القاهرة | ما يجري أمام عدسات المصوّرين يختلف تماماً عما يحصل داخل الغرف المغلقة. الابتسامات التي يوزّعها السياسيون لا تعني بتاتاً التقارب في وجهات نظر مسؤولي الدول، هذه حال اللقطات التلفزيونية التي ظهرت لرئيس الوزراء المصري عصام شرف، أثناء لقائه بالملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز في مستهل جولته الخليجية، التي تشمل إلى جانب المملكة، كلاًّ من قطر والكويت.
بدا شرف كمن يحاول إخفاء توتره، ويغالب شعوراً بالقلق سبقه إلى المنطقة بمجرد إعلان الزيارة. شعور تأكّد عندما أعلنت الإمارات أنها غير مستعدة لاستقبال رئيس الوزراء المصري. علّق المصريون على هذا الخبر بأنّه مجرد مزحة. الإمارات التي طالما احتفت بالمصريين ترفض الآن زيارة رئيس وزراء مصر، ما الذي تغير؟ هل هو توقيت الزيارة، أم الأحداث التي صاحبتها منذ إطاحة نظام حسني مبارك؟ انتقد البعض توقيت الزيارة؛ لأنها تأتي في وقت لا تزال فيه حدّة التوترات في المنطقة قائمة، وخصوصاً أزمة البحرين، إضافة إلى تزامنها مع تصريحات القاهرة وطهران عن فتح صفحة جديدة في العلاقات المصرية الإيرانية والتقارب بين البلدين، وما يمثله هذا التقارب من قلق وتوتر فى علاقة مصر بدول الخليج التي ما زالت ترى إيران خطراً على أمنها.
وبعيداً عمّا جرى تداوله وترويجه من ودّ وترحيب برئيس الوزراء المصري في المملكة، تتمثّل مهمات شرف في طمأنة دول الخليج تجاه مصر الجديدة، على اعتبار أن سياستها مع هذه الدول لن تتغير حتى مع تغير النظام السياسي، مع التأكيد أنّ مصر ما بعد ثورة «25 يناير» حريصة على أمن دول المنطقة واستقرارها، وهو ما أعلنه رئيس الوزراء فور اجتماعه بالملك السعودي عبر قوله إن «أمن الخليج خط أحمر». لكن هذا الخط قد يتعارض مع ما تريده القاهرة من فتح قنوات اتصال بطهران «المنبوذة» من كل دول المنطقة و«الموصومة» بأنّها تسعى إلى زعزعة استقرار دول المنطقة، أملاً في السيطرة عليها.
مهمة شرف ليست سهلة على الإطلاق؛ فالرجل يتحرك الآن ما بين نزع فتيل مخاوف عواصم الخليج من التقارب مع إيران والتأكيد أنّ الموقف المصري من أمن الخليج ثابت ولن يتغيّر، وهو ما يعني تأجيل عودة العلاقات مع إيران في الوقت الحالي.
يبقى السؤال الأهم: هل هذه الجولة محاولة من جانب العرب لاستقطاب مصر ما بعد الثورة ، أم محطة أولى لإملاء شروط دول الخليج على النظام المصري الجديد؟ يأتي هذا التساؤل بعد المواقف المعلنة من جانب عدد من الدول التي ساندت نظام مبارك السابق قبل أن تطلب بعد ذلك عدم محاكمته، وهي المواقف التي أعلنتها صراحة كل من السعودية والإمارات. حتى إنّ الأخيرة عرضت إغراءات مالية للقاهرة كي تتخلى عن إجراءات محاكمة الرئيس السابق، وأبلغت مصر هذا الموقف رسمياً خلال استقبال وزير الخارجية المصري نبيل العربي لسفير الإمارات لدى القاهرة ومندوبها لدى جامعة الدول العربية محمد بن نخيرة الظاهري.
المعلن حتى الآن أنّ مباحثات رئيس الوزراء في السعودية لم تتطرّق إلى موضوع محاكمة مبارك؛ إذ نفى شرف أن تكون قد «حدثت أيّ ضغوط من أيّ نوع. وأكبر دليل أنّ الزيارة تجري بينما تستمر التحقيقات مع أركان النظام السابق»، هذا بحسب ما نقلت عنه صحيفة «المدينة» السعودية عشية دخوله أراضي المملكة. لا يعني هذا التصريح أن المملكة لم تتطرق إلى الموضوع، وهي التي ساندت مبارك بكلّ قوة وعرضت عليه أكثر من مرّة أن يحل عليها ضيفاً بعد قرار تنحيه، وهي أيضاً التي سعت إلى تبرئة ذمته من خلال التسجيل الصوتي الذي بثته قناة «العربية» وتحدث فيه مبارك عن نزاهته المالية، متوعّداً كل من تشكّك في أمانته بالملاحقة القضائية.
