الأخبار تتلاحق من القاهرة: بيان من المجلس العسكري يطالب بإخلاء ميدان التحرير، وائتلاف الثورة يختار محمد البرادعي رئيساً لحكومة انتقالية، والمفاوضات لا تتوقف مع المجلس، وشائعات عن اعلان حظر التجوال، وهتافات الميدان تدوي: «الشعب خط احمر... يسقط يسقط حكم العسكر». الأخبار لم تتوقف، وتتالت من نفي لخبر حظر التجوال إلى إعلان قبول استقالة نائب رئيس الحكومة يحيى الجمل. ولا شيء واضحاً، الا أن هذه بداية موجة ثانية من ثورة النيل. الجسم الكبير في ميدان التحرير يتخلص من شحوم كثيرة، ويدخل مصارعة حرة مع قوى، لا احد يعرف ملامحها، وإن كان من الاحتمالات الكبرى أن يكون على رأسها الجيش.
I

رصاصة الرحمة أطلقها الدكتور عصام شرف على نفسه وعلى حكومته، حين خرج مذعوراً وهو يقرأ من شاشة ثابتة كلاماً لا يساوي ثمن الوقت الذي استغرقته الكلمة في التسجيل التلفزيوني. لم يقل شيئاً وتحدث عن تعليمات لم ينفذها احد من الوزراء، وسخروا منها، فيما بدا أنه إعلان الموت السريري، لم يقل صراحة.
بيان شرف كان أول رد فعل على «جمعة الإصرار»، ولم يفعل سوى التذكير بخطبة مبارك الاولى، والتأكيد أن عقليته في ادارة البلاد لا تزال حاكمة ومسيطرة.
الرد الأول… مسكنات، وكريمات ترطيب على الجروح وفق خيال بأن الشعب لا يزال يعيش عصر الترويض الناعم، وسيفرح ويصفق للوعود والتعليمات التي قالها رئيس الحكومة وهو محشور في كادر تصوير يعكس بالضبط حالة الرجل الذي كان رجلاً عادياً عبر الميدان قبل ازاحة حسني مبارك، وعاد اليه محمولاً على اعناق جماهير لم تحمل احداً منذ عبد الناصر تقريباً.
فشلت المسكنات، ولم يعد سوى الحل العنيف، فخرج اللواء الفنجري وفي لهجة ذكرت هذه المرة ببيانات الجيش في حرب القنال 1956، وبكل عصبيتها، قال بيان المجلس العسكري امس إن المواجهة مع الثورة اقتربت جداً.

II

الفنجري هو الاكبر شعبية من بين المجلس العسكري. هل تعرفون المجلس؟ سأل الصحافي سائق التاكسي، ولم يرد. «انهم قادة الجيوش»، ضحك الصحافي. «ولا بد ان يكونوا سريين»، اكد السائق وأكمل الحوار عن غموض المجلس الذي يحكم مصر ولا يعرفه أحد. يحمّله البعض خطايا ويقدّسه بعض آخر من دون ادنى معرفه بمن يجلسون خلف منصة «المجلس». المجلس لا يعرف السياسة… يعرف الحكم على طريقة «الترويض»، وهذا على ما يبدو سر الخلل الذي عاشته مصر بعد إجبار مبارك على الرحيل عن مقعده الذي احبه والتصق به ومن اجله كاد ان يضحي بالبلد كله. المجلس يريد السيطرة، وهذا نوع من ادارة تصلح للثكن العسكرية، لكنها تفشل في دولة متعددة، انتصر ثوارها على الديكتاتور وأجبروه على انهاء احلامه وأحلام عائلته بالخلود في السلطة شيء آخر، هل هذا سبب انفلات اعصاب المجلس الذي ظهرت ملامحه بكل وضوحها على اللواء الفنجري وهو يلقي بيان أمس؟
اللواء الفنجري له شعبية منذ أن توقف عن إلقاء بيان تسلم الجيش للسلطة ليلقي التحية للشهداء الذين قتلهم نظام مبارك تحت مسمى أنهم «قلة مندسة» و«عناصر مشاغبة». المجلس يفعل ما كان يفعله مبارك بالمسطرة. يقسم مصر الى شرفاء وغير شرفاء بمعايير الطاعة للأوامر. لا يعرف الجيش أن الخلاف في الرأي عادي في الدول الديموقراطية الحديثة، وليس لهذا علاقة بالشرف او حب مصر. من أعطى الحق للمجلس بتصنيف مصر على مقاييس الاوامر الميري؟ ولماذا يحب المجلس الثوار فقط عندما يتحولون الى شهداء او يجلسون على طاولة مفاوضات تحت رعايته ليسمعوا الكلام؟ اللواء الفنجري كان عصبياً وهو يلقي بيان المجلس، واستخدم فيه نفس طريقته في توجيه الاوامر لكتيبته في الجيش، متناسياً المسافة بين المزاج المدني والطبيعة العسكرية، ومعتمداً على شعبيته، تخيل انه في معركة.
معركة ضد من؟

