بعد ثلاثة أيام من انطلاقته، نجح المشاركون في اللقاء التشاوري الذي عقدته السلطات السورية وقاطعته معظم قيادات المعارضة في التوافق حول بيان ختامي، تم خلاله تبنّي مجموعة من التوصيات، بينها أن الحوار هو الطريق الوحيد الذي يوصل البلاد الى إنهاء الأزمة، بالاضافة إلى إنشاء لجنة قانونية سياسية لمراجعة الدستور السوري بمواده كلها، وتقديم المقترحات الكفيلة بصياغة دستور عصري وجديد.
وأوضح البيان، الذي صدر عن اللقاء في ختام أعماله التي مددت إلى أمس بعد خلافات بين المشاركين، أنه ناقش طبيعة المرحلة الدقيقة التي تمر بها البلاد والمعالجات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المطلوبة مع استشراف الآفاق المستقبلية والاهتمام بالقضايا المعيشية للمواطنين.
وأضاف أن اللقاء تدارس مواد الدستور، وعكس النقاش وجهات نظر مختلفة صحية ووطنية بما في ذلك مسألة المادة الثامنة من الدستور، ووجد أن تعديلها يستدعي حتماً تعديل العديد من مواد الدستور فضلاً عن مقدمته. و«لذا أوصى بإنشاء لجنة قانونية سياسية لمراجعة الدستور بمواده كلها وتقديم المقترحات الكفيلة بصياغة دستور عصري وجديد للبلاد يضمن التعددية السياسية والعدالة الاجتماعية وسيادة القانون والحقوق الأساسية للإنسان ويمكّن المرأة ويرعى دورها ويصون حقوق الطفل ويحدد حقوق وواجبات المواطنين على قدم المساواة بين الجميع».
وأوضح البيان أن اللقاء التشاوري مهّد لانعقاد مؤتمر الحوار الوطني، مشدداً على إبقاء الاتصالات مع الأطراف والشخصيات الاجتماعية والقوى السياسية السورية في داخل الوطن وخارجه للإعداد المشترك لمؤتمر الحوار الوطني الذي سيعقد فور إكمال هذه الاتصالات وبالسرعة الكلية، مؤكداً أن هذا اللقاء لا يحل مكان مؤتمر الحوار الوطني الشامل، وموضحاً أن كل ما طرح وقدم شفاهة أو كتابة هو وثائق وتوجهات عامة ترفع إلى مؤتمر الحوار الوطني.
وبعدما أكد البيان أن المجتمعين استمعوا إلى وجهات النظر المختلفة والمتنوعة والثرية في سياق قبول وإرساء التعددية الفكرية والسياسية باعتبار ذلك مناخاً صحياً ومحفزاً، لفت إلى أنهم توافقوا على مجموعة من القواسم المشتركة، بينها أن «الحوار هو الطريق الوحيد الذي يوصل البلاد إلى إنهاء الأزمة، لأن الاستقرار في البلاد ضرورة وطنية عليا وضمانة لتعميق الإصلاحات»، و«أن التسامح قيمة مثلى للخروج من الوضع الدقيق السائد».
كذلك رفض المشاركون «الاعتداء على الأشخاص والممتلكات العامة والخاصة ومن أي جهة تبادر إليه». وشددوا على «ضرورة الإفراج الفوري عن جميع المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي الذين لم تشملهم مراسيم العفو السابقة والذين لم يرتكبوا جرائم يعاقب عليها القانون»، مؤكدين «أن حق إبداء الرأي غير قابل للانتهاك ومصون تحت سقف الوطن والدستور، وأن الحريات العامة حق لكل المواطنين».
