أصدرت الإدارة الأميركية في الساعات الماضية بوادر، هي خليط من التصعيد والتهدئة في آن تجاه النظام السوري، في مواصلة لمسلسل جولة السفير الأميركي في مدينة حماه يوم الجمعة الماضي، وما تلاها من مهاجمة بعض المواطنين السوريين مقر السفارة الأميركية في دمشق. تولّى الرئيس باراك أوباما زمام الموقف، مع كلام هو الأول من نوعه للأمين العام الجديد للجامعة العربية نبيل العربي، تضامناً مع نظام الرئيس بشار الأسد، مرفق مع ترحيب روسي لانطلاق الحوار الوطني السوري، وتسجيل تفجير لخط أنابيب نفطية شرق البلاد، تضاربت الأنباء حوله.
وحذّر أوباما من أن الأسد «فوّت سلسلة من الفرص للإصلاح»، مندداً بـ«الهجوم» على سفارة بلاده في دمشق يوم الاثنين. وأوضح أنّ واشنطن «أوصلت رسالة واضحة بأنه لا يسمح لأحد بالتعدي على سفارتنا وسنتخذ ما يلزم من الخطوات من أجل حمايتها». وسئل أوباما لماذا لم يذهب إلى أبعد من ذلك ويطالب الأسد بالتنحي عن الحكم، فأجاب «هناك حقاً توافق متزايد بين الشعب السوري على أنه يجب أن يحدث هذا التحول، وأن الرئيس الأسد لن يقود هذا التحول، والشعب السوري سيكون ويجب أن يكون قادراً على تقرير مستقبله بنفسه».
وقال أوباما، في حديث إلى شبكة «سي بي أس»: «أعتقد أن الرئيس الأسد يفقد شرعيته على نحو متزايد في نظر شعبه»، كاشفاً عن أن واشنطن أوصلت رسالة واضحة مفادها أن «ما رأيناه من قبل النظام السوري كان درجة غير مقبولة من القمع العنيف الموجه ضد شعبه». وفيما ندّد أوباما بسماح سوريا «بمهاجمة السفارة الأميركية»، عادت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند لتخفف من لهجتها حول حادثة السفارة، مشيرة إلى أن «الأمور تتحسن على ذلك الصعيد، نعتقد أن هناك انتباهاً أكبر الآن لأمننا». واعترفت بأن السفير في دمشق روبرت فورد التقى نائب وزير الخارجية السوري، «وهناك نبرة تدل على تعاون أكبر» من قبل السوريين، مطمئنة إلى أنه «بالنسبة الى عمليات السفارة، نواصل العمل على نحو ثنائي مع السوريين». غير أن المسؤولة الأميركية عادت لتلوّح بعصا العقوبات عندما جزمت بأن إدارتها «ستستمر في البحث مع حلفائها بشأن الخطوات الأخرى المحتملة لمعاقبة سوريا، ومنها عقوبات جديدة على قطاعاتها للنفط والغاز واحتمال الإحالة إلى المحكمة الجنائية الدولية بسبب الحملة على الاحتجاجات».
في هذا الوقت، انضم الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إلى جوقة المنددين بـ«الهجمات» على السفارتين الأميركية والفرنسية في العاصمة السورية. من جهتها، جدّدت موسكو رفضها أي تدخل دولي في الوضع في سوريا، مؤكدة أنها ترى بوادر حل في لقاء التشاور حول الحوار الوطني الذي عقد مطلع الأسبوع في دمشق. وقالت وزارة الخارجية الروسية، في بيان، «نرحب في موسكو ببداية حوار وطني فعلاً في سوريا، ونرى أنّ هذا الحوار الذي يجب أن يكون موسّعاً إلى أقصى حد يمثّل خطوة هامة في إطار تنفيذ الإصلاحات الديموقراطية التي أعلنتها قيادة البلاد». إلا أنّ وزير الخارجية الإيطالي فرانكو فراتيني ندد بـ«إصرار الرئيس السوري على مواصلة القمع بدل الإصلاح في بلاده»، معرباً عن تخوفه من أن الأزمة السورية «قد تؤثر مستقبلاً على استقرار لبنان»، وذلك في كلمة له أمام لجنتي الدفاع والخارجية بمجلس النواب الإيطالي.
في غضون ذلك، كان الأمين العام الجديد للجامعة العربية، نبيل العربي، الذي ناقش مع الرئيس السوري «الأحداث في سوريا»، يعرب عن تضامنه مع الرئيس الأسد ضد التدخل الأجنبي في الشؤون السورية، لافتاً إلى أنه «لا يحق لأحد سحب الشرعية من زعيم»، في ردّ على إعلان واشنطن أن الأسد «فقد شرعيته». وأكد العربي أنّ «الجامعة العربية ترفض أي تدخل في الشؤون الداخلية للبلدان العربية، ولا يحق لأحد سحب الشرعية من زعيم لأن الشعب هو الذي يقرر ذلك».
بدوره، كان لوزير الخارجية السوري وليد المعلم موقف طمأن فيه إلى أن «سوريا مستمرة في تطبيق الإصلاحات»، ملوحاً بإمكان تطبيق «مبدأ المعاملة بالمثل» على السفراء الذين يخرقون اتفاق فيينا للعلاقات الدبلوماسية، في إشارة إلى سلوك السفيرين الأميركي والفرنسي. وعن تمكُّن عدد من المواطنين من اختراق حواجز مقر السفارتين الأميركية والفرنسية في دمشق، أوضح المعلم أنه «يجب عدم تجاوز المتظاهرين حدود السفارتين، ومن قام بهذا التصرف أخطأ، وكان يجب ألا يتجاوز حدود السفارتين، وألا يحتجّ على قيام السفيرين بزيارة مدينة حماه». وطمأن إلى أن «الدولة السورية مسؤولة عن حماية أمن السفارات والدبلوماسيين، ونحن نتحمل هذه المسؤولية الكاملة».
وفي إسطنبول، اختتم «مؤتمر رابطة العلماء المسلمين لنصرة ودعم الشعب السوري» اجتماعه ببيان ختامي صوّب سهامه نحو إيران وحزب الله في سياق معارضته للنظام السوري. وأكّد البيان، الذي قرأه الشيخ أحمد عبد العال، أن «نصرة الشعب السوري وثورته السلمية واجب شرعي»، مشدداً على «احترام جميع حقوق الطوائف والإثنيات في سوريا» في ما سمّوه «سوريا الحديثة». وفي السياق، أكد النص المكتوب «رفض الاستعانة بالخارج تحت أي ذريعة، حفاظاً على وطنية الثورة ونظافتها».
في هذا الوقت، وقع انفجار مساء الثلاثاء في أنبوب للغاز في محافظة دير الزور شرق سوريا. واختلفت التقارير عن الانفجار بين من رأى أنه نجم عن «حادث فنّي»، بحسب موقع «سيريا نيوز» ووكالة «سانا»، ومن وضعه في خانة «العمل التخريبي» بحسب مصادر وكالة «يو بي آي». وصرح مسؤول في وزارة النفط لـ«سانا» قائلاً «اندلع حريق في خط نقل النفط الواصل بين حقل العمر ومحطة التيم التابعين لشركة الفرات للنفط في محافظة دير الزور في موقع مكشوف من الخط خاضع للصيانة» بسبب «اشتعال الأعشاب اليابسة القريبة من الأنبوب، ما أدى إلى انتشار الحريق على مساحة واسعة وقد تمت السيطرة عليه وإخماده».
(سانا، الأخبار،
أ ف ب، رويترز، يو بي آي)