ربما لم يكن متخيلاً عقد لقاء لعدد كبير من المعارضين في وسط دمشق (فندق سميراميس)، حيث إن السلطة تلاحق كل لقاء أو اجتماع أو تجمّع منذ زمن بعيد. على الأقل هكذا اعتاد السوري منذ أن أعلنت الأحكام العرفية وخضع الحيّز السياسي لسلطة حزب البعث كواجهة لسلطة أدق، وأصبح «مؤمماً». لا شك في ذلك، ولا شك في أن هذا الشكل من الاجتماع سيبدو غريباً وشاذاً، وبالتالي «موافقاً عليه»، أو «موحى به». لكن ألا يشير الوضع الذي دخلته سوريا منذ 15 آذار الفائت إلى أن منطقاً جديداً أصبح يحكم كل حراك؟ ربما لم يجرِ تلمس هذه المسألة بعد!
في كل الأحوال، كان الاتهام الأساسي هو أن اللقاء يجيء في سياق الإعداد للحوار «الوطني» الذي دعت إليه السلطة، وتشكلت لجنة من أجل متابعته، وأنه جزء من النشاط الذي تقوم به هذه اللجنة. اتحاد تنسيقيات، الذي يعبّر عن بعض لجان التنسيق التي تتابع الحراك، اتهم مباشرة وكذلك بعض أطراف المعارضة في الخارج (واتحاد اللجان هذا ليس بعيداً عنها). ولجان التنسيق المحلية في سوريا اتخذت موقفاً ايجابياً. آخرون رأوا أن اللقاء هو اجتهاد من بعض النخب التي لا يشك أحد في موقفها من النظام، فقد قضت سنوات في السجون، وأن من الأفضل ألا يعقد لكي لا تستفيد السلطة منه لتسويق دعوتها إلى الحوار. وآخرون تخوّفوا من أن يصدر اللقاء بياناً يدعو إلى الحوار نتيجة ما أثير حول الحوار من نقاش، وخصوصاً أن بعض الداعين إلى اللقاء التشاوري وردت أسماؤهم في لقاءات مع بعض أطراف السلطة، رغم أنهم أوضحوا بأنهم لم يكونوا في وارد الحوار، وأن موقفهم من الحوار هو ما قررته التنسيقيات، هذه التي حددت ضرورة أن يسحب الجيش والأمن من المدن والبلدات وأن يحاسب الذين أصدروا أوامر القتل، وإطلاق كل المعتقلين السياسيين والذين اعتقلوا على خلفية الحراك، والسماح الكامل بالتظاهر السلمي.
لكن كل ذلك لم يكن لينهي التخوّف أو يوقف الاتهام. وهو الأمر الذي جعل كثيرين ممن دعوا إلى اللقاء يغيبون عنه. المسألة الأساس كانت تتمحور حول هل يخرج اللقاء ببيان يشير إلى الحوار أم يكون شكلاً من أشكال النشاط الذي تمارسه الانتفاضة الشعبية، ويكون تحت سقفها وليس تحت سقف السلطة؟
إذا تناولنا النخب في سوريا، نلحظ بأن هناك رأياً جديراً بالنقاش ينطلق من أن الوضع يمكن أن ينزلق إلى صراع طائفي ويقود إلى الدمار، ولقد وردت إشارات حول ذلك في اللقاء، وانطلاقاً من ذلك يشار إلى ضرورة ألّا نصل إلى هذا المنزلق من خلال عدم إغلاق باب الحوار مع السلطة، لأن الحل لن يكون إلا بالتفاوض ولكن ليس بأي شروط، ولهذا تلتزم بالشروط العامة المطروحة، لكنها تصرّ كذلك على الحوار. وإذا كان يمكن نقاش مسألة المسار الذي يمكن أن يتطور إليه الوضع، وهل سيصل إلى الحرب الطائفية، أو هذه الفرضية ليست حقيقية، فإن النتائج التي انبنت عليها لاحقت اللقاء من خلال القول إن الدعوة تهدف إلى الحوار مع السلطة.
