من حكايات المخيّم
المخيم كله يعرف قصة حسين يلي بحكيها الشباب لمّا بدّن يتباهو. وبتحكيها النسوان لولادا لمّا يبلشوا يكبروا وينهمّو. وكمان العجاويز بحكوها لمّا يتمنّوا عمرن يطول. الولاد بفكروها بتل كل قصص «كان ياما كان» مع إنن بفضلوها على كل القصص الباقية.
هادا حسين يابو الحبايب كان دايماً ضايقة خلاقو وكان يضلّوا يسب ويربرب. وبيوم من أيام الصيف الحار، الولاد كانوا عمبنطنطوا تلت رباع مزلبطين بهالزواريب والشبابيك مفتوحة «على مصاريعها» والناس بس تخلص المي الباردي عندن بشوفو إذا بعد في عند الجيران. ما علينا، ذاع مذياع الجامع خبر وفاة حسين وبمخيم تاني دقّت الأجراس بالكنيسة. تفاجأ الناس «مبارح كان عم بصيّح هون ويخانق هناك!». راحوا الناس عبيت حسين، ولائو أهلو عمبيبكو ويصيّحو، وأخوه الكبير كان عمبيسبسب ويربرب. ومشيت إشاعة بالمخيم إنو حسين مات مقتول من واحد من الجيران مكنش بيطيقو، رافقتها إشاعة تانية إنّو انتحر. وبلّش الناس يحللوا رغم إنّو ما كان في إشي واضح. ونصح أحد الموجودين أهل حسين بالإسراع بدفنو «إكراماً للميّت». وفعلاً دفنوه، وكلّف إبن أخوه بجلب المي ورشها ونظفت أمّو القبر وأختو زيّنتو بالورد، بينما أخوه كان صافن طول الوقت. بعد شوي أخد القبر شكلو بين قبور السابقين. فلّو أهلوه وإجوا شريبت القهوي عالقبور وقيل إنّو في حدى بوّل عقبرو وفي حدى تعمّد يبصق عليه. وسمعت الناس حدى عمبلاهت حدّ القبر قاموا ليشوفوا السالفي طلع حسين بعضمو بشحمو برملو عمبمشي حدّ قبرو وطبّ بعد أكم خطّوي. وقيل إنّو لحقوه تلحيق عالمستشفى. ولمّا شفي إنتقم من اللي بوّلو عقبرو ورجع يشتم كعادتو رغم التأتأة إللي رافقتو لوقت مش قصير.
ما بعرف إذا اسمعت هاي القصة بس وحياة فلسطين إنّو أساسها صحيح. بتعرف، التفاصيل بتتغيّر وما حدى بعرفها ميّة بالميّة (البعض بقول معجزة صارت وضو طلع من قبره والبعض بقول إنّو هاي حالة طبيّة ببطئ فيها القلب لدرجة إنّو ببين إنّو وقف، وفي ناس بتقول إنّو كان بالبراد مش إندفن وفي ناس بيقولو إنّو كان يطعمي البسس فالله رحمو). بس المهم إنّو حسين ما مات وانتقم من إلّلي فكرو مات وكانو يسيئونلو وهوّي بيجي شي 85 مليون بمصر وشي 11 مليون بتونس و35 بالجزائر و6 بليبيا...
* كتبت بعد تلقي خبر وفاة رفيق لم أعرفه جيداً
شاهد عيان ــ مخيم برج البراجنة

■ ■ ■

صارت... بالمخيم


(الحياة ليست كما نعيشها بل كما نرويها) من أقوال غابرييل ماركيز)
القصة الرقم 1: لطالما روت لي ستي إم فايز (إم أبوي) أن أبي وهو طفل في منتصف الخمسينيات تعرض لمرض شديد وكادت الحرارة لديه تودي به عندما كانوا يسكنون الحوش، لكن طبيباً أجنبياً أنقذه بأعجوبة. القصة الرقم 2: عندما بلغ والدي الثامنة عشرة شهد حرب الـ73 وشهد سقوط أحد الطيارين الإسرائيليين بمظلته على مشارف المخيم، وأخبرني كيف بدأ الناس يركضون ويتجمعون في مكان السقوط، وما إن وصل الطيار حتى وجد آلافاً من اللاجئين الفلسطينيين بانتظاره. وكانت المعجزة وحدها التي تخرج الطيار السيئ الحظ هذا حياً من جموع أعدائه، وهذا ما حصل. فأكد لي أبي أن الطيار أخرج من الطرف الثاني من المخيم بعد جولة في المخيم شحطاً و... و... وسلم في النهاية للجهات الرسمية حياً، وغالباً لا يرزق.
القصة الرقم 3: اغتالت إسرائيل نائب القائد العام لقوات الثورة خليل الوزير في تونس، وتنفيذاً لوصية أبو جهاد، دُفن في مخيم اليرموك في سورية التي كان يقطنها ما لا يزيد على300 ألف فلسطيني. لكن مشيعي أبو جهاد وصلوا إلى مليون. كان الحشد مرعباً كما وصفه لي، امتلأت الشوارع الرئيسية والفرعية في المخيم، وكان التابوت يمشي وحده على اليدين والناس في أماكنهم حتى وصل إلى مقبرة الشهداء في حي المغاربة.
القصة الرقم 4: وهناك عند مثوى الشهيد أبو جهاد شمالاً ثم شرقاً قبر الشهيد سعدي دوواه، خالي. وفي يوم روت لي ستي إم سعدي (إم إمي) عن آخر إجازة وأن قلبها يومها كان (أمطا)، وفي يوم ذهابه حاولت منعه وتأخيره، لكن سعدي هدأ من روعها وذهب. لم تستطع أم سعدي الجلوس في البيت، فلبست الإشارب (شلون ما كان) وأخذت سيارة إلى كاراج بيروت ووصلت قبل حافلة سعدي، وعندما وصل وشاهدها ضحك واقترب منها (شنكلا ومشي) وحاول أن يطمئنها ويضحكها ثم أوقف لها تكسي يقلها إلى المخيم ورحل، وكانت المرة الأخيرة التي رأته فيها. استشهد سعدي بعدها بأيام. أقف هناك عند قبر أبو جهاد وقبر سعدي، فتضيء من حولي آلاف القصص لتنير ليل المخيم دوماً.
حسان حسان ـــ مخيم اليرموك