القاهرة | تشعر جماعة الإخوان المسلمين المصرية الآن أن ثمة تياراً عريضاً يتحرك في اتجاه الضغط على المجلس العسكري لترتيب أولويات المرحلة المقبلة، وعلى رأسها وضع الدستور، وهو ما يفسّر غضب قادة الإخوان. لقد قالها في تحدٍ واضح نائب رئيس حزب «العدالة والحرية» المتفرّع عن الجماعة، عصام العريان، إن «تغيير المسار الذي حدده الإعلان الدستوري بإجراء الانتخابات البرلمانية في أيلول المقبل مستحيل».
لعلها أول مرة تتحدى فيها الجماعة المجلس العسكري الذي طالما دافعت عنه وحشدت من أجله الرأي العام، وخير دليل على ذلك ما حدث يوم الاستفتاء على المواد، حين بايع الإخوان المجلس وأعطوه صكاً للتصرف في شؤون البلاد. ووجّهت الجماعة يومها قذائفها إلى المعارضة التي طالبت بتقليص صلاحيات المجلس في إدارة شؤون البلاد.
لم يفوّت العريان فرصة لمهاجمة حملة جمع التواقيع المليونية لكتابة الدستور أولاً، على أساس أن من يتبنّى هذه الحملة هم من قال «لا» في الاستفتاء، فـ«لا يمكن أي شيء ولا مئة مليون توقيع ولا تظاهرات ولا أي جهد أن تلغي نتيجة الاستفتاء، وما يلغيها هو استفتاء جديد، وهو ضرب من ضروب المستحيل، لأن معناه عودة العجلة إلى الوراء»، هكذا عبّر نائب رئيس حزب «الحرية والعدالة». هو تعبير عن رأي جماعة الإخوان المسلمين التي أخذت على عاتقها الترويج خلال الأشهر الماضية، بجوار السلفيين، للدعوة إلى إجراء الانتخابات أولاً ومن ثم وضع الدستور. لكن لماذا؟
بعد الثورة وحلّ الحزب الوطني، ليس هناك قوى سياسية منظّمة سوى جماعة الإخوان المسلمين، وكل الأحزاب الجديدة في طور التكوين وشرح برامجها السياسية، وبالتالي فخريطة الناخب المصري والوصول إليه هما لدى الجماعة فقط. لذلك تريد الجماعة الحفاظ على تكريس العمل بآلية الاستفتاء التي لم تكن لتتم بها معادلة «الدستور أولاً أم الانتخابات». والسبب واضح، وهو أن أعضاء البرلمان الذين سيجري انتخابهم سينتخبون اللجنة التي ستضع الدستور، ومن هنا تريد الجماعة الاستحواذ على البرلمان المقبل حتى وإن أعلنت غير ذلك.
لكن لم يتخيّل أحد أن تصل درجة النقد من جانب جماعة الإخوان للمجلس العسكري إلى درجة أن يعلن أحد قادتها أنهم مستعدون للوقوف في وجه الجيش إذا غيّر المسار الذي رسمه الاستفتاء. لقد قالوا «نحن (الإخوان المسلمين) انتقدنا المجلس العسكري كثيراً وما زلنا، ونقول له إذا غيّر في خريطة الطريق التي حدّدها الإعلان الدستوري، فسنكون أول من يقف ضده». إعلان صريح يكشف إلى حدّ بعيد أن الجماعة تقدم مصلحتها السياسية على المصلحة العامة، على اعتبار أن من صوّت بنعم صوّت على عدة إجراءات ليس من بينها وضع الدستور بعد إجراء الانتخابات، بناءً على اختيار نواب البرلمان للجنة. لكن هل تقف الجماعة في وجه الجيش إذا انحاز إلى رأي الدستور أولاً؟
كل الإشارات تؤكد أن الجماعة لديها دائماً صيغ توافقية للخروج من مأزق المواجهة خصوصاً، والمجلس العسكري أعطاها شرعية كجماعة سياسية وصرّح لها بحزب سياسي يجسّد توجهاتها، وهو ما يعني أن الجماعة لن تفرّط في هذه المكاسب وتدخل في صراع مع الجيش، مع العلم بأن معظم القوى السياسية، باستثناء التيارات الدينية، تطالب بالدستور أولاً.
الجماعة بعد تصريح العريان على مفترق طرق، إما السير في طريق مواجهة المجلس العسكري، وهذا مستبعد، أو التوافق مع القوى السياسية المطالبة بالدستور أولاً على صيغة حاكمة تراعي الحدّ الأدنى من التوافق بينها.