في المقابل كانت الدعوة تبدو كتحدٍّ بأنه يجب التقدم خطوة في سياق تطوير نشاط الانتفاضة من خلال القول العلني والمباشر بأن هذه النخب هي جزء من الانتفاضة وأنها تستطيع أن تعلن ذلك في وسط دمشق، حيث لا بد من كسر حاجز التخوف من المشاركة لدى قطاعات لا تزال متخوفة ومتفرجة، ومشككة في طبيعة الانتفاضة نتيجة ما يبثه الإعلام الرسمي و«الخارجي» من صور ومقابلات توحي بطابع طائفي معيّن للانتفاضة. فمن ينطلق مما يرد في الإعلام يتوصل إلى أننا مقبلون على صراع طائفي أو أن الانتفاضة هي «أصولية» تسيطر عليها جماعة الإخوان المسلمين. ولا شك في أن الإعلامين يتقصدان ذلك، السلطة من أجل تخويف «الأقليات» خشية انضمامها إلى الانتفاضة، و«الإسلاميون» الذين يودون أن تكون انتفاضة «إسلامية». وهذا ما كانت تعبّر عنه مواقع على الفايسبوك، ويقال في المقابلات، وينشر في بعض الفضائيات. لهذا لا بد من تأكيد الطابع المدني للانتفاضة، وأنها تهدف إلى تأسيس دولة ديموقراطية مدنية، رفضاً لمنطق التجييش الطائفي وتأكيداً على أنها انتفاضة كل الشعب (الذي ظهر في شعارات كثيرة قيلت، مثل لا سلفية ولا إخوان الثورة ثورة شجعان، والشعب السوري واحد ..).
كل هذه الأجواء كانت تلف اللقاء، وربما كان البعض يريد أن يخرج اللقاء بما يشير إلى الحوار، لكن «الجو العام» في اللقاء كان يشير إلى غير ذلك. لقد كان دم الشهداء وصلابة الشباب في وجدان الذين حضروا، ولهذا أتت مداخلاتهم على الأوراق التي قدمت واضحة في هذا السياق. فقد قدم الكاتب ميشيل كيلو ورقة شفوية طرح فيها تصوره للإجراءات «الفورية» بعد شرح لعمق الأزمة استناداً إلى عمق المشكلة الاقتصادية، وكان يشير إلى ضرورة السير إلى وضع يؤسس لنظام يقوم على الطبقة الوسطى، لأن ذلك وحده هو الذي يؤسس لنظام ديموقراطي ويخرجنا من الشرق الاستبدادي والمنتج للاستبداد إلى العالم الحديث. وكذلك قدّم الدكتور منذر خدام ورقة مكتوبة تشير إلى مستلزمات المرحلة الانتقالية، وبالتالي كيف يمكن أن تقود الانتفاضة إلى تحقيق الانتقال إلى الدولة المدنية الديموقراطية التي كانت شعار اللقاء التشاوري، ثم قدم الدكتور حسان عباس ورقة عن دور النخب والمثقفين في الانتفاضة وفي عملية الانتقال.
في كل الأحوال مثلت الأوراق المقدمة وجهات نظر مقدميها، ولقد طرحت للاستنارة، وفتح أفق النقاش حول مسألة بالغة الأهمية تتمثل في صيغة «المرحلة الانتقالية»، حيث إنها مسألة إشكالية حتى في تونس ومصر، وهي إشكالية في اليمن. فقد فرضت القوة التي سيطرت على السلطة (الجيش) إيقاع المرحلة الانتقالية وحدودها، وكان يتوضح أن هدف ذلك هو إعادة إنتاج السلطة القديمة، لكن بوجوه جديدة وشكل جديد. وهو ما جعل الصراع مستمراً إلى الآن في كل من مصر وتونس. وشباب اليمن يطرحون اليوم بديلهم المتمثل في تشكيل مجلس انتقالي يقود المرحلة الانتقالية، وبالتالي يبتعد عن بنى السلطة القائمة، ما يجعله أقرب إلى تحقيق المطالب الشعبية (على الأقل على المستوى الديموقراطي). بهذا المعنى كيف يمكن أن تكون المرحلة الانتقالية في سوريا في ضوء مطالب الانتفاضة التي بات شعارها هو إسقاط النظام؟
هذه مسألة يجب أن يفتح النقاش حولها، وربما كانت قيمة اللقاء أنه قدم تصوراً يمكن أن يكون أرضية للنقاش الأعم، أو يحرّض على تقديم تصورات أخرى. ولهذا لم يلجأ اللقاء إلى إقرار الورقة المقدمة، ولم يكن هدفه ذلك، فهذا موضوع يحتاج إلى النقاش أولاً.
