واشنطن | فيما تستعد مجموعة الاتصال الدولية، الخاصة بالتوصل إلى حل سياسي للأزمة في ليبيا، لجولة جديدة من المحادثات تجرى غداً في العاصمة القطرية الدوحة، يبدو أن الجهود الخاصة بتسوية الصراع الليبي المسلح بين الانتفاضة الشعبية والقوات الحكومية تتسارع وتيرتها، في ضوء زيارة وفد رئاسي أفريقي لطرابلس وبنغازي.وعشية انعقاد اجتماع الدوحة، الذي يشارك فيه عدد من الدول العربية والجامعة العربية، انتهت المرحلة الأولى من محادثات يقودها الوفد الأفريقي المؤلف من كل من رئيس جنوب أفريقيا جاكوب زوما، ومالي أمادو توماني توري، وموريتانيا محمد ولد عبد العزيز، والكونغو دينيس ساسو نغيسو. محادثات شملت مسؤولي المعارضة في بنغازي، والحكومة الليبية في طرابلس.
وفيما وافق العقيد معمر القذافي على «خريطة الطريق» الأفريقية، أعلن رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان، خريطة طريق أخرى ستطرح مع أطراف ليبية حكومية ومعارضة، وبمشاركة دول الائتلاف الدولي العسكري في عرض تفاصيل الخريطة.
وتتقاطع الخطتان في بنودهما، إذ تدعوان إلى وقف إطلاق النار وانسحاب قوات القذافي من عدة مدن والسماح بوصول مساعدات إنسانية دولية للشعب الليبي، وإجراء إصلاحات ديموقراطية واسعة وبعيدة المدى في البلاد، لكن من دون أن تشير من قريب أو بعيد إلى تخلّي القذافي عن السلطة وتسليمها للشعب.
في هذه الأثناء، عرض حلف شمالي الأطلسي في مباحثات أجراها على مستوى الخبراء العسكريين، في بروكسل، نتائج العمليات العسكرية التي يقودها الآن في ليبيا، فحصلت مراجعة للأخطاء التي أدت الى مقتل مدنيين أو إلى تدمير حقول للنفط على سبيل الخطأ.
ولعل من بين المشاكل التي تواجه قوات التحالف الدولي في ليبيا، المساحات الشاسعة والمسافات الكبيرة بين المدن، حيث تبعد طرابلس عن بنغازي نحو 1000 كيلومتر.
وتأتي التحركات الهادفة إلى إنهاء الأزمة أيضاً في وقت وسّعت فيه الولايات المتحدة عقوباتها على نظام العقيد القذافي، التي يعتقد أن حلفاءها الأوروبيين سيحذون حذوها.
وشملت العقوبات الجديدة خمس شخصيات ليبية كبيرة، بينها رئيس الوزراء البغدادي المحمودي، ووزيرا النفط والمال، ومؤسستان خيريتان، هما «مؤسسة القذافي للتنمية والجمعيات الخيرية» ومؤسسة «واعتصموا».
الخبراء من ناحيتهم، يؤكدون زيادة تعقّد الأزمة الليبية بفعل تداخل عناصر عدة، الأمر الذي يزيد من صعوبات حلّها بسهولة. ففي بداية الاحتجاجات المناهضة للقذافي، تمثّل رد فعل المجتمع الدولي على الانتهاكات الواسعة النطاق بحق المدنيين بإصدار قرار مجلس الأمن الرقم 1970، الذي يدعو إلى «تجميد الأصول وحظر توريد الأسلحة، والتهديد بالملاحقة القضائية لمرتكبي جرائم الحرب» بوصفها ضرورية لمنع حدوث كارثة إنسانية. لكن الأوضاع تطورت منذ ذلك الحين وتحولت الآن إلى صراع مسلح شامل.
كذلك، فإن الجيش الليبي لم يتخذ موقعاً عازلاً محايداً، مثلما أدى الجيش في تونس ومصر دوراً حاسماً أسهم في تجنيب البلاد حرباً أهلية وتسهيل الوصول إلى حل منظم للأزمة السياسية. فالوضع كان مختلفاً في ليبيا، إذ رأى الجيش أن المتظاهرين كانوا يعارضون القذافي نفسه، لا الدولة.
هذا التمييز بين الدولة والنظام غائب في ليبيا. فقد بنى القذافي هيكلية السلطة مرتكزاً على شخصه وعلى أفراد أسرته، ومعتمداً جزئياً على التحالفات القبلية بدلاً من الهيكليات الحديثة.
ونتيجة لذلك، لم يكن بالإمكان بقاء قوات الجيش والأمن محايدة، فانقسمت ما بين قوات موالية لهذا الطرف أو ذاك. كما يبدو أن البلاد تنقسم على أسس قبلية ومناطقية.
فضلاً عن ذلك، فإن التدخل الغربي الحازم قد يساعد في إسقاط النظام، لكن الخسائر البشرية والسياسية ستكون كبيرة، وربما تعجّل في إحداث فراغ سياسي تدخل فيه قوى مختلفة في صراع مسلح من أجل السيطرة، قبل التمكن من تأسيس أي شيء يشبه الدولة أو حكومة مستقرة.
ويمكن هذه الدوامة أن تجر جيران ليبيا وتضعف بشدة آفاق التطور الديموقراطي فيها، فضلاً عن خلق كارثة إنسانية على أعتاب أوروبا.
وبالنظر إلى تعقيدات الأزمة السياسية في ليبيا وعدم حسم المواجهات العسكرية في الأمد القليل المنظور، كان على المجتمع الدولي أن يعلن مبادئ واضحة تهدف إلى وقف الخسائر في الأرواح ويمكن الدفاع
عنها بغضّ النظر عن تطورات الصراع. يأتي في مقدمة هذه المبادئ: إدانة استخدام العنف ضد المدنيين وانتهاكات القانون الإنساني الدولي، مع وجود إمكانية حقيقية لاتخاذ إجراءات دولية في حال استمرار هذه الأعمال بالتصاعد.
كما يتطلب الأمر أيضاً وقفاً تاماً وفورياً لإطلاق النار وبدء مفاوضات بين أطراف الصراع ترمي إلى استبدال النظام الحالي بحكومة أكثر تمثيلاً وخضوعاً للمساءلة واحتراماً للقانون. وينبغي أن ينظر إلى التدخل العسكري بوصفه ملاذاً أخيراً، لحماية المدنيين المعرضين للخطر.
في هذا السياق، كانت دعوة مجموعة الأزمات الدولية إلى تأليف لجنة من رجال دولة محترمين دولياً من الدول المجاورة لليبيا والدول الأفريقية الأخرى تفوّض بالتوسط للتوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار والشروع في محادثات مباشرة بين الجانبين، وضمان الانتقال إلى نظام ما بعد القذافي يتمتع بالشرعية في نظر الشعب الليبي.