صنعاء | يتغنّى الثوار اليمنيون بسلمية تحركاتهم، لا يربكهم أن يستلّ شاب مجاور خنجره رداً على استفزاز أحد المارة، يكملون دفاعهم عن ثباتهم على الرد بالتظاهر، في مقابل نيران علي عبد الله صالح. يسيرون باتجاه مجموعة من الخيام في ميدان التغيير تضمّ أفرداً من قبائل يمنية قررت وضع السلاح جانباً «من أجل التغيير».. قبائل الجوف، خولان وبني مطر وغيرها. يجلس الشباب في خيمة شباب قبيلة خولان من صنعاء يتغنون بمشاركتهم في الاعتصام المفتوح، وخولان قبيلة من بكيل يعيش أبناؤها في منطقة تبعد 75 كلم عن قلب العاصمة، ولا تدخل الدولة تلك المنطقة الجبلية، وتتواصل فقط مع مشايخ القبيلة.
انضم شبابها إلى الثورة «بعد اكتشافهم أن الرئيس يمارس عليهم سياسة فرّق تسد، وحرمهم من معظم الخدمات الحياتية».
كما خولان، تفترش قبيلة مراد من مأرب أرض خيمة كبيرة، تغيب الأسلحة عن المساحة المكشوفة، يشير الشباب إلى رجل في صدر الخيمة سيتولى الإجابة عن أسئلة الصحافيين. من خلال إجابات أصبحت نمطية لدى الثوار اليمنيين، يؤكد الشاب التزام القبيلة بالتخلّي عن السلاح. يبرّر ذلك بقوله إن التظاهر السلمي «هدف وضعه الثوار، يلتزم به الجميع، ولا يتيح لصالح استخدام سلاحه ضد المدنيين».
وتتمتع قبائل اليمن في الشمال بامتيازات في عهد صالح يُجمع معظم اليمنيين على أنها «أسست لـ33 عاماً من حكم مطلق لعلي»، إلّا أن الشيخ المأربي يرى أن صالح أقصى عن قبيلته الخدمات الحياتية وحرمهم من مساعدات الدولة، فهو يبلغ 35 عاماً ولا يذكر «غير صالح رئيساً وحاكماً مطلقاً»، متسائلاً «هي ملكية ولّا إيه!».
يتعهد الشيخ الشاب الالتزام بترك السلاح، يدافع عن الثورة ويستشهد برجل يجلس إلى جانبه تبدو على وجهه آثار حروق قديمة، يعرّف عن نفسه بأنه نقيب في الجيش اليمني أصيب في التسعينيات خلال مهمة عسكرية لكنّ الدولة لم تهتمّ به، خرج من الخدمة بعدما تعرض للإصابة، حاملاً وعوداً كثيرة لا يزال ينتظر تحقيقها... هو أيضاً يريد إسقاط الرئيس ... سلمياً.
في مخيّم التغيير الذي يمتدّ حول جامعة صنعاء يجتمع الحوثيون والإخوان والجنوبيون، جمعتهم المصيبة كما يقول أحد الشباب المنظمين. والمصيبة لها اسم: علي عبد الله صالح، لكن ماذا بعد علي؟
سؤال يربك بعض الثوار غير المتحزبين، أمّا الحوثيون الموزعون في خيمتين وسط الميدان، فيجيب أحدهم بثقة «إن الثورة غيرت الكثير» وأتاحت التفاعل مع الإخوان وغيرهم لأن «النظام هو من أسّس للفتنة المذهبية». يلتزم الحوثيون، كما الإصلاح (الإخوان المسلمون)، عدم استخدام السلاح وإن كانت خيمتهم تزيّنها صور الشهداء، ومن يعدّونهم القتلى، وتتقدم الصور واحدة للواء علي محسن الأحمر (قائد الفرقة الأولى المدرعة المنشقّ عن صالح) والذي يعدّونه القائد الأول لحرب علي عبد الله صالح على الحوثيين، الرجل الذي غمس يديه بدماء الحوثيين.
يبرر علي «الحوثي» ذلك، بأن الصورة وضعت منذ «بداية الاعتصام، وأن علي محسن إذا ندم وقرر الاعتذار فالثورة لا يمكن احتكارها» لكن علي محسن لم يعتذر. أصبح الأحمر الحارس الرسمي للمخيم، ينتشر رجاله باللباس العسكري على مداخل ميدان التغيير يفتشون القادمين ويتناوبون على حراسة أمن شباب الثورة المعتصمين، يتململ أحد الشباب من ذلك بقوله إن ذلك أفقدهم الإحساس بالترقب داخل الخيام «الآن أصبحنا ننام من دون أي خوف، صحيح أنّ الوضع أفضل، لكننا كنا نستمتع بحراسة المخيم».
