هكذا سيظهر الرئيس المخلوع حسني مبارك من جديد على الشاشات، ويبتسم ابتسامته الشامتة، ليقول إن ما حدث لم يكن سوى حلم عابر أو برنامج كاميرا خفية، استخدم فيه شعب كامل. سخرية سوداء سارت إلى الحافة بعد صدمة البراءة، كما يمكن أن نسمي أحكام الافراج عن ضباط شرطة متهمين بقتل الثوار، ثم عن الوزراء السابقين يوسف بطرس غالي وأنس الفقي (بتهمة إهدار المال العام) وأحمد المغربي (قضية بيفرلي هيلز) ورجال أعمال (ياسين منصور).
البراءة كانت صدمة أثارت الغضب والاستياء، ونشرت الشعور بأنه لا ينقص إلا عودة مبارك. ورغم أن النائب العام جدّد حبس صفوت الشريف ٤٥ يوماً، طغت موجة البراءة وأثارت الاحساس بعودة الميت. النظام مات فعلاً، وهذه روحه، أو بقايا هذه الروح العجوز، تلعب في المسافة بين الأمل واليأس، بين الانتقام والعدالة، بين الثورة وهوجة المظاليم. هل هذه فعلاً عودة النظام من القبر؟ أم جدّد النظام شبابه واستعاد مواقعه؟ نظرة التشاؤم ترى في أحكام البراءة عودة الروح لمبارك وعصابته، بينما نظرة أخرى ترى أن الأحكام مجرد إثبات حسن نوايا، للرد على تهمة: المحاكمات إرضاء للشارع.
الأحكام بالبراءة دليل على العدالة المقبلة، من وجهة نظر ترى أن العدالة تعزّز الثورة، وتحقيقها ربما أهم من المحاكمات، أو الاستماع إلى صوت الشارع المتيَّم بالانتقام. لكن المحاكمات لم تجر بمعايير شفافة: أولاً لم تكن معلنة. ثانياً لم تحصل خارج سياق القانون الذي حمى مبارك ونظامه 30 سنة. ثالثاً تمت الاحالات بغرض التهدئة تحت ايقاع الشارع الهادر.
يبدو حضور التفاؤل والتشاؤم هنا بنفس الدرجة، مع عشوائية المحاكمات وخروجها عن مدار ما يعرف في تجارب التغيير بـ«العدالة الانتقالية». التشاؤم صوته أعلى، بينما التفاؤل لا يعتمد سوى على معايير لاواقعية. الواقع يشير إلى استقواء عناصر النظام الذي أسقطه الشعب في 11 شباط، لكنه لم يسقط بعد، لأن الجيش وضع الثورة على قضبان النظام، ليسيطر. السير على القضبان لم يُشبع ثواراً يرون «الثورة مستمرة». هكذا عادت جاذبية الميدان لتلوح في الأفق جولات أخرى من المواجهة، خاصة مع الشرطة. إنها لحظة فوضى متعدّدة. تسمع عبارة «فيه ضرب في ميدان التحرير». وبدون أن تعرف لماذا وكيف، تتحرك فوراً. إنها بالتأكيد معركة جديدة بين الشعب والنظام. الشعب يريد ثورة دائمة، والنظام يريد العودة لينتقم.
الشعب ليس كلّه ثورياً، لكنه يعيش في رحاب الثورة، حتى لو كان ضدّها. وفي الثورة جناح لن يرضيه إلا اكتمال الثورة الذي يعني: كسر السلطة أو أي نظام سلطوي... إلى الأبد. ولأن المجلس العسكري لا يعرف من خبرات الحكم إلا السيطرة، فقد استدعى من مخزن خبراته الوسيلة الأسهل: تقسيم الشعب إلى شرفاء وعملاء، وثوار وبلطجية.
