صنعاء | تركض جميلة، أو الدكتورة كما تناديها النساء، من مكان الى آخر داخل المخيم، وتحديداً في المنتدى النسائي في ميدان التغيير، تنظم حركة النساء وتعدّ للندوة المسائية اليوميّة. على عكس المألوف في اليمن تمضي بعض النساء لياليهن خارج المنزل في خيمة يحرسها الشباب جيداً، إلا أن الدكتورة، التي لم تكن قبل جمعة الكرامة تدير للسياسة «وتوابعها أذناً»، تمضي لياليها وأيامها في المخيم.في تعز تركت خلفها منزلاً وعائلة وأولاداً. في ذلك اليوم الدمويّ جلست في مقابل التلفاز تشاهد شباب ميدان التغيير يقدمون أكثر من خمسين شهيداً، «ركضت الى غرفة نومي ارتديت العباءة والخمار، وضّبت أغراضي في حقيبة صغيرة وركضت الى الشارع لأستقلّ سيارة تاكسي».
غادرت جميلة النبهاني تعز في سيارة أجرة تشاركتها مع آخرين للمرة الأولى، سمعت مواطنيها يناقشون مسألة بقاء علي أو رحيله، «أدركت أن السياسة جزء من حياتنا، وأنني اتخذت القرار الصحيح».
في صنعاء وصلت الى المخيم، شقت طريقها حتى التقت سميرة العبد الله، الصحافية التي سترافقها الى منتدى النساء. هنا بدأت رحلة جميلة الجديدة، تحمل في يدها كتاب جار الله عمر «وطن أو لا وطن» ترفعه أمامها، وتقول بنبرة مذنبة «عندما سمعت خبر مقتله (جار الله عمر) لم أهتم، بدّلت المحطة، فكرت في أنني لا أريد أن أرى الموت ببشاعته، فجأةً حضر اسمه الى ذهني فطلبت من سميرة الكتاب».
تدخل امرأة الى الخيمة فتقف لاستقبالها، تحيطها بذراعيها وتعرّف بها «الأخت زيدية والله ما كنت أعرف كيف يفكرون أول مرة أقعد فيها مع زيدية»، تخفض صوتها وبنبرة فكاهية تردف «لولا تسبيل اليدين ما لقيت فرق بيناتنا».
تستكمل الحديث عن تجربتها، تلقت مساء يوم مغادرتها تعز اتصالاً من زوجها يسألها فيه عن مكان وجودها فأجابته «أنا من بتوع التغيير، لن أخرج قبل رحيل علي»، يصمت قليلاً ويأتيها صوته بعيداً «إذاً نفترق». تضحك فخورة بقولها له «بعد الثورة، الآن لا وقت لدي». أقفلت الخط وأكملت تجربتها الجديدة «أنا أمشي مع الرجال. أمس، في مواجهة الأمن تقدمت الرجال لكنهم أبعدوني بالقوة». تفخر الدكتورة بعدد النساء المتزايد في الاعتصام، ترى أنها تعلمت في هذه الخيمة ما لم تتعلمه في الجامعة في أثناء دراستها الدكتوراه.
بعد خطاب صالح الأخير «وجد زوجي أن القصة ستطول، اتصل وقال لي أنتم بلطجية، أنا مع الرئيس». تصف زوجها بأنه من أولئك الذين ينتظرون ليروا أين ستؤول الأمور قبل اتخاذ موقف، أما أنا فأقول «بعد الدم نموت أو نعيش بحرية»، في النهاية أرسلت إليه رسالة على هاتفه الخلوي تقول «الشعب يريد إسقاط النظام، انشرها يلحقك ثواب».
تتعجب الدكتورة الجامعية من قدرتها المفاجئة على النقاش السياسي، بعدما بقيت أعواماً معزولة عن أيّ حديث سياسي. «الآن أفنّد أحداث البحرين وليبيا، وأساعد الصبايا على إيجاد أدوار لهن في الثورة»، تبرّر ذلك بتحطم حاجز الخوف، تربّت وهي ترى أخويها الناشطين السياسيين يلاحقهما النظام، لم تكن تدرك ما الذي يدفع بشبان «لا ينقصهم شيء، الى التمرد». اليوم تصف النظام القائم «بالملكية التي ترتدي خمار الجمهورية». ترى أن النظام استخدم الوسائل الطائفية والتفقير ليسود اليمنيين. تؤمن أن أيامه معدودة وأهم من ذلك اكتشفت بين هذه الخيم البالية إمكاناتها كامرأة على التغيير في حياتها الشخصية وفي المجتمع. تقول عن نفسها «أنا المرأة التي كانت تخاف النوم في منزلها وحيدة، أنام في خيمة مكشوفة للبلطجية، أتجول بين أرجاء المخيم للمساعدة، أحمل حجارة لأواجه الأمن، الثورة حطمت صورة نمطية بنيت على مدى عشرات السنين، ولا بد من أن تغيّر النظام».