الخرطوم| رغم وجوده في الشمال وعدم قدرته على المشاركة في احتفالات جنوب السودان بالانفصال، بدا السلطان مليك دينق، وهو من أبناء منطقة أبيي، سعيداً بقدوم موعد التاسع من تموز، مشيراً إلى أنّ الرئيس السوداني عمر البشير ورئيس جمهورية جنوب السودان، سالفاكير ميارديت، حقّقا أعظم إنجاز في تاريخ السودان. في المقابل، بدا الاستسلام واضحاً في عبارات دينق وهو يتحدث عن إمكان احتفال الجنوبيين الموجودين في الشمال بالحدث، قائلاً «إن لم يأذنوا لنا بالاحتفال، فسنغلق علينا أبوابنا ونبقى داخل منازلنا».
وتحسّر دينق على عدم سفره إلى الجنوب ومشاركته في هذا المناسبة، بسبب تأخر تسليمه استحقاقاته المالية، وصعوبة وجود وسيلة تقله وعائلته إلى هناك، لكن ذلك لم يمنعه من رسم خطوط مستقبله في الجنوب، بتأكيده أنه بمجرد العودة إلى أبيي سيعمل في الزراعة، «لأن الحكومة هناك لن توظّفني من جديد، وقد قاربت سن المعاش».
من جهته، لا يخفي الشاب الثلاثيني، لادو، فرحته الكبيرة بالاستقلال وتأييده له، قائلاً «ظللنا نعيش منذ خمسين عاماً في حروب وتشاكس، وحان الوقت الآن لنفترق ويأخذ كل منا طريقه».
ويؤكد لادو، بائع الكتب القديمة في «سوق بحري الكبير»، أن المستقبل لهم في الجنوب، ويأمل أن يخرج من بينهم رجال عظماء أمثال هؤلاء، مشيراً إلى كتاب مفروش على الأرض أمامه يحمل اسم (آخر أيام سقراط). والثقة التي يبديها لادو بشأن مستقبل الجنوب، تتبدد عند الحديث عن إمكان احتفاله بالاستقلال اليوم، «إذا تركونا نحتفل فسنحتفل ونبتهج، لكن إذا منعونا فليس في يدنا شيء».
أما جون العسكري المتقاعد، والموظف في إحدى الهيئات الحكومية في الخرطوم، فأبدى استهجانه لمنع حكومة الخرطوم الجنوبيين من الاحتفال باستقلالهم.
وتساءل جون في حديثه لـ «الأخبار»، «لماذا تمنعنا الحكومة من التعبير عن فرحتنا، بينما تترك لبعض الشماليين أن يعبّروا عن ذلك؟»، وذلك بعدما سجلت العاصمة الخرطوم عودة علم السودان ليتصدّر واجهات المقار الحكومية، والشوارع الرئيسية كأنما الحكومة أرادت إيصال رسالة مفادها أن دولة السودان ما زالت قائمة، رغم انفصال الجنوب عنها.
وبعدما أوضح أن بقاءه في الشمال لحين انتهاء فترة التسعة أشهر، مرتبط ببعض الشؤون الأُسرية، أكد جون أن دولة الجنوب وخلال عامين فقط ستشهد تطوراً كبيراً.
من جهته، يتحفظ رفيقه في الهيئة سلطان على فكرة الاحتفال رغم فرحته بالاستقلال، لأن زملاءه وجيرانه الشماليين حزينون لفراقه، «وليس جيداً أن أحتفل بينهم». ويأمل سلطان أن «تعود الأمور بين الجنوب والشمال إلى طبيعتها، طال الزمن أو قصر»، ويقول حتى لو لم يعودا دولة واحدة، فعلى الأقل أن تعود العلاقة بينهما بدون حواجز أو حدود. وأضاف «أنا متيقّن من أن كل شيء سيعود كما كان، لأن هذه الحكومة لن تستمر كثيراً»، في إشارة إلى احتمال سقوط حكومة البشير. وتأكيد العديد من أبناء الجنوب أنهم يعيشون إحساس الفرحة كأنهم موجودون في جوبا، لا ينسحب على آخرين، يسود بينهم الحزن، بُعيد شروع الحكومة في إعفاء جميع الجنوبيين العاملين في دواوين الدولة الرسمية من الخدمة، على أن يرتّبوا أوضاعهم خلال تسعة أشهر، وفق اتفاق وقّع بين الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني.
ويروي الحاج محمد أحمد، الذي يعمل في أحد المشافي الخاصة في الخرطوم، كيف ذرف زملاؤه الجنوبيون الدموع لدى تسلّمهم خطابات إعفائهم، مضيفاً «لقد عاشرتهم لأكثر من عقدين من الزمان، كانوا جزءاً منا، لم نشعر قط بأنهم جزءٌ من دولة أخرى». وشرح الحاج محمد كيف تعرض الجنوبيون ممن اختاروا البقاء في الشمال للتضليل بعد الحديث عن أنهم سيمنحون الجنسية المزدوجة، قبل أن تعمد الحكومة إلى قطع الشك باليقين قبل 48 ساعة من إعلان الدولة الجديدة، بإعلانها إسقاط الجنسية عن الجنوبيين، وتحويلهم إلى أجانب.
من جهته، لا يتردد العم عثمان، صاحب بقالة في أحد أحياء الخرطوم، من إبداء مخاوفه من تداعيات الانفصال في مقبل الأيام، ويقول، «الانفصال ليس شيئاً سهلاً، وعواقبه ستكون وخيمة». ويرى أن المشاكل بين الشمال والجنوب ستزداد بعد الانفصال، ويصرخ متحسراً «العالم كله من حولنا يتقارب ويتوحد، فكيف نسعى نحن إلى التقسيم والانفصال».
وعلى عكس العم عثمان جاءت نظرة العديد من المثقفين الشماليين مؤيّدة لاختيار الجنوبيين الاستقلال. ويرى الشاعر الكبير محجوب شريف المعروف بـ «شاعر الشعب» أن يوم التاسع من تموز ليس مفاجئاً له على الإطلاق، بعدما كرّست النخبة السياسية للانفصال، لكنه يؤكّد أن «عزاءنا الوحيد هو أن تولد في الجنوب دولة ديموقراطية تقوم على الحرية والشفافية والعدل»، أما إذا أنتجت لنا الدولة الجديدة حكومة مؤتمر وطني آخر، فيؤكد شريف «أن الخسارة حينها ستكون فادحة».