ومن هذه النقطة بالتحديد، إلقاء اللوم على الشعب والتراخي في محاكمة مجرمي النظام. تنتعش الفوضى وتخرج من خلف قوات الشرطة الطيبة، المبتسمة في وجه الشعب، ميليشيات انتقام من شعب «ركب» منذ الساعة الرابعة والنصف يوم جمعة الغضب الشهير. ميليشيات انتقام يبدو أن لديها عقدة من يوم ٢٨ كانون الثاني، فصنعت من هذا اليوم، وبعد مرور أكثر من 5 أشهر، علامة جديدة في تاريخ المعركة بين الشعب والشرطة.
وما حدث في 28 حزيران الماضي لا يعبّر في الغالب عن قوة هذه الميليشيات، لكنه أساساً يكشف عن عجز كبير في الانتقال من «جيش احتلال» إلى «قوات أمن وطنية» تحمي الشعب. الشرطة لا تزال تحكمها ثقافة وتقاليد نظام مبارك الذي كان يرى في الشعب المصري عدوّاً يجب السيطرة عليه. لم يتعلم أفراد الشرطة ثقافة غير إهانة الكرامة، ولم يتدرب أحد منهم على تقنيات الأمن الحديث، ولا مهارات ضابط الشرطة، ولا عضو المافيا.
الهدف لم يكن الأمن، بل السيطرة على الشعب، وهما هدفان مختلفان تماماً. ولهذا، من الطبيعي أن يرقص ضابط بالسيف رقصة ذكورة جريحة ويستعرض بكل ما أوتي البلطجي من قوة استفزاز، بينما فرقته تلقي الحجارة على المتظاهرين. والمفارقة أنه قبل أيام من رقصة المذبوح، أصدرت وزارة الداخلية كتيباً مصنوعاً بفخامة حكومية وعلى غلافه: دليل حقوق المواطن وواجباته عند التعامل مع أجهزة الشرطة.
يبدأ الكتيب بكلمة «عزيزي المواطن»، ويعبّر عن نية طيبة من مجموعة من قيادات جديدة فوجئت بتصعيدها إلى مراكز احتلها لفترات طويلة قتلة من جيش حماة مافيا مبارك. لكنّ النية الطيبة لا تكفي وحدها، بل إنها ستجعل المجموعة الجديدة من قيادات الداخلية أشبه بالأسرى. حاولت هذه القيادات إعادة بناء الجسور مع المجتمع المدني، وشعرت بالارتباك لأنها تبدأ تقريباً من الصفر. الضابط الراقص صاحب استعراض الذكورة الذبيحة، يحتاج إما لعلاج أو لمحاكمة، لأنه مريض وخطر على الأمن في الوقت نفسه. رجل يتلذذ بالاهانة والتعذيب، ويشتاق إلى القهر في العيون أمام قوة سلطته. علاج هذا الضابط أو محاكمته ليست فقط مسؤولية وزير الداخلية الذي يراه الكثيرون في الوزارة وخارجها مجرد رجل طيب، يشعر هو ومجموعة «الأسرى» بالعجز في مواجهة أطلال التنظيم السري. وليس القصد بالتنظيم السري هنا، التفاهات التي خرجت من مقر أمن الدولة في مدينة نصر بوثائق مكتوب عليها «التنظيم السياسي السري»، بل المقصود العقل المدبر في وزارة الداخلية، صانع الثقافة والمربي لأجيال من ضباط وأمناء ومندوبي الشرطة، ممن ينطلقون في الشوارع ويمثلون السلطة بالنسبة إلى الفرد العادي.
هؤلاء أبناء خطيئة تاريخية، أصبح فيها الأمن هو الدولة. ومع الغضب، اكتشف «الشعب» هشاشة «الجهاز الأمني»، وأنّ صانع الرعب ليس قوياً ليحمي نظامه إلا بتفاهات من عصور بدائية تكسر الروح بإهانة الذكورة عند رجال يجبرهم الضابط على ارتداء فساتين الرقص الشرقي، والدوران في ما يشبه حفلات الرقص.