لكن بعيداً عن هذه المناوشات، تحمل الزيارة أهمية خاصة؛ لأنّها الأولى بعد تغيير النظام السياسي، وبروز وجوه جديدة على الساحة السياسية المصرية، وتأليف فريق جديد يقود مصر في المرحلة الانتقالية، مع الأخذ في الاعتبار أنّ معظم هذا الفريق لم يتعامل عن قرب مع ملوك دول الخليج وأمرائها، وبالتالي، المطلوب منهم الآن، إلى جانب الطمأنات والوعود، هو بناء جسور ثقة قائمة في المقام الأول على استعادة مصر لدورها الإقليمي وعودتها إلى ساحة العمل العربي كما كانت في السابق.
ربما كانت تصريحات وزير الخارجية نبيل العربي الخاصة بحشد التأييد العربي لمرشح مصر لمنصب الأمين العام لجامعة الدول العربية مصطفى الفقي أكبر دليل على هذا التوجه. فإذا نجح شرف والوفد المرافق له في انتزاع وعود مؤكّدة بتأييد السعودية والكويت لمرشح مصر، فهذا يعني أن القاهرة تسير على درب استعادة زمام الأمور في المنطقة.
وفي ظل حالة عدم الاستقرار الاقتصادي لمصر الثورة، يسعى شرف، ومن معه، إلى إعادة الثقة إلى المستثمرين الخليجيين، وتشجيعهم على العودة إلى مصر، والعمل على جذب استثمارات جديدة في تلك المرحلة الحرجة التي تمرّ بها مصر فى أعقاب ثورة «25 يناير»، ولا سيما بعدما تردّدت أنباء تقول إن أحد أسباب الخلاف بين مصر والإمارات، إلى جانب التقارب مع إيران، هو مشكلة شركة «الفطيم» الإماراتية، حيث تصاعد الخلاف بينها وبين الحكومة المصرية بسبب الأراضي التي حصلت عليها الشركة خلال عهد الرئيس السابق حسني مبارك، وقد عرضت على أثرها «الفطيم» القضية على التحكيم الدولي، مطالبةً بتعويض قدره 3.5 مليارات دولار من الحكومة المصرية.
بدورها، طالبت الحكومة المصرية الشركة الإماراتية بدفع 900 مليون جنيه فرق أسعار عن الأراضي التي خُصصت لها عام 2004 بالقاهرة الجديدة. وما يعزّز من أهمية الجانب الاقتصادي في الزيارة الردّ الأميركي المخيب لآمال الوفد المصري، الذي زار واشنطن أخيراً وطالب الجانب الأميركي بإلغاء الديون المصرية لدى الولايات المتحدة، وتقديم مساعدات عاجلة تقدّر بنحو 7 مليارات دولار، إلا أنّ واشنطن أبلغت الوفد بأنّ الموازنة الأميركية لا تسمح بإلغاء الديون التي تقدر بـ 3.5 مليارات دولار، أو تقديم مساعدات عاجلة بسبب عجز الموازنة والأزمة الاقتصادية العالمية.
في المقابل، بدا شرف متفائلاً جداً من الناحية الاقتصادية، ورجّح أن تتحسن الأوضاع خلال ستة أشهر إلى 12 شهراً في حد أقصى. وأكد أهمية تعاون المصريين في الخارج لدعم الاقتصاد المصري خلال الفترة المقبلة لمساعدة البلاد على الخروج من عنق الزجاجة، وأن الدراسات تتوقع أن تكون مصر بين أبرز الاقتصادات العالمية خلال العقدين المقبلين.
وجاءت تعليقات شرف خلال لقائه مع ممثلي الجالية المصرية بمنزل السفير المصري محمود عوف في الرياض في أجواء امتزجت بالتفاؤل والحماسة.
مصر تتوجه شرقاً، وهي الآن في الخليج لاستعادة دورها الإقليمي الذي غاب بوجود نظام مبارك، لكن فاتورة استعادة هذا الدور قد تكون غالية.



بدء محاكمة العادلي


نفى وزير الداخلية المصري السابق، حبيب العادلي، التهم الموجهة اليه بإصدار أوامر بإطلاق النار على المتظاهرين أثناء ثورة «25 يناير» التي أطاحت الرئيس حسني مبارك، وقال إنه غير مذنب، وذلك في افتتاح جلسة محاكمته.
ورفع قاضي المحكمة عبد السلام جمعة جلسة المحاكمة إلى 21 أيار المقبل استجابة لطلب محامي الدفاع الذين طلبوا المزيد من الوقت لدراسة الملف. وشهدت جلسة المحاكمة صخباً، حيث سُمع دوي ضربات على الباب. وطالب المحامون بعقد الجلسة في محكمة أكبر لتتمكن من استيعاب عدد أكبر من الناس؛ إذ تمكن عدد قليل من الصحافيين من حضور جلسة المحاكمة. وخضعت المحكمة لإجراءات أمنية مشدّدة، حيث فرضت الشرطة العسكرية طوقاً حول المكان، فضلاً عن تمركز سيارات مكافحة الشغب ودبابات أمام المبنى. وقد تظاهر المئات، بينهم عدد من أهالي الضحايا أمام المحكمة وهم يهتفون مطالبين بإعدام العادلي.
(أ ف ب)