هل يتشظى «نداء تونس»؟

  • 0
  • ض
  • ض

تعقّد الموقف في حزب «نداء تونس» الحاكم بعد استقالة أمينه العام. الأزمة المستمرة في الحزب منذ فترة بين جناحين يقود الأول محسن المرزوق والثاني نجل رئيس الجمهورية، حافظ قائد السبسي، أصبحت تهدد الحزب بالتشظي.

أعلن الأمين العام لحزب «نداء تونس»، محسن مرزوق، أول من أمس، استقالته من الأمانة العامة للحزب، عازياً سبب تخليه عن هذه المسؤولية إلى أنها «صارت شكلية وليست لها أيّ أهمية»، واستدرك بأنه لن يستقيل من «نداء تونس»، وسيستمر في قيادة المشروع المجتمعي للحزب، وإنقاذ البلاد من «المال السياسي الفاسد». ويعرف «نداء تونس»، الذي يقود ائتلافاً حاكماً يتكون من 4 أحزاب من ضمنها حركة النهضة الاسلامية، أزمة كبيرة تشقه إلى قسمين أحدهما يقوده محسن مرزوق، والثاني يتزعمه حافظ قائد السبسي، نجل رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي. وبدأت الأزمة داخل «نداء تونس» قبل الانتخابات البرلمانية والرئاسية أواخر 2014 لتتعمق بعدها بسبب الخلافات حول المناصب القيادية داخل الحزب. وقد وصلت الأزمة لـ«نقطة اللاعودة» بعد اعتداء «ميليشيات» بالعصي والهراوات على عدد من قادة الحزب خلال اجتماع للمكتب التنفيذي الذي يحسب على محسن مرزوق ما دفع بـ 32 نائباً من كتلة الحزب البرلمانية إلى التلويح بالاستقالة من الكتلة قبل أن يجري التراجع عن ذلك. ورأى المحلل السياسي، منذر ثابت، أن استقالة محسن مرزوق «تمهيد لمشروع تأسيس حزب سياسي جديد قد يقوده مرزوق برفقة عدد من الكوادر القيادية ومجموعة من النواب قدر عددهم بـ20 نائباً». ورجح ثابت في تصريح لـ«الأخبار» إمكانية ايجاد تفاهمات وعمل جبهوي حول تيار ثالث يكسر الاستقطاب الثنائي، كما رجح أن مرزوق اختار خيار الانسحاب من الأمانة العامة كخطوة تكتيكية للبعث برسالة أنه غير معني بقضية تزعم الحزب وسحب البساط من تحت أقدام الطرف الثاني.

