صار حديث نساء «القاعدة» يأخذ مجراه في وسائل الإعلام، بعدما أصدرت محكمة عراقية منذ أسبوعين حكماً بالسجن المؤبد على أرملة أمير تنظيم «القاعدة» السابق في العراق أبو عمر البغدادي، الذي لقي حتفه بعملية عسكرية عراقية ـــــ أميركية قرب مدينة سامراء شمالي بغداد العام الماضي. وبحسب وكالة «فرانس برس» فإن المحكمة الجنائية المركزية في الكرخ توصلت إلى أدلة كافية، بما فيها اعترافات المرأة الصريحة بانتمائها إلى «المجاميع الإرهابية لدولة العراق الإسلامية»، من أجل الحكم عليها وتجريمها وفقاً لأحكام «قانون مكافحة الإرهاب».
اعترافات الزوجة شملت معلومات عن اشتراكها مع زوجها في العديد من العمليات المسلحة في مختلف المناطق العراقية، بالإضافة إلى احتفاظها بالأموال والأحزمة الناسفة التي يستخدمها التنظيم في تنفيذ عملياته في العراق.
الحدث ألقى الضوء مجدداً على الجدل القائم منذ سنوات مضت حول دور النساء في تنظيم «القاعدة»، كما اعاد إلى الواجهة مصطلح «نساء القاعدة» الذي برز بعد الحرب الأميركية على العراق في 2003، حيث جنّد التنظيم عشرات الفتيات الصغيرات بصفة انتحاريات بسبب قدرتهن على التخفي في ظل التضييق الأمني، ليس في العراق فحسب، بل في مختلف الدول العربية حيث ينشط التنظيم، الأمر الذي أعلنه زعيم «القاعدة» في العراق آنذاك أبو مصعب الزرقاوي، وذلك بعدما اعتمد التنظيم على المرأة في أفغانستان في التربية والإنجاب وإدارة المنزل فقط. وبقي المصطلح غائباً عن الطرح الإعلامي منذ عام 2005 عندما توقفت مجلة «الخنساء» الإلكترونية وألقي القبض على «أم سلمى»، مديرة تحريرها. وكانت المجلة تجنّد النساء «المجاهدات» وتقدم لهن النصائح حول كيفية تربية أطفال محاربين، في إطار الدور الذي كان تنظيم «القاعدة» يحصر المرأة ضمنه بدايةً. وفي الآونة الأخيرة تابع التنظيم ركوب موجة الحداثة وفورة الاتصالات من خلال تأسيس مجلة إلكترونية أخرى تحمل اسم «الشامخة»، والتي تعرّف عن نفسها بأنها «إسلامية، جهادية ونسائية»، تقدم للمرأة كل الأفكار والمعلومات التي تحتاج إليها لتسير «على درب الجنة».
في البداية، ومنذ أن أسس أسامة بن لادن التنظيم في ثمانينيات القرن الماضي، لم يبدِ اهتماماً بمشاركة النساء في عملياته في ما سمّاه وقتها «الحرب على السوفيات» في أفغانستان. وفي هذا الإطار انحصر دور المرأة في التنظيم بكونها «مساندة» لزوجها في «جهاد الدفع» الذي «يجيزه الإسلام» خصوصاً في ظل «قلة أعداد الرجال وازدياد أعداد المتقاعسين منهم». والمستغرب حالياً هو ما نقله الموقع الإلكتروني لـ«هيئة الإذاعة البريطانية» عن تزايد أعداد النساء المشاركات في العمليات الانتحارية لـ«القاعدة» في السنوات الثلاث الأخيرة، في تنظيم يحرم الاختلاط بين المرأة والرجل ويفرض على الطرفين شروطاً صارمة جداً «تضبط» عملية التواصل بينهما. هذا النظام الصارم انعكس في علاقات الزواج إلى حد أن المرأة المطلقة يحرم الزواج عليها من خارج المجموعة، وذلك من أجل «إبقاء الغطاء الشرعي على هذه العملية».

نساء شاركن في «الجهاد»

البلجيكية مورييل ديغوك، منفّذة أول عملية انتحارية تقوم بها امرأة قادمة من القارة الأوروبية في العراق عام 2005، كانت وراء تقبّل أبو مصعب الزرقاوي، الذي اغتاله الاميركيون عام 2006 ،لانخراط النساء في «الجهاد على الأرض»، فضلاً عن اقتناعه بالجدوى من وراء ذلك. وفي هذا السياق، عرض الموقع الإكتروني لـ«هيئة الإذاعة البريطانية» عدة أمثلة، من بينها العراقية ساجدة الريشاوي التي فشلت في تنفيذ عمليتها الانتحارية في العاصمة الأردنية عمّان، فيما نجح زميلها في تفجير ثلاثة فنادق. الأميركية كولين لاروز، المعروفة باسم «جاين الجهاد»، متهمة «بالتآمر لقتل رجل سويدي ومحاولة تجنيد مقاتلين عبر الانترنت لارتكاب أعمال إرهابية في الخارج»، فضلاً عن المغربية البلجيكية مليكة العرود (51 عاماً)، التي تحدثت عنها صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية والتي لا تزال مسجونة إلى اليوم وتواجه في بلجيكا اتهامات مشابهة تتعلق بـ«التحريض على الجهاد» عبر الإنترنت. أما صديقي ذات الـ39 عاماً وعالمة الأعصاب التي درست في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في الولايات المتحدة، قبل أن تعود إلى باكستان وتتزوج من أحد أقرباء خالد الشيخ محمد العقل المدبر المزعوم لتفجيرات11 أيلول/سبتمبر 2001، فقد صدر في حقها حكم بالسجن لمدة 86 عاماً في أيلول الماضي لقتلها مندوبين للحكومة الأميركية في أفغانستان عام 2009.
ومن بين هؤلاء نذكر أيضاً من تناولتها مجلة «نيوزويك» الأميركية في إحدى مقالاتها الصادرة في بداية عام 2010، وهي الأسترالية روبين هاتشينسون، أو ربيعة، وهو الاسم الذي باتت تعرف به بعد اعتناقها الإسلام وانضمامها إلى صفوف «القاعدة». وهي امرأة خاضت الكثير من التجارب داخل القفص الذهبي حتى وصفها عميل سابق في «وكالة الاستخبارات المركزية» الأميركية بـ«إليزابيث تايلور الجهاد»، وآخرون أطلقوا عليها «الأم الحاكمة للإسلام الراديكالي». وقد وصفها كتاب «أم محمد» الصادر في أستراليا عام 2009 لمراسلة هيئة الاذاعة الاسترالية سالي نيبور، بأنها «امرأة غامضة بحجاب أسود» وذات «لكنة أسترالية واضحة ممزوجة بنارية أسكتلندية»، وأضاف الكتاب أنها مثّلت «تهديداً جديّاً للأمن القومي»، بحسب وجهة النظر الرسمية الأسترالية.

