القاهرة| السجال بين وزير الخارجية الأميركي جون كيري، ونظيره المصري سامح شكري، خلال المؤتمر المشترك بينهما أمس في ختام جلسات «الحوار الاستراتيجي» بين البلدين، حول وضعية حقوق الإنسان في مصر، ووجود صحافيين خلف قضبان السجون ــ بررها شكري بمخالفتهم القوانين وقيامهم بأنشطة إرهابية استلزمت حبسهم ــ لم تكن نقاط خلاف جوهرية في جلسات الحوار العائد بعد 16 عاماً من التوقف.
فقد حملت أجندة كيري في زيارته للقاهرة، التي ترأس فيها الجانب الأميركي في الحوار مع عدد من كبار المسؤولين المصريين، تعهداً باستئناف المساعدات العسكرية ودعم الجيش المصري مع إعادة «الحوار الاستراتيجي» لتكون جلساته دورية وتعقد كل عامين بين البلدين، بالإضافة إلى مناقشة مستجدات الأوضاع على الساحة العربية والدولية، وخاصة الاتفاق في الشأن النووي مع طهران، إلى جانب أمن الخليج والأوضاع في سوريا واليمن وليبيا، مع العلم بأن مباحثات كيري استغرقت نحو عشر ساعات التقى خلالها الرئيس عبد الفتاح السيسي.
الزيارة هذه المرة للقاهرة وصفها مسؤول دبلوماسي، تحدث إلى «الأخبار»، بأنها الأهم على الإطلاق خلال السنوات الماضية، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة كانت أكثر تفهماً ورغبة في التعاون المشترك بين البلدين، و«لديها رغبة حقيقية في أن تظل العلاقات تحظى بدرجة التعاون نفسها في مختلف المجالات» بعد نحو عامين من الفتور.

«إذا طبقت خطة فيينا،
فإنها ستجعل مصر ودول المنطقة أكثر أمناً»


خلال المؤتمر، أكد سامح شكري أنه ليس هناك «صحافي واحد محبوس بسبب كتاباته، لكن المحبوسين يخضعون للقوانين وتجري محاكمتهم بعد توفير محامين لهم على نفقة السلطات القضائية»، مشيراً إلى أن كل دولة لها قوانين تلتزمها في مجال تنظيم التظاهر وحماية المجتمع من الإرهاب.
في المقابل، أقرّ كيري للمرة الأولى بارتكاب جماعة «الإخوان المسلمين»، التي صنفتها الحكومة المصرية إرهابية، أعمال عنف، قائلاً: «نتفهم أن هناك أعمال عنف بالنسبة لبعض القيادات من الإخوان، وبعضهم ينتهجون السلمية... نعلم أن هناك تحديات تواجه مصر». وأضاف: «الولايات المتحدة مهتمة بملف حقوق الإنسان في مصر، وهناك كثير من الخلافات؛ من بينها أنه لا بد من التفرقة بين من يلجأون إلى العنف ومن لا يقومون به».
تصريحات كيرى المتسمة بالتناقض بشأن وضعية حقوق الإنسان في مصر ذهب بها إلى التشديد على دعم القاهرة في حربها على الإرهاب، قائلاً: «العمليات الإرهابية تهدف إلى خلق الفوضى، لذا فإنني أؤيد كل ما قامت به مصر لمواجهة الإرهاب والعنف، وخاصة أنها دفعت ثمناً غالياً» في سبيل ذلك. وبرغم التحفظات الأميركية السابقة على طريقة وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى السلطة، فإن كيري تحدث بإيجابية عنه في المؤتمر وعن دوره في مواجهة الإرهاب، مضيفاً: «مكافحة الإرهاب وتأمين الحدود يتطلبان مزيداً من التعاون، فالنجاح يبدأ ببناء الثقة بين السلطة والشعب عبر عملية ديموقراطية كبرى»، لكنه تحدث عن ضرورة إصلاح جهاز الشرطة، ومواجهة الإرهاب من دون الإخلال بالحريات، معتبراً أن إجراء الانتخابات البرلمانية في الخريف المقبل ــ كما أخبره شكري ــ خطوة على الطريق الصحيح، ومطالباً في الوقت نفسه الدولة المصرية بدعم السلطات الدينية والتعليمية من أجل إقناع الشباب بالعدول عن العنف والتطرف.
اقتصادياً، أبدى الوزير الأميركي اهتمامه بالتعديلات التي أدخلت على قوانين الاستثمار المصرية من أجل تشجيع التدفق الأجنبي، ومنها الاستثمار في مجال الطاقة، مشيراً إلى أن بلاده مهتمة بزيادة استثماراتها في مصر قريباً. وأضاف: «الولايات المتحدة ستواصل تقديم الدعم والتدريب للعسكريين المصريين في محاولة لتحسين قدراتهم وتحقيق الأهداف القصوى للأمن... الشعب الأميركي متمسك بالأمن والرخاء الاقتصادي للشعب المصري».
وعلمت «الأخبار» أن لقاء كيري وشكري تضمن عدة مقترحات لتأمين الحدود المصرية ــ الإسرائيلية والمصرية ــ الليبية، بالإضافة إلى مناقشات حول سبل تعزيز التعاون العسكري بين وزيادة تدريبات المصريين في الولايات المتحدة. كما لفت شكري إلى وجود تباين في وجهات النظر بين القاهرة وواشنطن لا ترقى إلى مستوى خلاف، مشيراً إلى أن تقريراً قدم للجانب الأميركي عن عمل منظمات المجتمع المدني «التي يصل عددها إلى نحو 45 ألفاً تعمل وفقاً للقانون المصري».
وبشأن القضايا الخارجية، أكد كيري أن الاتفاق النووي الذي أبرم بين إيران والقوى الدولية الشهر الماضي سيجعل مصر والمنطقة أكثر أمناً، مشدداً على أنه لا يوجد شك على الإطلاق في أنه «إذا طبقت خطة فيينا، فإنها ستجعل مصر وكل دول المنطقة أكثر أمناً»، وذلك قبل أن يستقل الطائرة ويتجه إلى الدوحة، حيث سيلتقي، فضلاً عن المسؤولين القطريين، وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف.
تعقيباً على ذلك، رأى مساعد وزير الخارجية الأسبق محمود عبد الغفار، أن نتائج الحوار الاستراتيجي «مثمرة» للبلدين، وهو ما ظهر في الجلسة العلنية وفي المؤتمر الصحافي، مشيراً إلى أن العلاقات المصرية ــ الأميركية أصبحت قائمة على الندية وليست مرتبطة بمعونات عسكرية أو مساعدات تحصل عليها القاهرة من واشنطن فحسب. وأضاف عبد الغفار إن «مصر تحصد نتائج نجاح دبلوماسيتها خلال المدة الماضية، بالإضافة إلى دخولها في علاقات شراكة اقتصادية وعسكرية مع عدد من الدول الكبرى»، معتبراً أن الاتفاق على إعادة الحوار الاستراتيجي مرة أخرى هو «اعتراف بالمكانة الدولية التي أصبحت تشغلها القاهرة على الساحة الدولية».