القاهرة | الثورة تعود من جديد، وملايين المصريين الذين خرجوا أمس فى كل ميادين «المحروسة» أعلنوا الولادة الثانية لها، بعدما ظن الجميع أن الناس يئسوا من الخروج والتظاهر والمطالبة باستعادة مطالب الثورة. كانت مصر يوم أمس على موعد مع الحلم، حلم المطالبة بالحرية والعدالة الاجتماعية، وقبل كل شيء، حلم محاسبة القتلة والفاسدين ومحاكمتهم.امتلأت ميادين المحافظات، من الصعيد والقناة والدلتا والإسكندرية إلى القاهرة. الكل يطالبون المجلس العسكري الحاكم بإعادة الثورة إليهم، ويؤكدون أن الثورة مستمرة، وأن الصراع بين القوى السياسية على الدستور والانتخابات لا يعني أنهم نسوا ثورتهم، بل أنهم لا يزالون يطالبون بتطهير وزارة الداخلية، والجامعات والقضاء، وإيقاف المحاكمات العسكرية للمدنيين.
استعادت مصر الروح التي احتلت ميدان التحرير في 25 كانون الثاني الماضي، وهي الروح التي أُريد لها أن تذهب بلا عودة، ليطل مجدداً من شرفة «المحروسة» من يروي ثورته التي بدأت في كانون الثاني بدماء شهدائه. عادت ذكريات الثورة من جديد إلى «التحرير». عشرات الآلاف حول المنصات، الكل يهتف... ليس فقط «الشعب يريد إسقاط النظام» بل «الشعب يريد محاكمة المخلوع». الكل كان يقي رأسه من أشعة الشمس الحارقة، تحت المظلات، وتحت «الكابات»، أو تحت أوراق الصحف. حجزوا أماكنهم أمام المنصات الثلاث الرئيسية. انتظروا خطبة الجمعة وصلاتها ليبدأوا يوماً مشهوداً جديداً. لافتات الميدان واضحة: هي تحمل مطالب الثورة «النظيفة». يريدون «شرطة نزيهة» و«قضاءً عادلاً» و«دولة مدنية». لافتة كبيرة تتوسط الميدان تستهجن الإفراج عن قتلة الثوار، واستمرار حبس المعتقلين السياسيين، وتطالب بالإفراج الفوري عنهم. ومن بين الشعارات المرفوعة، «ثورتنا مستمرة» و«مش حاسين بالتغيير شيلنا مبارك جبنا مشير»، في إشارة إلى وزير الدفاع المشير محمد حسين طنطاوي.
«الإخوان المسلمون» ظلّوا جانباً، وفضلوا إقامة منصة خاصة بهم. ردّدوا هتافات لا تثير الإشكالات مع المجلس العسكري. صلّوا «جمعتهم» بإمام خاص بهم، كانت لهم منصتهم. الأحزاب الأخرى كانت لها منصتها أيضاً، وللائتلافات الشبابية منصة ثالثة. لكن الذين لا ينتمون إلى أي من هؤلاء، وينتمون فقط إلى الوطن، قرروا أن يجوبوا الميدان، وهم يرفعون شعارات «الثورة أولاً... مصر أولاً».
وللمرة الأولى، يشهد ميدان التحرير خطبتان لصلاة الجمعة، رغم أن الجميع أدوا الصلاة وراء إمام واحد في تظاهرة وصفتها وكالة «رويترز» بأنها الأكبر منذ سقوط نظام مبارك في 11 شباط الماضي. وكانت المناسبة فرصة ليرفع «الإخوان المسلمون» علمهم الخاص باللون الأخضر وفيه سيفان متقاطعان على مصحف واسم الجماعة.
وقد تمكّن الشباب المُكلفون تأمين مداخل ميدان التحرير من ضبط شخص يحمل سلاحاً أبيض. وقال التلفزيون المصري إن الشخص المضبوط هو أمين شرطة، وعمد بعض المتظاهرين إلى ضربه قبل أن يسلموه لرجال القوات المسلحة على مقربة من الميدان. أئمة مساجد مصر، استحضروا الإمام العز بن عبد السلام، فهتفوا «واثورتاه»، مطالبين بتحقيق أهداف تحركهم. انتهت صلاة الجمعة في المساجد، فانتفضت الميادين بهتافات المصلين. السويس كانت الأكثر حضوراً على الإطلاق. تصاعدت حناجر مئات الآلاف عقب انتهاء خطباء المساجد من دعوة أبناء المدينة للخروج إلى الشوارع في جمعة «الثورة أولاً». زحفت الجماهير من كل حدب وصوب؛ من حي الأربعين، وحي فيصل، المثلث، والعبور، في كل الشوارع والأحياء. الناس في الشارع، المشهد أسطوري، يذكرك بمشاهد «25 يناير». المنشورات التي وزعتها القوى السياسية في كل مكان قالت إن السويس تحيي صمود الشعب في التحرير. الناس في الشارع من جديد، المشهد أسطوري، يذكرك بمشاهد 25 يناير، والجيش يوزع بيان يطالب فيه السوايسة الذين قاوموا الاحتلال وحاربوا في تشرين الأول 1973 بأن يكونوا يداً واحدة مع الجيش، وهو «الذي سيستكمل مع الجماهير مطالب الثورة؛ لأن الجيش والشعب إيد واحدة». لكنّ الناس رفضوا البيان، وتوافدوا إلى ميدان الشهداء في حي الأربعين فور انتهاء صلاة الجمعة.
وفي الإسكندرية، كان الوضع مشابهاً؛ إذ خرج الآلاف عقب صلاة الجمعة وأعلنوا الآتي: «نريد محاكمة (الرئيس المخلوع حسني) مبارك بتهمة الخيانة العظمى»، إضافة إلى محاكمات سريعة لجميع رموز الفساد في النظام السابق، وإعادة هيكلة جهاز وزارة الداخلية.
شهد الميدان في الصباح فوضى بسيطة، عندما طالب أهالي الشهداء المواطنين المنضمين إليهم بعدم الخروج وراء أي مسيرات خوفاً من حدوث أعمال بلطجة. وشاركت «حركة شباب أقباط ماسبيرو» بالإسكندرية في التظاهرات، بشكل وطني لا ديني، بحسب وصف أحد منسقيها، مؤكدين أن المطالب تمثل كل مصري.
ولأن الثورة مستمرّة، أعلنت حركة «شباب 6 أبريل» دخول أعضائها باعتصام مفتوح «حتى تحقيق جميع المطالب التي حددتها الحركة، ومن أبرزها إجراء محاكمات علنية لرموز الفساد، وتطهير وزارة الداخلية واستبعاد الوزراء غير المرغوب فيهم، وتعويض أهالي الشهداء والمصابين، وفرض قيود على الزيادات غير المبررة للأسعار وخاصة أسعار السلع الغذائية»، على حد تعبير المنسق العام للحركة أحمد ماهر.
الثورة مستمرّة، ليس بسبب مليونية الأمس، بل لأن العديد من القوى السياسية قرّرت الاعتصام، حتّى تتحقّق مطالب الثورة. المخيمات التي ظهرت في الميدان، قبل المليونية بيوم، خير دليل على ذلك.