تطالب "النهضة" بتوسيع تمثيلها في الحكومة الجديدة المتوقعة خلال ايام
ويُعد محسن مرزوق، الذي بدأ حياته السياسية مناضلاً طالبياً بأقصى اليسار، أحد مؤسسي «نداء تونس» عام 2012 وشغل منصب مدير حملة الباجي قائد السبسي خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة قبل أن يعينه مستشاره للشؤون السياسية. وكان مرزوق قد اختار بعد تفجر الصراع داخل «النداء» الاستقالة من منصبه الحكومي والتفرغ لحل أزمة الحزب الحاكم وانتخب في شهر أيار الماضي أميناً عاماً للحزب. ومرر مرزوق في إعلانه عن الاستقالة رسائل موجهة إلى فريق حافظ القائد السبسي داعياً إلى «تنظيم مؤتمر انتخابي ديموقراطي للحزب، لا مؤتمر توافقي شكلي منحاز إلى طرف معين». وسبق لمرزوق أن قال إن «نداء تونس انتهى منذ فترة طويلة». ويتهم الفريق المقرب من محسن مرزوق الطرف المقابل بسعيه لتوريث نجل الرئيس حافظ قائد السبسي قيادة الحزب كما يشير عدد من نشطاء وقواعد الحزب إلى أن سبب انشقاق الحزب هو دخول أموال فاسدة مصدرها رجال أعمال مشبوهون، منهم مقربون من حركة «النهضة» مثل رجل الأعمال شفيق الجراية. وتدخّل رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي في محاولة منه لرأب الصدع بين جناحي الصراع داخل «نداء تونس» داعياً لتكوين «لجنة الـ13» والمتكونة من قيادات من شقي الصراع وقد خرجت بخارطة طريق لجمع الأفرقاء عبر الدعوة لعقد مؤتمر توافقي بين الطرفين إلى حين عقد المؤتمر الانتخابي. و«لجنة الـ13» كانت قد أعلنت الخميس الماضي، تنظيم مؤتمر أولي توافقي يوم 10 كانون الثاني المقبل، ومؤتمر ثان انتخابي يوم 31 حزيران، في مسعى من اللجنة للتوفيق بين مطلبي الفريقين المتنازعين. ويرى منذر ثابت خارطة الطريق المطروحة منطقية في هذا الظرف بالذات، مشدداً على أن «الذهاب مباشرة إلى مؤتمر تأسيسي انتخابي غير منطقي، وخصوصاً أن الحزب لا يملك مؤسسات حزبية تقليدية تمكّنه من إجراء مؤتمر بهذا الشكل». ويرى القيادي في «نداء تونس» وعضو لجنة الـ«13»، بوجمعة الرميلي أن «الأزمة التي يعيشها الحزب تطلب حلولاً عاجلة وقيادة توافقية لا تنحاز لأي طرف من أطراف الصراع تمهد لمؤتمر انتخابي يفرز القيادة الشرعية التي ستقود الحزب في مختلف الاستحقاقات القادمة»، موضحاً أن تنظيم مؤتمر انتخابي أول للحزب لا يفيد حالياً لأنه يتطلب وقتاً طويلاً فيما الأزمة تهدد وحدة الحزب». من جهتها أعلنت صابرين القوبنطيني، النائبة عن «نداء تونس» المحسوبة على فريق محسن مرزوق، رفضها لمبادرة لجنة الـ«13» واصفةً إياها بـ«الجوفاء» و«الداعمة للانقلاب على المؤسسات الشرعية في الحزب»، وتكرّس «منطق الزابونية والولاءات الشخصية». كذلك رأت القوبنطيني في تصريح لـ«الأخبار» أن استقالة مرزوق من الأمانة العامة عادية، ذلك أن المبادرة «تعلن حل كل الهياكل الموجودة وتفرض طريقة محاصصة داخل قيادة الحزب» بحسب تقديرها. بدوره رأى القيادي في «نداء تونس» لزهر العكرمي أن لجنة الـ«13» ماتت ولم ينف إمكانية تأليف حزب جديد ينبثق عن «نداء تونس». ولا تحسم القوبنطيني في مسألة الانسحاب من «نداء تونس» بالقول «لسنا مجبرين على البقاء في نداء تونس بل نحن نعمل على مواصلة مشروعنا الوطني وسط أي إطار كان»، مشيرة إلى أن الحزب في شكله الحالي «حاد عن المشروع الذي تكوّن من أجله»، مضيفةً «مشروعنا متواصل لا نريده مرتبطاً بالمال السياسي الفاسد وبالتوريث». من جهة أخرى، أكد وزير الخارجية، الطيب البكوش في تصريح صحافي من الكويت أن الخلافات في أروقة «نداء تونس» لا تأثير لها على عمل الحكومة. ووسط حالة التخبط والصراع الذي يعيشه «نداء تونس» تتنظر حركة «النهضة» الإسلامية ما ستؤول إليه الأوضاع في الحزب الحاكم لما سيكون لذلك من تبعات على الحياة السياسية ومن فرص الحركة من إعادة سيطرتها على الوضع. وفي هذا الإطار، يجزم منذر ثابت أن «النهضة» هي المستفيد الأول من انشقاق «نداء تونس» وصراعاته، حيث ستبرز الحركة كقوة سياسية متماسكة وأكثر وحدة وانسجام وستتموقع كحجر زاوية كما ستغنم مما يحصل في الانتخابات المحلية المقبلة التي ستكون الامتحان الحقيقي في تطور موازين القوى بين الأطراف السياسية المؤثرة. فيما أكد لزهر العكرمي أن انشقاق جزء من «نداء تونس» لن «يؤثر على التوازن السياسي في البلاد المرتبط بتوازنات دولية وإقليمية»، مضيفاً أن "الشراكة مع النهضة باتت ضرورة ملحة في إطار الحفاظ على النموذج الديموقراطي التونسي الذي يجمع الإسلاميين والعلمانيين في سدة الحكم». وشدد ثابت على أن «النهضة» ستزيد غنائمها من صراع أجنحة «النداء»، فمن باب المنطق أن «تطالب الحركة بتوسيع تمثيليها في الحكومة الجديدة التي يعتزم رئيس الحكومة الحبيب الصيد تغييرها خلال الأيام المقبلة»، موضحاً أن «النهضة لازمت الانضباط السياسي وأكدت دعمها حكومة الصيد ومن جهة ثانية قدمت ضمانات للرئيس (الباجي) القائد السبسي أنها في حالة حصول انشقاق داخل النداء ستبقى في مربعها الأول ولن تبادر إلى سحب الثقة من الحكومة أو تكون مصدراً لعدم الاستقرار السياسي ذلك أن في مقدور النهضة دستورياً إدخال البلاد في أزمة سياسية». وأضاف ثابت أن قيادة «النهضة» تتفاعل بذكاء مع المتغيرات الإقليمية والدولية وتقرأ جيداً هذه المعطيات وتلازم الحذر، مشيراً إلى أن القفز على السلطة ليس الرهان الآني للحركة في هذا الظرف الدقيق.

0 تعليق

التعليقات