بالتزامن مع التظاهرات التي شهدتها العديد من المناطق السوريّة أمس، بدأت الدول الغربية السير بمسار عقوبات على دمشق، استهلّتها الولايات المتحدة وتبعها الاتحاد الأوروبي، وذلك بعدما قرر مجلس حقوق الإنسان إرسال لجنة للتحقيق في الأحداث التي شهدتها سورياأعلنت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، أمس، فرض عقوبات على سوريا على خلفية الاحتجاجات و«عمليات القتل» التي شهدتها العديد من الأراضي السورية، التي قرر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة تأليف لجنة للتحقيق فيها.
ووقع الرئيس الأميركي باراك اوباما، أمس، أمراً تنفيذياً يقضي بفرض عقوبات على مسؤولين سوريين. ويشمل الأمر حجز ممتلكات مسؤولين سوريين وردوا على لائحة ملحقة بالأمر التنفيذي تتضمن: ماهر الأسد، شقيق الرئيس السوري بشار، قائد اللواء المدرع الرابع في الجيش السوري «الذي كان له دور أساسي في أعمال النظام في درعا حيث قتلت قوات الأمن السورية المحتجّين».
كذلك تشمل اللائحة عاطف نجيب ابن خالة الأسد، الذي كان يترأس فرع الأمن السياسي في درعا خلال آذار 2011 حيث قتلت قوات الأمن السورية المحتجّين. وتضم أيضاً علي المملوك رئيس الاستخبارات العامة السورية، بالإضافة الى مديرية الاستخبارات العامة، ولواء القدس التابع للحرس الثوري الإيراني «لأن إيران تقدّم الدعم للحكومة السورية في ما يخص قمع الاحتجاجات».
وتزامناً مع العقوبات الأميركية، قال دبلوماسيون إن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي توصلت إلى اتفاق مبدئي على فرض حظر سلاح على سوريا والنظر في إجراءات تقييدية أخرى، رداً على حملة القمع السورية على المتظاهرين.
وأثناء اجتماع في بروكسل، وافق سفراء حكومات الاتحاد الأوروبي مبدئياً على فرض حظر سلاح، وسيصاغ الاتفاق رسمياً خلال الأيام المقبلة. وطلبوا أيضاً من خبراء في الاتحاد الأوروبي إعداد خطط لاحتمال فرض حظر سفر وتجميد أصول على القيادة السورية.
وقال دبلوماسي في الاتحاد الأوروبي «حصل اتفاق سياسي على حظر السلاح». وأضاف: وافقوا أيضاً على الإعداد لعقوبات أخرى.
وفي سياق المواقف الدولية أيضاً (بسام القنطار)، وافق مجلس حقوق الإنسان، الذي انعقد استثنائياً في المقر الأوروبي للأمم المتحدة في جنيف أمس، على قرار تقدّمت به الولايات المتحدة يعبّر «عن القلق الشديد لأعمال القتل والاعتقال وتعذيب المتظاهرين المسالمين على أيدي السلطات السورية». ويدين القرار «بنحو لا لبس فيه العنف الدامي ضد المتظاهرين وإعاقة الحصول على العلاج الطبي».
القرار الذي نال 26 صوتاً، طلب من المفوضية العليا لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة أن ترسل «عاجلاً بعثةً الى سوريا للتحقيق في الانتهاكات المفترضة لحقوق الإنسان وتحديد وقائع وظروف هذه الانتهاكات والجرائم المرتكبة بغية ضمان عدم الإفلات من العقاب والمحاسبة الكاملة». كذلك طلب القرار من هذه البعثة «تقديم تقرير أولي وحديث شفوي عن حالة حقوق الإنسان في سوريا الى المجلس في دورته التي ستعقد في حزيران المقبل».
وصوّت ضد القرار كل من ماليزيا، موريتانيا، باكستان، كوبا، روسيا، بنغلادش، الصين، الإكوادور، والغابون. فيما امتنعت 7 دول عن التصويت هي: نيجيريا، السعودية، تايلاند، الكاميرون، جيبوتي، أوغندا، وأوكرانيا. وأخلت قطر والبحرين والأردن وأنغولا مقاعدها في القاعة أثناء التصويت، وهو إجراء «تتخذه عادة الدول التي تكون محرجة من التصويت سلباً أو إيجاباً وتتوجس من تفسير سلبي لامتناعها عن التصويت». بحسب ما أفاد دبلوماسي عربي لـ«الأخبار».
وبحسب هذا المصدر، الذي تابع المفاوضات، فإن تأليف بعثة تحقيق أعضاؤها من مكتب المفوضية السامية يحتل درجة أقل أهمية من تأليف لجنة تحقيق مستقلّة، على غرار ما نص عليه القرار في حالة ليبيا، علماً بأن ضمان وصول البعثة إلى سوريا هو الذي سيحدّد في نهاية المطاف مدى جديّة عملها. والبارز أن القرار لم يغفل الجهود المحلية في التحقيقات عبر «حث السلطات السورية على إطلاق تحقيق نزيه وشفّاف، بما يتلاءم مع المعايير الدولية لمحاكمة المسؤولين عن الهجمات على المتظاهرين السلميين بمن فيهم القوات الحكومية».
ودعا القرار السلطات السورية إلى «الاحترام الكامل لجميع الحريات والحقوق الأساسية، بما في ذلك حريّتا التعبير والتجمّع، وإلى إتاحة استخدام الاتصالات الهاتفية والإنترنت، ووقف أعمال الرقابة على التغطية الإعلامية والسماح بدخول الصحافيين الأجانب».
ويتبيّن من النص النهائي للقرار أنّ تعديلات طفيفة أدخلت على النص الأساسي لضمان حصول الولايات المتحدة على أصوات عدد من دول أميركا اللاتينية لصالح القرار، أبرزها إدخال فقرة تمهيدية في القرار تؤكّد «مبدأ عدم جواز استخدام القوة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ضد دولة أخرى». كذلك أدخلت فقرة تمهيدية «حول الخطوات الإصلاحية التي اتخذتها» سوريا، وأهمّها إلغاء محكمة أمن الدولة العليا، وتشجيعها على «توسيع نطاق المشاركة السياسية». وألغيت فقرة تتعلّق بشروط الترشح الى عضوية مجلس حقوق الإنسان، في ردّ على الحملة الدبلوماسية التي تخوضها واشنطن لضمان عدم انتخاب سوريا في عضوية المجلس خلال الجلسة التي ستعقدها الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في 20 أيار المقبل.
مسار العقوبات لا يبدو أنه سيقف عند تهمة «قمع المتظاهرين»، بعدما دخلت الوكالة الدولية للطاقة الذرية على خط الأزمة، إذ أعلن دبلوماسيون في فيينا أن مفتشي الأمم المتحدة قد يقولون في تقرير مقبل إن الموقع الذي دمّر في الصحراء السورية عام 2007 كان على الأرجح مفاعلاً نووياً سرياً، وهو ما يفتح الباب أمام إحالة القضية إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.