كشفت صحيفة «الغارديان» البريطانية، أمس، عن أن الولايات المتحدة تضغط على المعارضة السورية لإجراء حوار مع الرئيس بشار الأسد، في موازاة نشرها تفاصيل عن خريطة طريق عُمِّمت خلال مؤتمر المعارضة الذي عُقد في دمشق الاثنين الماضي. وقالت الصحيفة، نقلاً عن مصادر في المعارضة السورية، إن مسؤولي وزارة الخارجية الأميركية يشجعون سراً مناقشة مسودة الوثيقة التي وقّعها المعارضان لؤي حسين ومعن عبد السلام، مشيرةً إلى أن وائل السواح، العضو الآخر في لجنة العمل الوطني، هو مستشار للسفارة الأميركية في دمشق، لم يوقّع خريطة الطريق لتجنب تشويه سمعتها على ما يبدو بعيون السوريين الذين يشتبهون في التدخل الأجنبي بشؤون بلادهم.
ونسبت الصحيفة إلى المعارض السوري المقيم في الولايات المتحدة رضوان زيادة قوله «إن السفير الأميركي في دمشق روبرت فورد، حثّ الشخصيات المعارضة على إجراء محادثات مع النظام السوري، لكن هذه الاستراتيجية لن تنجح؛ لأنها تطلب من الرئيس الأسد قيادة المرحلة الانتقالية، وهذا أمر غير مقبول من المتظاهرين وفات أوانه».
وتقدم الوثيقة التي نشرتها صحيفة «الغارديان» على موقعها الإلكتروني تصوراً أولياً للمرحلة الانتقالية التي ينبغي أن تمر بها سوريا، مؤكدةً وجوب أن تسبقها «خطوات أولية غير نهائية على عدة مستويات في آن واحد»، تشمل الصعيد الأمني، والنخب والإعلام، وإرضاء الشارع، ولا سيما أن «عنوان التغيير المقصود هو تنازل السلطة عن جزء كبير من سيطرتها على الدولة والمجتمع وإعادتها إلى الدولة والمجتمع».
أما الخطوة الأولى على هذا المسار فتبدأ ووفقاً للوثيقة، «ببناء الثقة بين السلطة والشعب، وتتمثل هذه الخطوة بعنوان عريض: تراجع العملية الأمنية للخلف مع تقدم العملية السياسية إلى الأمام». وبناءً على نص الوثيقة، يمكن بعد المباشرة بالخطوات التمهيدية للمرحلة الانتقالية، «أن تتقدم السلطة بمشروع سياسي يرسم مسارات المرحلة الانتقالية، على أن تكون إجراءاته كافية لتكريس عوامل كفيلة بحمل آليات الانتقال إلى دولة ديموقراطية مدنية»، يتولى إعلانه الرئيس السوري، في خطاب موجه إلى السوريين.
ووفقاً للوثيقة، هذه المرحلة «يمكن التأسيس لخطواتها الأولى من خلال إعلان اتخاذ إجراءات حاسمة بتقليص هيمنة السلطة وحزب البعث على الدولة والمجتمع». كذلك شددت الوثيقة على ضرورة «إنشاء هيئة تشريعية ترسم وتمنهج المرحلة الانتقالية، وخاصة في ظل انتهاء الدورة التشريعية لمجلس الشعب».