كذلك أوصى اللقاء بـ«اطلاق سراح جميع الموقوفين خلال الأحداث الأخيرة ممن لم تثبت إدانتهم أمام السلطات القضائية، وضرورة إعلاء قيمة حقوق الإنسان وصونها وفق أرقى المعايير الدستورية والإنسانية والعصرية والتوصية بإنشاء مجلس أعلى لحقوق الإنسان في سوريا». وشدد على أن «المعارضة الوطنية جزء لا يتجزأ من النسيج الوطني السوري وأن سوريا وطن للجميع وهي بلد التعددية بنموذجها الأمثل والتعددية والديموقراطية التي تعتمد صناديق الاقتراع أساساً للتفويض السياسي».
كذلك رفض المجتمعون أي «تدخل خارجي في شؤون سوريا الداخلية وعلى رأسه ما يدعى بمبدأ التدخل الإنساني المستخدم ذريعة للنيل من مبدأ السيادة، وهو المبدأ المقدس غير المسموح المس به إطلاقاً، وتطبيق مبدأ سيادة القانون وإنفاذه بحق كل من ارتكب جرماً يعاقب عليه القانون ومحاسبة الجميع دون استثناء، وتسريع آلية مكافحة الفساد»، وذلك بعدما رأوا أن «هيبة الدولة جزء من التفويض الوطني وهي تهدف إلى الحفاظ على كرامة وأمن الوطن والمواطن». كذلك دعا البيان إلى « إيلاء الاهتمام بجيل الشباب السوري والاستماع إلى صوته وإلى متطلباته».
وشدد المشاركون على أن «تحرير الجولان من القضايا الأساسية ومن الأهداف الوطنية التي تمثل إجماعاً وطنياً»، وأكدوا «على الثوابت الوطنية والقومية المتصلة بالصراع العربي ـــــ الصهيوني وتحرير الأراضي العربية المحتلة وضمان الحقوق المشروعة للشعب العربي الفلسطيني». كذلك ناقش اللقاء التشاوري «مشاريع القوانين المطروحة على جدول الأعمال، وهي قانون الأحزاب وقانون الانتخابات وقانون الإعلام، وأخذ في الحسبان المداخلات والملاحظات المتصلة بهذه القوانين للتوصل إلى توافق وطني بشأنها».
وبنتيجة هذه المناقشات، تم الاتفاق، ووفقاً للبيان، «على أن تطلب هيئة الحوار من اللجان المكلفة إعداد مشاريع هذه القوانين الثلاثة وتقديم الصياغة الأخيرة لها، تمهيداً لإصدارها في ضوء ما ورد سابقاً وبأقرب وقت ممكن».
وفي السياق، اتهم نائب رئيس الجمهورية فاروق الشرع الحكومة السابقة التي رأسها ناجي العطري، بأنها كانت تتلاعب ببيانات النمو ونسبه.
ونقل موقع «الاقتصادي» عن الشرع قوله خلال إحدى مداخلاته في اللقاء التشاوري أن «بيانات النمو ونسَبه كانت تقدم بنحو متلاعب به من الحكومة السابقة، حيث كانت تقدمه على أنّه 6-7 في المئة، بينما يؤكّد الخبراء أنّه لم يكن يتجاوز 3.5 في المئة».
وكانت الحكومة السابقة برئاسة محمد ناجي عطري، قد حددت في الخطة الخمسية العاشرة (2006 - 2010) معدل النمو المستهدف بـ7 في المئة، فيما أشار نائب رئيس الحكومة السابق للشؤون الاقتصادية عبد الله الدردري مراراً الى وجود مؤشرات ايجابية في الخطة ومنها تحقيق متوسط للنمو يصل الى 5.5 في المئة.
في موازاة ذلك، أعلن المعارض السوري هيثم المالح، خلال مؤتمر صحافي عقده في اسطنبول، أن مؤتمراً من المقرر عقده في دمشق يوم السبت المقبل، سيؤلّف حكومة ظل «من خبراء غير سياسيين مستقلين» استعداداً لسقوط الحكومة السورية. وأوضح المالح (81 عاماً)، وهو من بين السجناء السياسيين الذين افرج عنهم في آذار الماضي: «لن تكون حكومة فعلية بل حكومة ظل. ستكون حكومة اقليمية وكل وزير سيعمل بوصفه شخصية قيادية في منطقته».
