميدانياً، أكّد ناشطون سوريون إن القوات السورية قتلت 8 أشخاص في اليومين الماضيين، اثنان منهم في دير الزور أمس، والآخرون في أربع قرى بمنطقة جبل الزاوية في محافظة إدلب.
وفي إطار مساندة مساعي الرئيس السوري للاصلاح، ينظم «نادي الجالية السورية في بريطانيا»، في السابع عشر من الشهر الجاري، رحلة جوية إلى دمشق تحت شعار «رحلة تضامن مع الوطن» للتعبير عن «دعم مسيرة الإصلاح في سوريا». وكشف المتحدث باسم نادي الجالية السورية محمد القريشي أن «نحو 100 مغترب سوري يحملون الجنسية البريطانية، من بينهم أكاديميون وأطباء ورجال أعمال، سيشاركون بالرحلة تأييداً لمسيرة الإصلاح ودعماً للإقتصاد السوري». ولفت إلى أن رحلة التضامن «تهدف إلى الإحتجاج على قرار بريطانيا استدعاء مواطنيها المقيمين في سوريا ودعوة البريطانيين إلى تجنب السفر إلى هناك، ونعتبر هذا القرار محاولة لضرب الإقتصاد السوري».
وأوضح القريشي أن المغتربين السوريين المشاركين برحلة التضامن «سيزورون جرحى الجيش وقوات الأمن في مشافي دمشق، ويضعون إكليلاً من الزهور على ضريح الجندي المجهول، ويتبرعون بالدم، ويقدمون تبرعات رمزية لعوائل شهداء الجيش والأمن الذين سقطوا على أيدي العصابات المسلحة في الأحداث الأخيرة، ويستثمرون أموالاً بالجنيه الإسترليني بمشاريع تنموية لدعم الليرة السورية». وبحسب القريشي، فإن نادي الجالية السورية «تم إنشاؤه منذ بداية الأحداث المؤسفة في سوريا منتصف آذار الماضي، ايماناً من أعضائه، الذين وصل عددهم الآن إلى 500 شخص، بأن سوريا تتعرض إلى مؤامرة تستهدف أمنها واستقرارها ووحدتها الوطنية، ونظّم فعاليات كثيرة دعماً لبرامج الإصلاح التي يقودها الرئيس بشار الأسد».
في هذا الوقت، تستمر فعاليات الدورة 58 لمعرض دمشق الدولي بعنوان «تحية حب إلى سوريا»، وذلك على أرض مدينة المعارض بدمشق، حيث يشارك في فعاليات المعرض 22 دولة عربية وأجنبية و3492 عارضاً، ويستمر لغاية 22 من الشهر الجاري. ونقلت وكالة الأنباء الرسمية «سانا» عن وزير الاقتصاد والتجارة، محمد نضال الشعار، قوله، في كلمة الافتتاح، إن «الدورة 58 للمعرض تنعقد في ظروف استثنائية تمر بها سوريا»، مشيراً إلى أن «هذه الدورة تنطلق في موعدها المقرر لتؤكد متانة الاقتصاد السوري وتصميمه على متابعة الخطوات الهامة التي تم إنجازها في مجال الإصلاح الاقتصادي الشامل».
(الأخبار، أ ف ب، أ ب، رويترز، يو بي آي)