أبرز نساء «القاعدة»

من ينظر إلى تنظيم «القاعدة» عن قرب، يلاحظ أنه «عالمٌ» قائمٌ بحد ذاته، وتظهر في داخله مجموعة من النساء الفاعلات اللواتي خدمن عقيدتهن كل على طريقتها. وعلى درب «الجهاد» تبرز أسماء عديدة، على رأسها هيلة القصير (أم رباب)، أخطر نساء «القاعدة»، والتي تركز نشاطها على تجنيد النساء وجمع التبرعات المالية عبر جمع مجوهرات وأموال في اليمن بحجة بناء مساجد ودور أيتام، كما ثبت قيامها بقيادة أكثر من 60 عنصراً مشاركاً في عمليات تفجير بالإضافة إلى إيواء مطلوبين في مواقع آمنة.
وأكدت بعض المصادر لموقع قناة «العربية» الإلكتروني أن هيلة القصير كانت تأتي بصغيرات السن من اقرباء المطلوبين أمنياً لإدراجهن في صفوف التنظيم، إن عبر توفير الدعم المادي أو تقديم المعلومات، كما حاولت استقطاب عدد من زوجات المطلوبين وأخواتهم للحاق بهم في اليمن كما فعلت مع وفاء زوجة السعودي سعيد الشهري نائب أمير «قاعدة الجهاد في جزيرة العرب».
أما أشهر نساء «القاعدة» فهي وفاء الشهري، أو «أم هاجر» وهو الاسم الذي اختارته لنفسها حين انتقلت إلى اليمن للعيش إلى جانب زوجها الثالث، فأضحت أول امرأة سعودية تخرج من بلادها لغرض الجهاد القاعدي. وبدورها تعد «أم هاجر» ركناً اساسياً من أركان «نساء القاعدة» في اليمن. والشهري كانت متزوجة أولاً بسعود القحطاني، ثم هربت من السعودية إلى اليمن لتتزوج من عبد الرحمن الغامدي، أحد افراد «قاعدة الجهاد في جزيرة العرب».
وإلى جانب هذين الاسمين، لا بد من المرور على المصرية «أم أسامة» التي كانت تتمتع بدور لوجستي من خلال موقع «الخنساء» الإلكتروني، وتقوم بالإشراف على تدريب المجاهدات التابعات للتنظيم، كما أنها تجسد الجناح الإعلامي لـ«القاعدة» في المملكة العربية السعودية. وقد تخلّت «أم أسامة» عن العديد من الأفكار التي تؤمن بها بعد تعرضها لملاحقة قوات الأمن السعودية، فضلاً عن خضوعها لتحقيقات مكثفة لم تخلُ من «القسوة».

سياسة التجنيد

تُجمع مجموعة من القادة المنشقّين عن تنظيم «القاعدة» على عدة خطوات رئيسية يعتمد عليها المنظمون خلال عملية تجنيد «المجاهدات» في معظم الدول العربية وفي المناطق التي يرى فيها التنظيم «مكان صيد ثمين» و«ساحة قتال». وتبدأ بإقناع النساء بأفكار متشددة وحرمانهن من كل وسائل الاتصال التي تتيح لهن معرفة ما يدور خارج حدود إقامتهن، لتأتي المرحلة الأخيرة حيث يعمد إلى تكرار كل الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تدعو إلى الجهاد وتشجع عليه، بالإضافة إلى ترداد قصص المقاتلات اللواتي «زدن عائلاتهن شرفاً» من خلال تنفيذ العمليات المطلوبة منهن ضد «الكفار».



وعود بالمغفرة

في إطار عمليات التجنيد، هناك أساليب غير مباشرة، يُعتمد فيها على تجنيد الفتيات المتخلفات عقلياً كما حدث في العراق في منطقة بغداد الجديدة، حيث فُجّر سوق للطيور، اتضح في ما بعد أن الانتحاريتين اللتين نفّذتاه كانتا متخلفتين عقلياً وقد فُجّرتا عن بعد. وفي كثير من الاحيان تستغل حالة المجندات النفسية السيئة في هذا السبيل بالإضافة إلى حالتهن المادية الصعبة. ويبقى الأكثر شيوعاً هو العمل على تجنيد الفتيات اللواتي وقعن في حب رجال من التنظيم و«وقعن في الخطأ»، فآل بهن الأمر إلى نساء حوامل من رجال رفضوا الاقتران بهن، فيجري إقناعهن بأن مساعدة التنظيم على التخلّص من «أعداء الدين» يضمن لهن الجنّة و«يكفّر لهن ذنوبهن عند الله».