وأكد المالح أن هدف حكومة الظل سيكون توجيه حركات المعارضة والاحتجاجات المناهضة للأسد، وضمان أن يكون لدى البلاد حكومة بديلة جاهزة لما يرى انه الانهيار الحتمي لحكومة الاسد. وشدّد على أن «أهم واجبات حكومة الظل هو أن تكون مستعدة لتولي دفة الأمور حينما يتنحى الأسد، ثم عندما يحدث ذلك ستكون مهيأة لسد الفجوة وحكم البلاد». كذلك رأى أن المعادلة القائمة على وجوب بقاء الرئيس السوري وتغيير النظام لم تعد صالحة.
وقال المالح، الذي اجتمع في وقت سابق مع جمعية خيرية اسلامية تركية تشارك في جهود اغاثة أكثر من عشرة آلاف سوري لجأوا الى مخيمات اقامتها تركيا على حدودها مع سوريا: «جئت الى تركيا لأحكي عن القسوة في سوريا. وأود ان اقابل رئيس الوزراء طيب اردوغان لأشرح له ان معظم القصص عن سوريا تقوم على الاكاذيب، وأريد ان أبلغه بما يجري حقاً في سوريا». وأضاف «الآن يجري استخدام 3000 دبابة لقمع الشعب السوري. الدولة التي تقاتل شعبها وتقتل شعبها لا يمكن ان تكون دولة». واضاف «الحكومة يجب أن تستخدم جيشها لقتال القوات الاسرائيلية التي تحتل مرتفعات الجولان لا في مهاجمة مدنييها». وأضاف «ولذلك فإن حكومة الأسد فقدت شرعيتها».
في هذه الأثناء، انعقد أمس في اسطنبول مؤتمر علماء المسلمين لنصرة الشعب السوري بمشاركة قرابة 150 من علماء عدد من الدول الإسلامية، بهدف مناقشة التطورات في سوريا فضلاً عن اقامة اتحاد للعلماء وتعزيز علاقتهم مع الدول العربية. وعبّر المشاركون في المؤتمر المفترض ان تتواصل اعماله اليوم، عن مؤازرتهم للشعب السوري في سعيه إلى الحصول على حقوقه المشروعة، مؤكدين أن المحرك للشعب هو رفض الظلم لا «الأيادي الخارجية كما يزعم النظام».
وأكدت الكلمات في المؤتمر على وحدة الشعب السوري، وسلمية الحركة الاحتجاجية، ونبذ كل دعوات الفتنة والطائفية، ورفض الاستقواء بالقوى الخارجية. ودعا المتحدثون إلى الوقوف بجانب الشعب السوري حتى يحظى بنظام مدني يكفل لجميع مواطنيه حريتهم وكرامتهم.
(الأخبار، أ ف ب، يو بي آي)



مجلس الأمن يتشاور حول «النووي السوري»

نيويورك ــ نزار عبود
بعد توصية من مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية يوكيا أمانو (الصورة)، يناقش أعضاء مجلس الأمن الدولي غداً ما رأته الوكالة الدولية للطاقة الذرية خرقاً سورياً لمعاهدة منع الانتشار النووي في منشأة دير الزور، في اشارة إلى المبنى الذي قصفته إسرائيل عام 2007 ودمرته كلياً قبل أن يزوره المفتشون من الوكالة ويقدموا تقريراً يشير إلى وجود آثار إشعاع نووي. وهو أمر نفته سوريا نفياً قاطعاً، ورفضت مواصلة التعاون مع الوكالة بعد التحقيقات الأولية. في هذه الأثناء، استبعد دبلوماسيون متابعون للملف، أن يخرج مجلس الأمن بأي قرار أو بيان بعد جلسة المشاورات المغلقة بالنظر إلى المعارضة الروسية ـــــ الصينية لإحالة الوكالة ومطالبتها بالتنديد بسوريا على ما وصفته خرقاً للمعاهدة.