تونس | تحت خيم صغيرة يواصل بعض الشبان «la grace matinale» سهر ليل في النقاشات السياسية، وتبادل الآراء في الخطوات المقبلة الواجب اتباعها، على إيقاع الموسيقى والأغاني لإضفاء قليل من الحماسة في قلوب الشبان. هو الاعتصام الوحيد في تونس الذي لا ينفّذه تونسيون من دون أن تكون لديهم مطالب شخصية أو ذاتية.

فالبلاد تعج بالتحركات الميدانية المطالبة تارة برفع الرواتب وطوراً بطرد المسؤولين. أما معتصمو ساحة حقوق الإنسان فمطالبهم تتمثل في: محاسبة الضالعين في الفساد، والجلب الفوري لبن علي ومحاكمته، ومحاكمة المتورطين في قتل الشهداء ونهب أموال الشعب، وضمان استقلالية القضاء والحق في التعبير وحرية الإعلام، وتوفير الضمانات الكفيلة بانتخاب مجلس تأسيسي، إضافة إلى ترسانة أخرى من المطالب غير المترابطة، هي في حقيقة الأمر شرعية في جوهرها، ولكن عبثية في طريقة تحقيقها وتنفيذها.
الشاب مراد، المقيم في مكان ما أصبح يسمى إعتصام «المصير» منذ انطلاقه يوم 15 حزيران الماضي، يقول إن «النظام في البلاد لا يعجبه»، وإن الطرف الذي لديه القدرة على تحقيق المطالب هو «الشعب». عن أي شعب يتحدث وكيف ذلك؟ سؤال وضع الشاب في مأزق لم يجد له أي إجابة، قبل أن يتدخل الشاب وجدي الخضراوي الذي بدا أنه أكثر نضجاً في التعامل مع هذه الوضعيات. الخضراوي قال: «الشعب هو نحن». فصحيح أن الاعتصام انطلق بعشرة أشخاص فقط، لكن اليوم يصل الوافدون إليه إلى قرابة ستمئة شخص يأتون كل مساء لمساندة المحتجين.
رقم يبدو أنه متواضع، فيما جميع الأحزاب السياسية والنقابات العمالية لم تول أي اهتمام بهذا التحرك، على عكس ما وقع أثناء اعتصامي «القصبة 1» و«القصبة 2» في ساحة الحكومة، حيث ضخّت تلك الأطراف بدعم بشري ولوجستي ضخم من طرفها، ما أدى لاحقاً إلى إسقاط الحكومة المؤقتة وإعلان إيقاف العمل بالدستور القديم والدعوة إلى انتخاب المجلس التأسيسي.
إذاً، من يقف وراء هؤلاء؟ الخضراوي يقول إن الاعتصام يشارك فيه مواطنون ليست لديهم انتماءات حزبية، وإن أفضل ما قامت به الحركات السياسية أن قلة منها أوفد بعض مناضليها لتقديم المؤازرة المعنوية لا غير.
وأثناء الحوار، كانت مجموعة من الفتيات المُحجّبات إحداهن تلبس النقاب، يخرجن من تحت إحدى الخيم المنصوبة في مكان الاعتصام. ربما هن من أتباع حركة النهضة الإسلامية أو من نصيرات السلفية الجهادية، ولكن الأكيد أنهن لسن من العلمانيات «المتبرّجات». وفي الطرف الآخر، صاح أحد الشباب وهو يعتمر جلباباً أبيض، مزمجراً: «لن أسمح من هنا فصاعداً لأي رجل أن يدخل المطبخ أثناء قيام النساء بطبخ أكل المعتصمين».
الخضراوي الذي انزعج من هذا التصرف الذي قد يعطي انطباعاً بأن اعتصام «المصير» يحرّك خيوطه إسلاميون، سرعان ما أشار إلى أن هذا القرار ينزل في إطار حسن تنظيم الاعتصام حتى لا يحدث فلتان. مشيراً بعينيه إلى حيث يستلقي مجموعة من الشبان على عشب الساحة، من بينهم فتيات يدخّن السجائر بشراهة، فيما لفّ احد الشبان شعره الطويل مثل «الراستا» على شاكلة الفنان بوب مرلي، ما يوحي بتنوع مشارب المعتصمين.
وماذا يضمن حُسن التنظيم في اعتصام يضم أشخاصاً تعارفوا مصادفة أثناء هذا التحرك؟ على جذع إحدى الأشجار تجد «ميثاق المعتصم» فيه الخطوط الحمر التي لا يجب تخطيها لما سمي «أخلاقيات المناضل». وفي هذا «الميثاق» كل شيء إلا حماية الاعتصام من المندسّين والمخربّين، حيث تمكن سابقاً عددٌ من الشبان الدخول بين المعتصمين ووزعوا بيانات مختلفة في مطالبها عن طموحات «المصير». كذلك توجه عدد منهم إلى قاعة المؤتمرات القريبة بغية إفساد اجتماع عام دعا إليه حزب الوفاق الجمهوري.
ومتى يُرفع الاعتصام في وجه لامبالاة المجتمع المدني التونسي؟ سؤال تكفّلت إحدى الشابات بالرد عليه قائلة: «يوم تُسقط الحكومة المؤقتة». هل سيحصل هذا الأمر بمجرد تحرك يُنفّذه بعض عشرات من الأشخاص في حي «شيك»؟
لم تعد شرعية إطاحة حكومة الباجي قائد السبسي، محل جدل مثلما كانت عليه حكومة رئيس الوزراء السابق محمد الغنوشي. ماذا بعد حلّ الحكومة؟ «لا أعرف»، تجيب الشابة التي لا تزال تفرك عينيها من قلة النوم وتبحث عن سيجارة تعيد إليها بعضاً من الصحو.
بعد النفَس الأول، قالت إن «الحكومة لم تحقق أي مطلب ثوري. بالإمكان أن يبقى بلدنا من دون حكومة». بالتأكيد، الشابة لا تتبع حركات «المجالس» الثورية أو تيارات الفوضوية اليسارية التي تكاد تندثر في أوروبا، لكن في حقيقة الأمر تعبّر عن عفوية أسباب المشاركة في هذا التحرك، الذي أصبح ملجأً للشباب الذين حز في نفوسهم مرور زمن الاستبداد من دون أن يشاركوا في النضال ضده.
ثمة خوف من أن يتحول مصير الاعتصام إلى أيادٍ خطيرة، وخصوصاً بعد حادثة صالة سينما «الأفريكا» التي احتضنت عشية الأحد الماضي نشاطاً ثقافياً جرى خلاله تهشيم الصالة والاعتداء على الحاضرين، مع ترداد شعارات «الله أكبر... ولا إله إلا الله».
المحاولة الشبابية يبدو أن لا أفق سياسياً لها، وقد تستغلها بعض الحركات السياسية ورقةً للمزايدة السياسية.



قال المتحدث الرسمي باسم حزب العمال الشيوعي التونسي، حمة الهمامي، إن حزبه قرر مقاضاة الحكومة التونسية المؤقتة ووزارة الداخلية بتهمة التواطؤ مع الجماعات الإسلامية المتطرفة. وأوضح الهمامي أمس، أنه كلف بعض المحامين رفع قضايا عدلية على الحكومة المؤقتة برئاسة الباجي قائد السبسي، ووزارة الداخلية التي يديرها الحبيب الصيد، بتهمة «التواطؤ مع جماعات متطرفة وبقايا الحزب الحاكم سابقاً، اعتدت اول من أمس على أعضاء من حزبه».
(يو بي آي)