رام الله | ظلت العلاقة التاريخية بين الحكومة الفلسطينية ونقابة العاملين في الوظيفة العمومية إيجابية للغاية، حتى وقت قريب، حتى إن النقابة أشادت بالحكومة وخطواتها باتجاه تحسين ظروف العاملين في الوظيفة العمومية أكثر من مرة. لكن اليوم، وخصوصاً مع الانقسام السياسي العمودي الذي لم تندمل آثاره، برغم المصالحة المتعثرة بين حركتي «فتح» و«حماس»، ومع اشتداد الأزمة المالية التي تعانيها السلطة الفلسطينية، لم تعد الأمور تبدو كما كانت عليه، فالأزمة عادت على نحو متصاعد، والخلافات تجاوزت القوانين وحتى لباقة الحديث. وغالباً ما كانت الأزمات بين الطرفين تحدث عند انقطاع الرواتب، وهو ما حصل، على سبيل المثال، عند تأليف حكومة الوحدة برئاسة إسماعيل هنية، عندما انقطعت الأموال عن السلطة الفلسطينية، والآن برئاسة سلام فياض، حين تأخرت الرواتب بسبب حجز إسرائيل الضرائب العائدة للسلطة، علماً بأن التهديد الإسرائيلي والأميركي لا يزل ماثلاً بعدم الإفراج عن الحقوق المالية للشعب الفلسطيني في حال تأليف حكومة وحدة تشمل حركة «حماس». وقبل نحو أسبوعين، شهدت الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة إضراباً للموظفين العموميين، حيث وضعت النقابة 25 مطلباً لوقف الإضراب الذي استمر يومين. من جهتها، رأت الحكومة الفلسطينية أن إضراب اليومين «غير قانوني»، وغير مبرّر، وهو ما اعتبره رئيس نقابة الموظفين العموميين بسام زكارنة تهديداً يستحق البدء بإضراب مفتوح إذا ما نفذته الحكومة.
لكن المفاجأة حصلت بإعلان زكارنة أن مجلس نقابة العاملين في الوظيفة العمومية قرر تعليق فعاليات الإضراب لمدة شهر، لإعطاء فرصة أخرى للحكومة لبدء حوار جدي لإنجاز «الممكن» من المطالب. وعزا زكارنة قرار مجلس النقابة إلى تدخل من مكتب الرئيس محمود عباس، وأعضاء من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، والفصائل وأعضاء المجلس التشريعي، الذين وعدوا بالتدخل لدى الحكومة للتعامل بجدية مع مطالب الموظفين، رغم أنّ زكارنة شن هجوماً على وسائل الإعلام الحكومية المرئية والمسموعة والمكتوبة المموّلة من الحكومة بحجة أنها تجاهلت تغطية الإضراب، معتبراً أن ذلك جاء بقرار من الحكومة.
ويقول زكارنة إن «مطالب الموظفين عادلة وإن جزءاً كبيراً منها إجرائي يتطلب الإيعاز لديوان الموظفين ووزارة المال إنجازه بسرعة، وخاصة أنه جرى الاتفاق عليه سابقاً». غير أن الحكومة، على لسان مدير مركز الإعلام فيها، غسان الخطيب، رأت أن المشكلة مع نقابة الموظفين العموميين مقسومة إلى شقين: الأول هو مطلب له علاقة بقضايا ذات طابع نقابي «وهو أمر محق في الغالب». لكن الشق الثاني هو سياسي، على حد تعبير الخطيب في حديث إلى «الأخبار»، لأنه يتمثل «باستخدام القضايا النقابية لأهداف سياسية، مرة بالتهجم على شخص رئيس الوزراء، ومرة أخرى بالكذب وإخفاء الحقائق كقول زكارنة إن الرواتب موجودة في المصارف ولم تصرف لنا». في المقابل، يشدد زكارنة على أن مطالب النقابة واضحة، وقد سلّمت للحكومة أكثر من مرة خلال ستة أشهر وهي ذات طابع مهني وقف عاجل للخصومات العشوائية من رواتب الموظفين (العلاوات الاجتماعية)، وتحديث البيانات خلال فتره تعلنها وزارة المال، وزيادة نسبة غلاء المعيشة، ودعم السلع الأساسية، ومراقبة الأسعار، إضافة إلى إشراك النقابة قبل إقرار أي قانون يتعلق بحقوق الأعضاء، وبخاصة التعديل على قانون الخدمة المدنية...
وتتضمن المطالب أيضاً وقف العمل بالقرار الأخير الصادر عن ديوان الموظفين في 15/5/2011، المتعلق بوضع شروط لترقية الموظف إلى نائب مدير ورئيس قسم ورئيس شعبة، ودفع علاوة خاصة لأئمة المساجد والمؤذنين تتراوح بين 20 في المئة إلى 40 في المئة، وتعديل إجازة الأمومة لتصبح 90 يوماً، وإقرار إجازة حزن، وتطبيق النظام في ما يتعلق بالفئة العليا للموظفين الأسرى المحررين.
حتى إن النقابة ذهبت إلى أبعد من ذلك، حيث التقى وفد منها برئيس هيئة مكافحة الفساد رفيق النتشة الذي أكد «ضرورة رفع الغطاء والحصانة عن كل من تثبت إدانته في ملفات فساد، بغض النظر عن موقعه السياسي أو الإداري، بمن في ذلك الوزراء الحاليون والسابقون الذين عليهم ملفات فساد مالي وإداري»، وكاشفاً أن رئيس الحكومة سلام فياض يرفض تلبية طلب النقابة برفع الحصانة عن وزراء حاليين. وعن هذا الموضوع، يقول زكارنة «قدمنا شرحاً للممارسات التي يقوم بها بعض الوزراء والمسؤولون أحياناً في الوزارات والمؤسسات، وهذه الممارسات فيها تجاوز للقوانين والأنظمة ومخالفات واضحة ومحاباة وتطاول على حقوق العاملين، وتفتقر إلى أدنى معايير الشفافية والعدالة».