محكمة مصرية تبرّئ وزراء من رموز النظام السابق



برّأت محكمة جنايات القاهرة أمس ثلاثة وزراء في حكومة الرئيس المصري السابق حسني مبارك، في قضايا تتعلق بالفساد، فيما حكمت غيابياً بالسجن على وزير التجارة والصناعة السابق رشيد محمد رشيد

في خطوة من شأنها مضاعفة الغضب الشعبي على الحكومة المصرية، برّأت محكمة جنايات القاهرة أمس وزير الإعلام السابق أنس الفقي ووزير المال الأسبق يوسف بطرس غالي ووزير الإسكان السابق أحمد المغربي من التهم الموجهة إليهم بالتربّح والإضرار العمد بالمال العام وإهداره.
وقضت المحكمة، برئاسة المستشار محمد فتحي صادق، ببراءة كل من الفقي وغالي الموجود خارج البلاد من اتهامهما بالإنفاق من المال العام على الدعاية الانتخابية للرئيس السابق والحزب الوطني الديموقراطي الذي ظل يحكم البلاد إلى أن أطيح الرئيس المصري السابق، حسني مبارك. الذي كان رئيساً للحزب.
وبدا بعض المتهمين مدهوشين عندما تليت الأحكام، فيما أكدت النيابة العامة أن الأحكام غير نهائية، مشيرةً إلى أن النائب العام عبد المجيد محمود أصدر تعليماته إلى نيابة الأموال العامة لاتخاذ إجراءات الطعن بالنقض في أحكام البراءة.
وعلى الرغم من صدور حكم براءته من تهمة التربح والإضرار العمد بالمال العام وإهداره، ما زال الفقي يواجه اتهامات بتعمّده سوء استخدام أموال من اتحاد الإذاعة والتلفزيون التابع للدولة.
في المقابل، حكمت المحكمة، للمرة الثانية، غيابياً بالسجن لمدة خمس سنوات على وزير التجارة والصناعة السابق رشيد محمد رشيد، إضافة إلى حكم يجبره على ردّ مبلغ مليوني جنيه و206 آلاف وغرامة مماثلة، بعد إدانته بإهدار أموال مركز تحديث الصناعة التابع للوزارة، والذي يساعد في تحديث المصانع الخاصة.
وفي القضية نفسها، حكمت المحكمة على الموظف أدهم أسعد نديم بالسجن لمدة خمس سنوات، وردّ مبلغ مليوني جنيه و60 ألفاً وغرامة مماثلة. كذلك حكمت على الموظف في المركز حلمي أبو العيش غيابياً بالسجن لمدة سنة مع إيقاف التنفيذ، وردّ مبلغ 12 مليون جنيه و730 ألفاً وغرامة مماثلة، فيما حكمت المحكمة بفصل الثلاثة من وظائفهم وحرمانهم من أي ميزات عن سنوات الخدمة فيها.
أما في قضية رئيس اتحاد الإذاعة والتلفزيون أسامة الشيخ، المتهم بإهدار المال العام، فأحالت المحكمة الأوراق على لجنة خبراء لإبداء الرأي في التصرفات المالية، وأمرت بإخلاء سبيل المتهم.
في غضون ذلك، أفاد مصدر أمني بمقتل شاب مصري أول من أمس في اشتباكات مع الشرطة في القاهرة، بعد أن اقتحمت عائلات مركزاً للشرطة لإطلاق سراح محتجزين بتهم مخدرات.
وتزامنت هذا الحادثة مع وقوع اشتباكات أخرى في القاهرة أول من أمس، بعد أن أفرجت المحكمة بكفالة عن سبعة ضباط متهمين بقتل متظاهرين في السويس، أثناء الثورة المصرية، وتأجيل محاكمتهم إلى 14 أيلول المقبل.
(أ ف ب، رويترز)

«النووي الإيراني بتصرّف مصر»



بدا في اليومين الماضيين أنّ معركة إقليمية خفية تدور حول الفوز بصداقة «مصر الجديدة»، تحديداً بين إيران من جهة، وبعض دول الخليج من جهة أخرى. ففيما أنهى رئيس الحكومة المصرية عصام شرف، أمس، زيارته الإماراتية بمساعدة قيمتها 3 مليارات دولار، حصل انفراج جديد على صعيد العلاقات المصرية ـــــ الإيرانية، حين رحّبت وزارة الخارجية الإيرانية برغبة شيخ الأزهر أحمد الطيب زيارة إيران، معربة عن الاستعداد لوضع الخبرات النووية المحلية السلمية بتصرف الدول الصديقة، كمصر لتحقيق التطور والتنمية.
ونقلت وكالة الأنباء الإيرانية «إرنا» عن المتحدث باسم الخارجية رامين مهمانبرست قوله إن طهران «مستعدة لوضع خبرتها النووية المحلية التي تحققت على أيدي الشبان الإيرانيين، بتصرف الدول الصديقة، بما فيها مصر، لاستخدامها في تحقيق التطور والتنمية».
بدوره، أعلن وزير الخارجية المصري محمد العرابي أن السياسة الخارجية لبلاده «تعبر عن رأي الشعب لا الحاكم». وقال العرابي، في حديث نشرته صحيفة» الأهرام»، أن «السياسة الخارجية الحالية للقاهرة تعبّر عن رأي الشعب لا الحاكم، فشعب مصر هو صاحب الإرادة، ونحن الآن في عصر الشعوب»، كما أوضح العرابي أن العلاقات المصرية ـــــ الإسرائيلية علاقات عادية مثل علاقة مصر بأي دولة أخرى غير عربية، «ولا شك أن إسرائيل حريصة بنفس القدر على وجود مصر في حالة سلام معها». غير أنّ نائب رئيس الحكومة المصرية، يحيى الجمل، رأى أن هناك قوى لا تريد لمصر الاستقرار مثل الولايات المتحدة وإسرائيل وقوى النظام السابق الممثلة في المجالس المحلية المنحلة، وبعض أعضاء مجلس الشعب السابق في الداخل.
أما في ما يتعلق بالملفات المصرية الداخلية الساخنة، فلم ينتظر الجيش المصري سوى ساعات ليبثّ رسالة تشكك في تصريح عصام شرف، أول من أمس، عن أنّ الانتخابات البرلمانية المصرية ستجري في أواخر أيلول المقبل. فقد كشف مصدر عسكري أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية الحاكم «لم يقرر بعد ما إذا كان سيؤجل الانتخابات البرلمانية المقررة في شهر أيلول». وقال المصدر العسكري لوكالة «رويترز» إن موضوع الانتخابات وتأجيلها «أمر لم يتقرر».
وفي السياق، التقى رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية، نائب رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، سامي عنان، مع رؤساء 15 حزباً سياسياً في القاهرة، حيث انحصر النقاش في الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة والأزمة الطائفية في البلاد.
(أ ف ب، رويترز، يو بي آي)