III

البيان منعطف جديد في علاقة الثورة والجيش. الجيش مولود في رحم دولة قمعية، وعقيدته مبنية على قهر الشخص لصالح الهدف الكبير.
الثورة ارادت ان يفتح الجيش كل صناديق النظام المغلقة، وينقّب عن الجزء المدفون من التمساح لحرقه، هكذا في ١٥٠ يوماً فقط أردات الثورة معجزة التحول في الجيش من مؤسسة تمثل قلب النظام، الى كيان ثوري يهدم ويبني وفق هندسة «العيال بتوع التحرير».
الجيش اختبر قوة «الميدان» وحاول استيعابها، وفق تركيبة محافظة، لا تتخلى بسهولة عن الوصاية الابوية على الدولة والشعب. وصاية لا تبغي الحكم المباشر كما يتوقع المتشائمون، ولا تسعى الى تثوير الدولة كما يتمنى عشاق «الكاكي» ونواته الصلبة.
الجيش يريد أداء دور تاريخي، ليبقى في مكانته، ويحافظ على مصالح المؤسسة، وفي الوقت نفسه يريد السيطرة، وهنا تظهر شراسته، شراسة ليست خبيرة في التعامل مع المزاج المدني، ولا محترفة في قمع الخروج عن التعليمات. الجيش اختار العودة الى طريقة مبارك في الحصار النفسي على الثوار ليبدو وكأنهم قلة في مواجهة الغالبية، ويهددهم ويرعبهم ويدير صفقات. استعان الجيش بالطهاة غير المتفرغين في نظام مبارك مثل الدكتور يحيى الجمل، وهم من اشاروا عليه بالخطوات التي تورطه كلما حاول الخروج من مأزق. الجيش لا يريد الاعتراف بالفشل، وعلى العكس يريد من الثورة أن ترى ما فعله نجاحاً وانتصاراً.
يعتمد الجيش على رديف الكومبارس في عصر مبارك، فتصبح مهمته صياغة تعديلات على الاعلان الدستوري لشخص أدى دور حجز اماكن في عصر مبارك بإعلانه عن حزب كارتوني وحديثه دائماً باسم المعارضة، والوقوف امام الشاشات ليغنّي مدائح مبارك وأشبال نظامه.
لماذا لا يعترف المجلس بأنه لا يعرف مصر؟ لماذا لا يعترف المجلس بالأخطاء بدلاً من التكشير عن الأنياب و«الشخط والنطر» في وجه ثورة ابتسمت وهي يقتلها الرئيس وأرواح راهنت على المستقبل ودفعت من اجله الدم الغالي؟
هناك فارق سرعات بين الثورة والجيش... وهذا ما يجعل التصادم ممكناً وفي أي لحظة.



أحكام ضد مسؤولين

أعلن مصدر قضائي، أمس، ان محكمة جنايات القاهرة اصدرت حكماً بالسجن على رئيس الوزراء السابق ووزيري الداخلية والمال السابقين بتهمة «توريد لوحات معدنية لسيارات» بنحو غير قانوني. وقال المصدر ان المحكمة اصدرت حكما غيابياً بالسجن عشر سنوات بحق وزير المال السابق يوسف بطرس غالي، وبالسجن المشدد لمدة 5 سنوات لحبيب العادلي (الصورة) الذي شغل منصب وزير الداخلية في نظام حسني مبارك، اضافة الى الحكم بالسجن لمدة عام مع ايقاف التنفيذ بحق احمد نظيف رئيس الوزراء في النظام السابق.
وبحسب مصدر قضائي فإن نظيف والعادلي وغالي متهمون بإسناد صفقة توريد لوحات معدنية للسيارات الى شركة المانية بالأمر المباشر من دون اجراء مناقصة وبأسعار مغالى فيها، ما ادى الى هدر 92 مليون جنيه (نحو 15,5 مليون دولار) من المال العام. وأكد المصدر أن رجل اعمال المانياً، وهو صاحب الشركة التي قامت بتوريد اللوحات المعدنية، احيل للمحاكمة غيابياً كذلك لتورطه مع الوزراء الثلاثة في هذه الصفقة. يذكر أن وزارة الداخلية المصرية قررت في عام 2010 تغيير كل اللوحات المعدنية القديمة للسيارات بلوحات جديدة تم استيرادها من المانيا.
(أ ف ب)