وفي هذا الصدد، اقترحت الوثيقة «إنشاء مجلس وطني تشريعي، يتألف المجلس من مئة عضو. يكون لحزب البعث فيه ثلاثون عضواً، وسبعون عضواً من شخصيات مستقلة»، على أن «يسمي رئيس الجمهورية أعضاء المجلس بعد مشاورات موسعة ومكثفة وسريعة خلال لقاءاته بشخصيات سياسية واقتصادية واجتماعية من خارج أوساط السلطة»، وعلى أن يكون «لهذا المجلس كامل الصلاحية بإصدار ما يراه مناسباً من التشريعات الكفيلة بإطلاق الحريات العامة وضمانها، أي ما هو كاف لبداية حياة سياسية حرة سليمة، وإعداد انتخابات تشريعية. بما في ذلك إمكانية تعديل الدستور أو تغييره وفق مقتضيات إصدار قانون للأحزاب وآخر للانتخابات وللإعلام، وكذلك تحديد مدة الدورة التشريعية وعدد أعضاء مجلس الشعب ومدة الفترة الرئاسية وعدد مرات الدورة الرئاسية، وغيرها من القوانين الكافية لتغطية المرحلة الانتقالية التي تُحدد بمدة معلومة بمرسوم تأليف هذا المجلس، التي يجب أن تنتهي عند انتخاب مجلس تشريعي جديد، على ألا تتجاوز ستة أشهر».
ومن الخطوات التمهيدية التي اقترحتها الوثيقة على الصعيد الأمني، التشديد على وجوب أن تعمل القوى الأمنية وفق مبدأ الدفاع لا الهجوم»، «إلغاء قانون التظاهر السيئ البنية والصيت الذي صدر أخيراً»، وأن «لا يسمح البتة لأي عنصر باللباس المدني أن يكون مسلحاً أو يمارس أي دور أمني في الشارع، وإنهاء استخدام عناصر مدنية غير أمنية في قمع التظاهرات»، فضلاً عن «سحب أسلحة العناصر فوق الأمنية أي «الشبيحة» فوراً واعتقالهم وتقديمهم إلى القضاء لمحاكمتهم على الجرائم التي ارتكبوها أخيراً خلال فترة الاحتجاجات، وحتى تلك التي ارتكبوها سابقاً». كذلك نصت الوثيقة على «إلغاء المرسوم 55 الذي حل بديلاً لقانون الطوارئ وكان أسوأ منه، على أن يبقى عمل الضابطة العدلية تحت تصرف النائب العام».
أما على صعيد النخب، فرأت الوثيقة أنّ «من الضروري إيجاد جميع السبل للتصالح مع النخب السورية المعروفة منها وغير المعروفة، وإطلاق يدها للعمل في الحياة العامة»، من خلال إصدار قرار واضح وصارم من رئيس الجمهورية يقضي بعدم ملاحقة أو اعتقال أو التضييق على أي مواطن سوري بسبب آرائه أو مواقفه السياسية السلمية»، و«إلغاء قرارات منع السفر المتخذة بحق جميع المواطنين السوريين الصادرة عن الأجهزة الأمنية من دون موافقة النيابة العامة ولأسباب مبررة تتعلق بملف قضائي».
أما على صعيد الإعلام، فدعت الوثيقة إلى «رفع الهيمنة الأمنية عن المعلومات العامة وعن عمل المؤسسات الإعلامية المحلية والخارجية»، «تعيين ناطق رسمي يتحدث يومياً باسم القصر الجمهوري عن الأحداث الجارية، ليعكس وجهة النظر الرئاسية مما يجري»، «وقف الحرب الإعلامية التي تقوم بها المؤسسات الرسمية ضد المحتجين والمتظاهرين والمعارضين، والتخلي عن دورها طرفاً في
الصراع».
كذلك، أكدت الوثيقة أنه لـ«إرضاء الشارع بما هو حق» لا بد من «تقديم اعتذار واضح وصريح وأسف عما جرى في البلاد، ومساءلة ومحاسبة أجهزة وشخصيات
تنفيذية عجزت عن استيعاب حركة الاحتجاج المحقة وحتى الخطاب المتشدد في الشارع»، «تقديم تعويضات مادية ومعنوية لأهالي الضحايا وللمصابين والجرحى»، بالإضافة إلى «إطلاق جميع المعتقلين على خلفية الأحداث بشكل كامل من دون إحالتهم على القضاء».
(أنقر هنا للاطلاع على النص الحرفي للوثيقة)