القاهرة| ثمة صعوبة في تحديد العوامل التي أدت إلى التوتر بين مصر وإيران منذ انتصار الثورة الإسلامية عام 1979، بيد أن بعض الخبراء والمحللين السياسيين لهم نظرتهم تجاه هذه العلاقة المعقّدة بين الدول العربية ونظيرتها الإيرانية.
فرئيس تحرير مجلة «مختارات إيرانية» في مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، محمد السعيد إدريس، يرى أن هناك عوامل أسهمت في زيادة التوتر في العلاقات المصرية الإيرانية، «يمكن تقسيمها إلى ثلاث مجموعات، بعضها يخص النظام الدولي، والثاني يتعلق بتطورات البيئة الإقليمية. أما المجموعة الثالثة فهي التي تتعلق بخصوصية الأوضاع ومعالم نظام الحكم في البلدين».
ويضيف أن «التزامات (الرئيس المصري حسني) مبارك السياسية مع واشنطن كانت العقبة الأساسية في طريق التقارب المصري ـــــ الإيراني، وخصوصاً بعد أن اكتشفت أميركا أن إيران هى أكثر المستفيدين من غزوها للعراق».
أما في ما يتعلق بالتطورات الإقليمية، فالموقف المصري الإيراني تأثر كثيراً بسبب «تناقض الرؤى بين البلدين في العديد من الملفات، أبرزها الملف الفلسطيني ثم الملف الخليجي، وبعدهما يأتي ملف المخاوف والتحفظات المصرية على تنامي أدوار إيران ونفوذها على المستويين العربي والإقليمي».
يوضح إدريس أن مصر تحولت في عهد مبارك إلى دولة مسؤولة عن ملف تسوية الصراع العربي الإسرائيلي سلمياً. ورأت أن أي تقدم في هذه التسوية هو دليل على جدارة خيار السلام المصري، وأي تعثر فيه تشكيك غير مقبول لهذا الخيار، في حين أن إيران رفضت مبكراً معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، واعترضت على خيار السلام باعتباره خيار النظم العربية الاستراتيجي، وانحازت إلى خيار المقاومة».
أما في ما يتعلق بالتحديات الإيرانية لمصر في الملف الخليجي، فهي تحديات «تواجه الدور القومي لمصر. وقد تزايد التوتر مع تزايد النفوذ الإيراني على حساب النفوذ المصري في الدائرة العربية وفي ملفات عربية هامة، ابتداءً من لبنان إلى العراق إلى العلاقة المتصاعدة مع حركة حماس في قطاع غزة، والتعاون الوثيق بين طهران ودمشق».
وربما جعل التنازع على الملفات الإقليمية من إيران مصدراً للتهديد بالنسبة إلى مصر، وفرض توجهات سياسية مصرية نحو إيران اتسمت بالتوتر شبه المستمر بين البلدين وتعثر معظم محاولات التقارب.
المفارقة التي يؤكدها إدريس، أن كل الدولة العربية، بما فيها الخليجية، لها علاقات مع إيران، وأن مصر هي الدولة العربية الوحيدة التي لا تربطها أيه علاقات معها، رغم عدم وجود صدام مباشر بين الدولتين، أي لا مشاكل حدودية أو صراعات على موارد اقتصادية، بل كلها خلافات على «قضايا» تمس آخرين.
من جهته، المحلل السياسي نبيل عبد الفتاح، الخبير في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، يرى أن هناك توجهات لدى شرائح اجتماعية عديدة لإحداث قدر من التغيير في علاقات مصر الخارجية بعد ثورة 25 يناير، في محاولة ملء الفراغات التي خلت من نظام الرئيس السابق. هذه الشرائح النخبوية والشبابية ترى أن الخلاف مع إيران لم يكن خلافاً جذرياً، واستعادة هذه العلاقات من الممكن أن تخدم الأمن في المنطقة، وتحديداً في الدائرة الخاصة بالصراع العربي الإسرائيلي.
لكن حسبما يرى عبد الفتاح، كان ينبغي لإيران أن تقدم بعض التنازلات، مثل إزالة اسم الشارع الذي يحمل اسم قاتل الرئيس الراحل أنور السادات خالد الإسلامبولي.