البيان الختامي، بالتأكيد كان مفاجئاً للمخونين والمتخوفين معاً، وفرض على الإعلام السلطوي العمل على تشويه ما جرى. فقد جرى التأكيد على دعم الانتفاضة الشعبية، والتزام مطالبها، في سياق العمل على تأسيس دولة مدنية ديموقراطية. كذلك شدّدد على إنهاء الحل الأمني والتجييش الإعلامي وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين والذين اعتقلوا على خلفية الانتفاضة، و..إلخ. لكن الأهم فيه هو هذه النقطة الأولى التي أظهرت انحياز المشاركين إلى الانتفاضة، الذي ظهر أن خطوة مهمة قد قطعتها «النخب» في طريق الانخراط فيها، ومحاولة لعب دورها الموضح لمضامين الانتفاضة، وطبيعتها. وهو ما أوضح بأن المشاركين ينطلقون فعلاً من أنهم جزء داعم للانتفاضة، وليسوا في وارد الحوار أو «قطف ثمار» الانتفاضة من أجل دور ليس لهم، أو يحاولون أن يحلّوا محل بعض من يعتقد بأنه «قائد» الانتفاضة و«ممثلها الشرعي». فالانتفاضة يقودها شباب وهم من سيحدد وجهتها، ومن سيقرر نهايتها. وكل من ظن بأن المسألة تتعلق بتنافس على «ركوب الانتفاضة» سيخذل لأن اللقاء لم يفكر في هذا الدور، وظل يعتقد بأنه دور من يدفع الدم: الشباب.
لهذا ربما توضّح أن عقد اللقاء تحقق بفعل الدم الذي قدمه الشهداء، والذي فرض الحاجة إلى التقدم لكسب المواقع على الأرض وليس في «الفضاء الافتراضي»، فالسيطرة على الأرض تتحقق هكذا. لا شك في أن السلطة علمت باللقاء، لكن ما فرض أن يتحقق (بموافقتها) هو هذا الصراع الكبير الذي يقوم به الشعب، والذي يفرض «التنازل»، ربما على أمل الامتصاص، لكن في المقابل يفضي إلى تحقيق تقدم في الفاعلية على الأرض. والنشاط والنقاش والصراع يجري في هذه الأجواء، وبالتالي سيخضع لميول ومواقف الأطراف المختلفة، ورؤيتها لأثر كل خطوة على سياساتها، أو كيف تخضعه لسياساتها. لكن تبقى الأهمية للنتائج التي خرج بها اللقاء.
تنسيقية أحياء دمشق التي تعنى بنشاط الانتفاضة أصدرت تصريحاً داعماً للقاء. والسلطة حاولت أن تلعب في طابعه، وبعض الدول الإمبريالية رأت أنه «خطوة في الاتجاه الصحيح» للنظام. لكن سيتضح أنه كان خطوة مهمة في سياق تطور الانتفاضة.



داوود أوغلو: نتشارك مع سوريا المستقبل

أعلن وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو أنه سيزور سوريا في إطار جولة له في الشرق الأوسط تشمل الأردن، إيران، والسعودية. ونقلت وكالة أنباء الأناضول عن داوود أوغلو قوله إن «مستقبل سوريا مشترك مع مستقبل تركيا»، مضيفاً: «الأمر المهم هو أن الشعب السوري والحكومة يستعدان للمستقبل، برؤية جديدة وتطبيق مسار إصلاحي جديد». وأكد داوود أوغلو أن تركيا تصرفت بالشأن السوري بصراحة وبإخلاص. وأضاف: «قدمنا نصائحنا بصراحة للحكومة السورية خلف الأبواب المغلقة. ما نتمناه إطلاق إصلاحات فورية في سوريا وإنهاء العنف، ونحن مستعدون لبذل كل ما في وسعنا لتحقيق ذلك»، وذلك بعد يوم من نفي وزارة الخارجية التركية تقارير إعلامية تحدثت عن أن تركيا تخطط لإطلاق عمليات عسكرية في مدن سورية.
(الأخبار)