نجح الثوار في جعل ميدان التغيير خارج سلطة صالح، وبعد دخول الفرقة الأولى على خط المواجهة أصبح الميدان محصناً عسكرياً، لكنّ صالح نجح في جعل الحياة تستمر بنحو طبيعي في شوارع صنعاء، خارج الميدان. أصبحت صنعاء صنعاءين: شمالية تحت سيطرة الثوار، ووسط العاصمة وجنوبها تسير فيها الحياة بنحو طبيعي وتنسجم مع وجود خيم مؤيدة للرئيس في ميدان التحرير.
في ميدان التغيير يتلاقى الأصدقاء الأعداء لإسقاط العدوّ الأول، حوثيون وإخوان مسلمون، تتجاور خيامهم ويجتمعون في اللجان التنظيمية يتحدثون عن «اكتشاف الآخر». لا يتحدثون عن «فلتات» تحصل هنا وهناك مثل اليوم الذي صعد فيه أحد الحوثيين إلى المنصة واتصل بالناطق الرسمي باسمهم محمد عبد السلام الذي قال عبر الهاتف «السيد (عبد الملك الحوثي) يتابعكم ويثني على يدكم». فقطع أحد الإصلاحيين (الإخوان) الصوت عن المنصة ونادى عبر مكبّرات الصوت بأن الحوثيين يريدون الفتنة والفرقة. لملم المنظمون الحدث واعتذر الشاب الإخواني على المسرح «عن سوء التفاهم».
اما الأطرف، ففي بلد ملتزم دينياً يميل معظم الشباب الى قيادة ياسين سعيد نعمان، الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني للمرحلة المقبلة.
في أوساط الرئيس، لا يبدو تفاؤل الثوار بحسم قريب منطقياً. يرى مستشار الدائرة السياسية للحزب الحاكم زيد الذاري، أن رحيل الرئيس هو المطلب الوحيد الذي يجمع ثوار ميدان التغيير، ويصف ما يجري بالصراع على السلطة بين الرئيس «وحاشيته السابقة والشباب هم وقود»، رغم أنّه لا يشكك في صدق الشباب «ونياتهم الصادقة».
لا يخفي الذاري أنّ التوريث كان السبب الأساسي لانشقاق علي محسن الأحمر وغيره، لا سيما بعدما أُخذت منه صلاحيات كثيرة وأعطيت لأبناء صالح (بينهم ابنه أحمد الذي يترأس الحرس الجمهوري). كذلك يتخوّف من انفجار داخلي بين الفرقة الأولى برئاسة علي محسن والإخوان ـــــ أبنائه المدللين ـــــ من جهة، والحرس الجمهوري من جهة أخرى، كذلك يخشى أن يمرّ هذا الصراع على جثث شباب ميدان التغيير.
واللافت مطالبة الذاري بدور تركي فاعل إلى جانب الدور السعودي في المفاوضات لحل أزمة اليمن. صحيح أن صالح خسر تأييد قبائل كبرى كانت تؤيده سابقاً، لكن على أرض الميدان لا يبدو الحل قريباً، رغم فقدان الرئيس اليمني سلطته في محافظات أبين والضالع ويافع وشبوة في الجنوب إضافة الى صعدة ومأرب والجوف في الشمال ومواجهته لعصيان مدني شامل في عدن.
في صنعاء يعدّ حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم لـ«جمعة الوفاق»، ومسيرة مليونية في ميدان التحرير تأييداً لصالح، فيما يستعدّ المعارضون لمسيرات «جمعة الثبات». وحتى إشعار آخر، لا تزال تظاهرات الثوار سلمية، يمضي الشباب أيامهم «منزوعي السلاح» في خيامهم التي تتسع يومياً، لكن مراقبين يتساءلون: إذا ما سقط صالح غداً أو بعد أيام أو خلال أسابيع فهل يخرج السلاح من مخابئه بين «أصدقاء» كانوا حتى الأمس القريب ألدّ الأعداء ويتحوّل ميدان التغيير إلى حقل صراع يمنيّ إضافي؟



محاكمة صالح


نظّم أكثر من عشرين ألفاً من أبناء محافظة البيضاء أمس مسيرة حاشدة جابت شوارع عاصمة المحافظة، للتنديد بمحاولة اغتيال اللواء علي محسن الأحمر (الصورة) ولرفض أي مبادرة لا تنصّ على الرحيل الفوري لعلي عبد الله صالح.
وردّد المشاركون هتافات تطالب بمحاكمة الرئيس اليمني، بعدما حمّلوه مسؤولية «الجرائم» التي ارتكبت بحق المتظاهرين في مختلف المحافظات اليمنية.
بدورها، شهدت محافظة مأرب مسيرة نسائية للتنديد بمجازر النظام ضد شباب الثورة. واحتشدت النساء هاتفات بإسقاط النظام، داعيات إلى الوحدة والحرية والعدالة والمواطنة المتساوية. وتوجّهت المشاركات إلى شباب الثورة بالقول إن «النظام الذي خنقكم بالغازات السامّة هو الذي يخنق البلاد بالفساد والاستبداد منذ 33عاماً».