وفي نظر البعض أيضاً، إن إيران في التمدد الإقليمي لم تكن تراعي الحساسيات الإقليمية من خلال توظيف القضية الفلسطينية، وإن كان البعض يرى أن مصر قد بالغت كثيراً في تصوير هذا التمدد في محاولة منها لخلق فزاعة إيرانية.
عبد الفتاح يشدد على أنه ينبغي إعادة صياغة متوازنة للعلاقات تراعي بعض الحساسيات المذهبية، حتى وإن كان المصريون لا يشعرون بتناقض مع المذهب الشيعي على عكس المؤسسة الوهابية الضاغطة. فالثقافة المصرية لديها رؤية أكثر انفتاحاً وعمقاً للمذهبية، وإن كان المصريون أيضاً لا يقبلون بالتمدد المذهبي.
بيد أن السؤال هنا هو: هل يمكن أن يكون هناك «حلف» بين مصر وإيران بعد عودة العلاقات؟ في رأي إدريس «هذا سابق لأوانه»، لأن هناك أطرافاً تحاول «تعجيز استعادة العلاقات»، وبعض دول الخليج تحاول الترويج لذلك.
الأمر ذاته يتفق فيه رئيس مركز الشرق للدراسات الإقليمية والاستراتيجية في القاهرة، مصطفى اللباد، الذي يؤكد أن مصلحة مصر في تحسن العلاقات مع إيران، وهذا ينبغي أن يكون في المرحلة الأولى. لكن هل سيثمر هذا التحسن في وجود تحالف أم لا؟ هذا أمر سابق لأوانه؛ لأن هناك أطرافاً كثيرة لا يهمها هذا التحالف، مثل إسرائيل.
على الجانب الآخر، يرى عبد الفتاح أن «المرحلة المقبلة ستشهد تقارباً متدرجاً ومتوازناً بين مصر وإيران وتركيا، من ضبط التفاعلات في النظام الإقليمي على نحو يفيد الأقطاب الثلاثة، ولخلق حالة من التوازن تخدم الأطراف وتضبط من غلواء غطرسة القوى الإسرائيلية، ومحاولات بعض الدول المحافظة كالسعودية».
لكن هل يمكن أن تنجح الضغوط الخليجية في وقف التقارب المصري الإيراني؟ يرى إدريس أن هذه الضغوط نجحت في «فرملة» هذا التقارب إلى حد الإلغاء، وخاصة من التصريحات المصرية بأن أمن الخليج خط أحمر وهذه رسائل إلى إيران.
ويضيف إدريس أن «مصر مطالبة بأن تكون علاقاتها مع إيران طيبة، حتى يمكنها أن تقوم بدورها في مشروع نهضة الدول العربية الذي فشلت السعودية في أن تقوم به، واكتفت بأن تقدم مشروع تبعية الدول العربية لأميركا وإسرائيل».
من جانبه، يرى اللباد أنه «لا يعني تحسن العلاقات مع إيران أن ندير الظهر للدول العربية، ولا يعني كذلك أن نوافق على كل ما تريده إيران منا».
ويشير اللباد إلى أنه «لا تعارض بين علاقات قوية مع إيران من ناحية، وأخرى قوية أيضاً مع المملكة العربية السعودية،
بالرغم من أن هناك تصادماً موضوعياً بخصوص العراق والخليج بين مصر وإيران، حتى لو ارتفع سقف العلاقات؛ فعودة العلاقات المصرية الإيرانية لا تعني تطابق السياسات، أو أن مصر ستقبل بالتدخل الإيراني والسياسات الإيرانية في المنطقة العربية».
ويلفت اللباد إلى أن «دول الخليج الست، بما فيها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية، لها علاقات دبلوماسية وتجارية مع إيران، رغم الاختلاف السياسي معها»، مضيفاً: «لا ننسى أيضاً أن الدول العربية ليس من مصلحتها أن تخسر مصر، ولا يمكن الدول العربية أن تضحي بعلاقاتها بمصر في حال إعادة العلاقات بينها وبين إيران».
الأمر ذاته يؤيده عبد الفتاح الذي يقول: «لا ينبغي أن نأخذ تهديدات السعودية في الاعتبار، لأنه لا دولة يمكن أن تؤثر على توجهات السياسة الخارجية المصرية بعد الثورة».